Share
  • Link copied

أكاديمي يرصد ظاهرة السرقة العلمية من لدن المنتمين إلى الجامعات المغربية

في ألف باء السرقة العلمية

د. فؤاد بن أحمد

تظهر الكتابات والنقاشات أن الكثير من المنتمين إلى الجامعة المغربية اليوم غير مستأنسين بمعنى السرقة الأدبية plagiarism, plagiat ولا بتبعاتها العلمية والقانونية؛ الأمر الذي يسهم في خلق جو من الغموض، المقصود أحيانا. ووعيا منا بخطورتها في مسار الباحث كله وأثرها على صورة البحث العلمي في البلاد، دأبنا على تدريسها ضمن مادة مناهج البحث لطلبتنا منذ أزيد من عشر سنوات؛ وتعميما للفائدة نقدم هنا تعريفات ستة اقتبسناها كلها من مقالة نقدية منشورة لنا، مع ذكر بعض الأمثلة المستجدة.

يعرف قاموس كمبريدج السرقة العلمية plagiarism كما يلي:

السرقة العلمية هي أن تعمد إلى استعمال أفكار شخص آخر أو عمله والادعاء بأنها لك.

https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/plagiarism

وتُعرف جامعة أكسفورد -وهي واحدة من الجامعات العشر الأفضل في العالم- السرقةَ العلمية كما يلي:

السرقة العلمية، أو الانتحال، هو تقديم أعمال شخص آخر أو أفكاره كما لو أنها خاصة بك، مع موافقته أو من دونها؛ وذلك عن طريق تضمينها عملك، دون اعتراف كامل منك. ويدخل تحت هذا التعريف جميع المواد المنشورة وغير المنشورة، سواء كانت مخطوطة أو مطبوعة أو إلكترونية [رسائل جامعية، مطبوعات دراسية، مسودات، رسائل شخصية، كتب مقالات وصور…]. وقد يكون الانتحال عمدًا أو تهورًا أو بغير قصد. وبموجب القوانين التنظيمية للاختبارات، يُعد الانتحال، عمدا أو تهورا، جريمةً أو مخالفةً تأديبية.

https://www.ox.ac.uk/students/academic/guidance/skills/plagiarism?wssl=1

أما جامعة كنتKent State University  من ولاية أوهايو الأمريكية، فتقدم التعريف الآتي للانتحال؛ وهو تعريف موجه بالأساس للباحثين الذين هم في طور التكوين والإعداد التعليمي في الجامعة:

يحدث الانتحال عندما يستخدم الكاتب عمداً لغة شخص آخر أو أفكاره أو مواد أخرى أصلية (وليست بالمعرفة المشتركة، [من قبيل: أنا أفكر، فإذًا أنا موجود؛ شكر المنعم واجب]) دون الاعتراف بمصدره.

https://www.kent.edu/writingcommons/definition-plagiarism

وأما جامعة أبو ظبي فتعرف الانتحال كما يلي:

إنه ”السرقة عمدا للملكية الفكرية“، وفاعلها معرض للعقوبة.

https://www.adu.ac.ae/study/governance/office-of-academic-integrity

وهذه جامعة الأخوين من إفران بالمغرب، وهي سباقة في هذا البلد إلى إدراج السرقة العلمية ضمن ما ينبغي للطالب أن يدرسه، وسباقة إلى استعمال برنامج turntin.com  لرصد السرقات العلمية وتطبيقه على كل بحوث الطلبة، تعرف الانتحال كما يلي:

الانتحال هو أن تستعمل كلمات شخص آخر أو أفكاره في عملك من دون أن تعترف بذلك. بعبارة أخرى، إنه سرقة أفكار شخص أو عباراته.

وهذا غير مقبول أكاديميا لعدة أسباب:

منها أنك تَحرم صاحب الفكرة، أو وسيلةِ التعبير عن هذه، الفضلَ في قيامه بذلك؛

وأنك تحرم نفسكَ فرصة التعلم، عن طريق التفكير في الأشياء اعتمادا على نفسك؛

وبما أنك لا تقوم سوى بتكرار أفكار شخص آخر، فإنك تحرمُ العلمَ وجميعَ مجالات المعرفة من إمكانية التقدم والتطور، التي يفترض أن تحصل عن طريقة جديدة للتفكير أو الاكتشاف.

http://www.aui.ma/personal/~A.Cads/1201/1201x/plagiarism.htm

هذا، ولم نتوفق في الحصول، من خلال تصفحنا، لمواقع بقية الجامعات المغربية على معلومات ضافية بخصوص القوانين والمواثيق المعمول بها وسط هذه المؤسسات لمنع هذه الآفة من الانتشار بين الطلبة والأساتذة. ولكن يجدر بنا أن نذكر أن من بين ما وقفنا عليه ميثاق أصدرته جامعة الحسن الأول بمدينة سطات، وهو بعنوان: ميثاق مكافحة انتحال الملكية العلمية في جامعة الحسن 1 سطات: موافق عليه من طرف مجلس جامعة بتاريخ 11/05/ 2013. انظر: http://www.uh1.ac.ma/system/files/charte.pdf ومنه نستقي الشواهد التالية:

من بين ما يرد في المادة الأولى من هذا الميثاق ما يلي:

يعتبر انتحال الملكية العلمية أخذ النص بكامله أو جزء منه أو إنتاج أدبي أو رسم تبياني ككل، أو أخذ الأفكار الأصلية للمؤلف بدون الاعتراف بأبوته، عن طريق وضع مزدوجتين والإشارة للمعلومات الببليوغرافية المناسبة.

