شارك المقال
  • تم النسخ

أكاديميون يناقشون “مالية الجماعات الترابية على محك الرهانات الاقتصادية والاجتماعية”

نظم مختبر الدراسات السياسية والقانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، وماستر التدبير السياسي والإداري بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، ومنتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية والمركز الدولي للدراسات والبحث العلمي متعدد التخصصات، يومه الجمعة 30 أبريل 2021 ابتداء من الساعة التاسعة مساء، ندوة علمية عن بعد حول موضوع: “مالية الجماعات الترابية على محك الرهانات الاقتصادية والاجتماعية”، بمشاركة كل ثلة من الأكادميين، وذلك في إطار سلسلة الندوات العلمية الأسبوعية المنظمة خلال شهر رمضان الفضيل بمبادرة من المنصة العلمية Marocdroit.

وافتتح الأستاذ أحمد مدني احميدوش، الأمسية العلمية بكلمة ترحيبية شَكَرَ من خلالها الأساتذة المتدخلين على تلبية دعوة المشاركة في أشغال هذه الندوة، إلى جانب كل الشركاء والمساهمين في تنظيم هذه الندوة، وكذا المتتبعات والمتتبعين عبر المنصات والصفحات الإلكترونية التي واكبت النقل المباشر لأشغال هذه الأمسية، وذكر في الوقت ذاته بموضوع هذا اللقاء العلمي الموسوم بعنوان “مالية الجماعات الترابية على محك الرهانات الاقتصادية والاجتماعية”، مشيرا في نفس السياق إلى مسألة خضوع قرارات الجماعات الترابية وخاصة ذات الوقع المالي منها لتأشيرة السلطة المكلفة كنوع من الرقابة القبلية، هذه الرقابة سواء الإدارية والمالية تمارس كذلك من طرف كل من المحاسبون العموميون، والمفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية، إضافة إلى المراقبة القضائية التي تتولاها المجالس الجهوية للحسابات في إطار المراقبة البعدية.

وفي مستهل كلمته الموسومة بعنوان “العلاقة المالية بين الدولة والجماعات الترابية ما بين التكامل والتبعية”، أشار الأستاذ نور الدين لزرق إلى أن موضوع الندوة يكتسي أهمية بالغة ويتميز باتساعه خاصة فيما يتعلق بمكامن التكامل والتبعية في مجال العلاقة المالية الرابطة بين الدولة والجماعات الترابية، والتي يمكن دراستها من خلال أربع نقاط أساسية تتمثل في دور الدولة الأساسي كممول للجماعات الترابية من خلال الموارد المرصودة لميزانياتها سواء المتعلقة بحصة هذه الجماعات من حصيلة الضريبة على القيمة المضافة أو حصيلة الضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل وغيرها من الحصص كالرسوم المفروضة على عقود التأمين، إلى جانب دور الدولة كموجه للجماعات الترابية المؤسس على مبدأ التدبير الحر خاصة في الجانب المالي من خلال ممارسة السلطة الميزانياتية المؤطرة من السلطات المركزية عبر المذكرات والدوريات المتعلقة بالتحضير لميزانيات الجماعات الترابية والتي تحث على الاحترام التام لتوجيهاتها التقنية وللبنية السوسيو اقتصادية للمجال الترابي، إضافة إلى دور الدولة كمراقب لهذه الجماعات الذي يتمثل في الرقابة على مداخيلها ومصاريفها أو نفقاتها بشكل عام والتي تمارسها السلطات الحكومية والقضائية وممثليها على المستوى الترابي، وأخيرا دور الدولة كضامن لهذه الجماعات في مختلف المجالات المالية خاصة الجانب المتعلق بالاستدانة والاقتراض. وفي مداخلته المعنونة ب”التمويل الجبائي للجماعات الترابية: الحدود والممكنات”، حاول الأستاذ يونس مليح القيام بتحليل مدى مساهمة القانون الجبائي 07.20 المغير والمتمم للقانون 47.06 في الرفع من الموارد الذاتية للجماعات الترابية مع التركيز في هذه المداخلة على آفاق إصلاح المنظومة الجبائية الترابية حتى تصبح أداة فعلية وفعالة في عملية در السيولة المالية لهذه الوحدات الترابية، وجعل الموارد الجبائية أداة تمويلية حقيقية بيد الجماعات الترابية. وتساءل عن مستجدات القانون رقم 07.20 المغير والمتمم للقانون 47.06؟ وآفاق إصلاح المنظومة الجبائية الترابية؟

وأضاف الدكتور يونس مليح أن الهدف الذي سطر من وراء سن هذا القانون المغير والمتمم للقانون 47.06 هو تحقيق عدالة جبائية، والمساهمة في تطوير الموارد الذاتية للجماعات الترابية بالمملكة، ليتماشى والتحولات التي عرفها مسلسل اللامركزية بعد دخول القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية حيز التنفيذ سنة 2015. ويتضمن هذا القانون 6 مواد أتت لتعديل وتغيير 59 مادة ونسخ وتعويض 11 مادة من القانون الجبائي الحالي.

كما أشار ذات الباحث إلى أن هذا القانون جاء ليعالج بعض الأمور البسيطة “الترقيعية” المرتبطة بتدبير الجبايات واستبدال بعض العبارات، كاستبدال “الجماعات المحلية” بـ “الجماعات الترابية” و”دوائر الجماعات الحضرية” بـ “المدارات الحضرية” و”الجماعات القروية” بـ “الجماعات التي لا يشمل نفوذها الترابي مدارا حضريا”… وذلك تماشيا مع مقتضيات دستور 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة سنة 2015.

ومن جانبه، تناول الأستاذ عبد الحي الغربة باسم المركز الدولي للدراسات والبحث العلمي متعدد التخصصات في مداخلته إشكالية تدبير مالية الوحدات الترابية في زمن الطوارئ الصحية، حيث تطرق في البداية لبيان بعض المفاهيم المؤطرة لعنوان مداخلته باعتبارهم مفاتيح مهمة لحلحلة إشكالية الموضوع. مقترحا في نفس الوقت تناول الموضوع من خلال محورين اثنين كإجابة على إشكالية الموضوع ألا وهما: الحديث عن واقع تدبير مالية الجماعات الترابية منذ إقرار حالة الطوارئ الصحية الأولى ببلادنا، ثم في محور ثان إبراز التدابير المتخذة لأجل تدبير الوضعية المالية للوحدات الترابية إزاء هذا الوضع.

وأكد الغربة أن المغرب ليس بمنأى عن ما يجري حوله من إكراهات وتحديات عرفها العالم إثر الانتشار الواسع لوباء كورونا، مشيرا إلى أن السلطات العمومية الوصية على الجماعات الترابية عملت بما فيه الكفاية لأجل الحيلولة دون دخول الوحدات الترابية في مرحلة المتفرج. ومواكبتها بالآليات والتدابير المعيارية والتنظيمية، حتى تساير متطلبات هذه المرحلة الصعبة.

وفي هذا الإطار يشير الباحث نفسه إلى أن تدخل وزارة الداخلية في هذا الصدد اتخذ مستويين رئيسيين في مساعدة الجماعات الترابية في تدبير ماليتها، المستوى الأول اتخذ بعدا حكماتيا من خلال إقرار إجراءات من شأنها ترشيد الإنفاق المحلي خلال هذه المرحلة والتركيز فقط على النفقات الإجبارية لها وكذا النفقات المتعلقة بمواجهة كوفيد 19.

أما المستوى الثاني فاتخذ منحى تبسيطيا إجرائيا من خلال الدوريات والمناشير الصادرة عن الوزارة الوصية والتي أتاحت إمكانية تعديل ميزانيات الجماعات الترابية وكذا اللجوء إلى المساطر التفاوضية في إبرام الصفقات العمومية، هذا بالإضافة إلى اتخاذ بعض التدابير من شأنها تجنب المقاولين من تفعيل بند غرامات التأخير نظرا لكون التأخير ناتج عن حالة الطوارئ الصحية وإجراءات الحجر الصحي المطبق خارج عن إرادة المقاولات الحاصلة على الصفقات.

واختتم مداخلته بالقول، إنه وبالرغم من كافة التدابير المتخذة إزاء حالة الطوارئ الصحية والتي أثرت على مديونية الجماعات الترابية وتدبيرها المالي على وجه الخصوص، إلا أنه ينبغي استشراف مرحلة ما بعد كورونا بشكل يضمن اتخاذ إجراءات استباقية كفيلة بضمان استمرارية الجماعات الترابية في أداء وظائفها بشكل مطرد ومستمر.