لا يحتاج الأمر تعليقا منا، وبدلا من ذلك نسمح لأنفسنا بأن ننقل فقرتين قصيرتين أخريين من هذا الميثاق؛ إذ يرد في ديباجته:

يعد هذا الميثاق بمثابة القواعد الواجب احترامها في هذا الصدد من لدن جميع مكونات الجامعة: طلبة وأساتذة باحثين وإداريين.

ويرد في المادة الخامسة منه:

خرق هذا الميثاق يخضع للعقوبات التأديبية التالية: توبيخ؛ إلغاء الشهادة المهيأة؛ الطرد من الجامعة لمدة محددة؛ إلغاء نهائي من الجامعة؛ الطرد من جميع مؤسسات التعليم العالي العمومي لمدة محددة؛ الطرد النهائي من جميع مؤسسات التعليم العالي العمومي عبر المملكة. (انتهى)

وعليه، فعندما آخذ فكرةً أو قولةً أو غيرهما من عملٍ لشخص آخر، فإن من الواجب علي، أخلاقيا وعلميا وقانونيا، أن أذكر بوضوح كاملٍ المصدرَ الذي أخذت منه تلك الفكرة أو القولة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما أكتب مقالا أعول فيه، كليا، على كتاب غيري أو على رسالته الجامعية، فلا يكفي أن أخبر في هامش يتيم بوجود دراسة منشورة تعالج الموضوع نفسه الذي يعالجه المقال، بل يفترض بي أن أظهر، بوضوح وبدون التواءات، طبيعة علاقة مقالي بذلك الكتاب أو الرسالة، أعني هل مقالي يحاورها أم ينتقدها أم يعتمد عليها ويترجمها، كليا أو جزئيا. ومن باب النزاهة العلمية أن أوثق بوضوح في هوامش دراستي تلك المواضع التي أخذت منها. ومثال ثان عندما أعمل على نسخ فقرات كاملة من كتاب شخص آخر كتب في الموضوع منذ زمن، ولنقل مثلا: مؤلفات ابن باجة لجمال الدين العلوي، ولا أحددُ ماذا اقتبستُ بالضبط، فكيف يمكن للقارئ، أي قارئ، أن يدرك أن هذا لي ويميزه عما للعلوي رحمة الله عليه. الهوامش ووسائل التنصيص المختلفة إنما وجدت لكي تستعمل من قبل الباحثين والدارسين؛ وأتصور أن هذه أمور بينة بذاتها، بالنسبة لمن يخبر البحث العلمي بمعاييره.

والدفاع عن ضرورة الوضوح في تنصيص الأفكار والاقتباسات وتوثيقها تمليه النزاهة والأمانة العلميين؛ كما تمليه الخشية من السقوط في ما يترتب عن التهاون في ذلك من أمور تسيء إلى جوهر البحث العلمي. ومثال ما يترتب ما يلي: لنفترض أن دارسا أراد أن يبحث في موضوع الإرادة عند الفيلسوف الأندلسي ابن باجة فوجد مقالة جمال راشق، وشرع في الاقتباس منها، فلا شك أنه سيضطر للإحالة إليه باسمه وبعنوان مقالته المنشورة؛ ولكن لما كان جمال راشق لا يحيل بدقة على مصدره الأساس، وهو رسالة سعيد البوسكلاوي وكتابه المنشور بعنوان مفهوم الإرادة في الفلسفة الإسلامية المشائية، فإن ذلك الباحث سينقل من راشق ما لم يكن هو قائله الأصلي، فيصبح هذا الأخير هو مصدره الوهمي، بينما المصدر الحقيقي هو عمل البوسكلاوي. ولا يكفي الإخبار بوجود عمل جيد في الموضوع مكتوب من قبل البوسكلاوي، لأن هذا بمثابة تحايل وإمعان في التلبيس على القارئ وجناية في حق المؤلف الأصلي، الذي هو البوسكلاوي؛ والحال أن الاعتراف بجودة عمل هذا الأخير حقيقةً يجب أن يظهر في الهوامش وفي التنصيص على الاقتباسات (ورسمها كما يلي: ”…“، أو هذه: ’…‘، أو هذه«…»)؛ لأن هذا وحده ما يظهر ما لراشق ويميزه بوضوح عن ما للبوسكلاوي؛ والحال أني بحثت في متن عمل راشق وهوامشه كلها ولم أعثر على اعتراف بما أخذه من البوسكلاوي. ما لراشق هو ملكه الفكري ومجهوده الشخصي؛ وأخذه ما هو منشور باسم البوسكلاوي دون اعتراف كامل وواضح يسمى سرقة علمية.

وختاما، أفترض أن كل الجامعات لها أعراف وضوابط وإجراءات متبعة في ما يتعلق بالأمانة العلمية وعند الإخلال بها. وبالنظر إلى خطورتها، فإن هذه المؤسسات تسهر على تحسيس الطالب بها، انطلاقا من أن الجهل قد يكون سببا في ارتكاب سرقة أدبية؛ وحرصا على أن تصبح الأمانة العلمية ملكة له بعد تخرجه. وأخيرا، هذه الأعراف والضوابط والإجراءات ملزمة للجميع طلبةً وأساتذةً ومسؤولين، كما بينا أعلاه.

*أستاذ بدار الحديث الحسنية، الرباط

Share
  • Link copied
المقال التالي