وفي مداخلة تحت عنوان “إكراهات الاستقلال المالي للجماعات الترابية ومتطلبات التنمية”، تناول الأستاذ حسن بوغشي طبيعة وبنية الإمكانيات المالية المتاحة للجماعات الترابية ومدى قدرتها على تغطية تكاليف متطلبات التنمية، وذلك من خلال محورين اثنين، حيث حاول في المحور الأول البدء بتشخيص لواقع حال مالية الجماعات الترابية المعتمدة أساسا على الموارد الجبائية، وعائدات الأملاك والموارد المتأتية من الاقتراض. وبتحليل لبنية موارد الجماعات التراببة كشفت الدراسات أن الموارد المسيرة بشكل ذاتي لا تتجاوز 18.20%، في حين نجد أن 65,30% تتأتى من الموارد المحولة و 16.50% تأتي من الموارد المسيرة من طرف الدولة. وهنا تم الوقوف على تعدد وهزالة الأسس التي تقوم عليها الرسوم المسيرة من طرف الجماعات الترابية والتي لم تعد تتماشى مع مستويات النمو الاقتصادي والحضري الذي تعرفه بلادنا. الأمر الذي يؤشر على أن التدبير المالي للجماعات ينحصر بالأساس في تدبير النفقات أكثر من تدبير الموارد بحكم أن أغلبية الموارد متأتية ومسيرة من طرف الدولة.

وأشار بوغشي إلى أنه وبالنظر للظرفية التي يعشها المغرب على غرار باقي دول العام المتسمة بتفشي جائحة كورونا وما لها من انعكاس على مختلف مناحي الحياة (الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية…)، كان لابد من تناول تداعيات هذه الجائحة على استقلال التدبير المالي الجماعات الترابية. وقد تم الوقوف على مدى هشاشة استقلالية القرار بالجماعات الترابية بشكل عام والتي تجلت أساسا في تكريس هيمنة التوجيهات البيروقراطية (دوريات ومذكرات وبلاغات وزارة الداخلية والمديرية العامة للجماعات) وتجاوز المقتضيات القانونية المرتبطة بتدبير مالية الجماعات الترابية. وفي هذا الصدد تمت الإشارة على سبيل المثال إلى الأوامر المتعلقة بتحويل الميزانية دون احترام للصلاحيات القانونية والديمقراطية التداولية للمجالس الجماعية. الأمر الذي يؤشر على استمرارية هيمنة الدولة المركزية على الشأن الترابي في مقابل محدودية أدوار الفاعلين المنتخبين بالجماعات الترابية. مما يشرعن التساؤل حول طبيعة التنظيم الترابي للمغرب، هل هو قائم على الجهوية الفعلية أم هو انبعاث لمركزية جديدة ذات بعد ترابي؟

كما تمت الإشارة إلى العواقب المستقبلية للجائحة على مالية الجماعات الترابية في ظل التراجع المرتقب لمجموعة من الرسوم والأتاوات جراء تضرر مجموعة من القطاعات الاقتصادية (الرسم على محلات بيع المشروبات، رسم الاقامة بالمؤسسات السياحية…)، هذا بالإضافة إلى التراجع المرتقب للعائدات الضربية (TVA, IS, IR) والتي تشكل أساس الموارد المحولة.

وفي المحور الثاني من مداخلته، حاول بوغشي إبراز أهمية الرفع من الأرصدة المالية الموجهة للاستثمارات الترابية، من أجل كسب رهان التنمية. وذلك بالنظر لما لها من أثر إيجابي على انتعاش المقاولات وخلق فرص الشغل، فضلا على الدور الهام لتوفير البنيات التحتية في التسويق الترابي للجماعات وتعزيز جاذبيتها للاستثمار الأجنبي والوطني، وما لذلك من انعكاس إيجابي على التنمية وتحسن الأوضاع الاجتماعية للأسر. وفي هذا السياق، تم الوقوف من خلال التقارير المصاحبة لقوانين المالية على هزالة حصة الجماعات الترابية من الاعتمادات المرصودة للاستثمار العمومي التي تبقى بين 7% و 10% مما يجعل أثرها التنموي يبقى هزيلا.

وفي السياق نفسه، أكد حسن بوغشي على أن تنفيذ الجماعات الترابية لبرامجها الاقتصادية والاجتماعية يبقى مرتهن بمدى هامش الاستقلالية المالية الذي تتوفر عليه والكفيل بتوفير استقرار في الموارد الضرورية لكسب رهان التنمية الترابية. كما تمت الإشارة أيضا إلى المعيقات التي تحد من تمويل التنمية الترابية والمتعلقة بالاختلالات المرتبطة بضعف التدبير الناجع للموارد المتوفرة إما بالإنفاق غير المعقلن (السيارات، الحفلات، تنقلات، هدر المال…) أو بالتهاون في تحصيل الرسوم والأتاوات المستحقة إما نتيجة ضعف الكفاءة في التدبير أو بسبب الحسابات السياسوية –الانتخابية للفاعلين السياسيين. ليتم ختم هذا المحور بالإشارة إلى محدودية الإضافة المالية للإصلاحات التي جاء بها قانون 07-20 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية والذي لم يرقى إلى مستوى تنزيل توصيات المناظرة الوطنية للجبايات المنعقدة بالصخيرات سنة 2019.

جدير بالذكر أن هذه الندوة العلمية خرجت بمجموعة من التوصيات، يمكن تلخيصها في المحاور التالية:

  1. شفافية المنظومة الجبائية الترابية: وتفيد الشفافية في المجال الجبائي الترابي بالأساس الحق في الاطلاع على الوثائق الإدارية والمالية المرتبطة بالشأن الجبائي، ووضعها رهن إشارة العموم للاطلاع عليها.
  2. عدالة جبايات الجماعات الترابية: بحيث يعكس الإصلاح المنشود عدالة جميع الملزمين أمام الجبايات المحلية، ومراعات مقدراتهم التكليفية، وعدالة توزيع هذه الموارد الجبائية بشكل يتناسب مع الجهات والجماعات الترابية.
  3. توسيع الوعاء الجبائي للجماعات الترابية: وذلك باعتماد أوعية موحدة وقيمية ومرنة ذكية، تستجيب للتحولات التي تعرفها هذه الأوعية، بشكل يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة.
  4. سهولة و شفافية عمليات تصفية جبايات الجماعات الترابية: وذلك يأتي عن طريق تبسيط إجراءات الاحتساب، وتمكين الملزمين من فهمها بسهولة والمشاركة فيها.
  5. إعادة النظر في العلاقة بين الدولة والجماعات الترابية والتنزيل الفعلي للتنظيم الجهوي احتراما للخصوصيات المجالية.
  6. إعادة النظر في طبيعة الرقابة على التدبير الترابي، والتي ينبغي أن تقوم على الحرية في التدبير والمحاسبة على النتائج. تماشيا مع المبدأ الدستوري القاضي بالتدبير الحر وربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ لا يمكن الحديث عن المسؤولية دون توفر الحرية في اتخاذ القرار.
  7. ضرورة تعزيز منسوب الثقة في الفاعل الترابي احتراما للمشروعية الديمقراطية (ف 135) التي يتوفر عليها والتي تستوجب منه تسخير كل الإمكانيات المتاحة على مستوى الجماعة والكفيلة بإحقاق التنمية والاستجابة لانتظارات الناخبين/المواطنين.
  8. إعادة النظر في مسألة الأهلية للترشح لتدبير الشأن الترابي حتى تتماشى وحجم الرهانات المعقودة على الجماعات.
  9. وضع خبرات الإدارات اللامركزية في خدمة الجماعات الترابية من أجل إحقاق مبدأ الالتقائية والتكامل في البرامج التنموية الترابية.

    ولقي هذا اللقاء العلمي، الذي دام حوالي الساعتين ونصف الساعة، تفاعلا واستحسانا كبيرين من طرف المتتبعات والمتتبعين للبث المباشر بشكل مكثف طيلة أطوار الندوة، اتضح من خلال حجم الأسئلة ذات الصلة بالموضوع المطروحة والتي تكلف الأساتذة المشاركين في أشغال الندوة بالإجابة عنها، واختتم هذا اللقاء على الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا، في انتظار تحديد موعد لندوة علمية رابعة خلال الأيام المقبلة استمرارا للأنشطة العلمية المزمع تنظيمها خلال هذا الشهر الفضيل.

    طالب بسلك ماستر الإدارة، حقوق الإنسان والديمقراطية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة ابن زهر أكادير
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي