لاحظ فريق بحثي معني بتطور “المشهد الصوتي” في أوروبا وأميركا الشمالية تراجعًا كبيرًا في مجموعة الأصوات التي تنتجها مختلف أنواع الطيور.
ويقول الكاتب فاهي تير ميناسيان -في تقرير نشرته صحيفة “لوموند” (le monde) الفرنسية- إنه عندما يرغب أحد سكان المدينة في إعادة التواصل مع الطبيعة، فإن أول ما يفعله هو التجول في الحدائق والريف والغابات حيث يمتّع سمعه بمختلف أصوات الكائنات، خاصة الطيور. ولكن يبدو أن هذا العنصر بدأ يختفي من الطبيعة.
عمل فريق دولي على تحديد كيفية تطور “المشاهد الصوتية” في أوروبا وأميركا الشمالية على مدار الـ25 عامًا الماضية، وذلك في دراسة نُشرت في مجلة “اتصالات الطبيعة” (Nature Communications) في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وفسر سايمون بتلر -من جامعة “إيست أنجليا” في المملكة المتحدة- وزملاؤه كيف قاموا بدمج بيانات مراقبة الطيور مع تسجيلات أصواتها لمحاكاة النشاط الحيوي للطيور على مدار ربع قرن في 200 ألف موقع بالقارتين. وللأسف، كانت النتائج التي توصلوا إليها مقلقة؛ فقد تبين أن “سيمفونية” الربيع تصبح أكثر فقرًا بمرور الوقت.
ومنذ نصف قرن، أطلقت حملات لمراقبة الطيور تعمل على تعبئة المتطوعين الذين يقومون خلال فصل الربيع بإحصاء مواقع الطيور في المناطق التي تبلغ مساحتها 4 كيلومترات مربعة. وفي فرنسا، تمكن برنامج الرصد الزمني للطيور الشائعة التابع للمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي خلال 32 عاما من رصد نحو 2900 موقع تعيش فيه الطيور.
وحسب منسق المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بينوا فونتان، “هذا العمل طويل الأمد مكّن من تسليط الضوء على الانخفاض الشديد في أعداد الطيور، لا سيما في البيئات الزراعية حيث تغيب الأنواع المتخصصة تدريجيًا مثل قبرة الغيط، ويأتي محلها أنواع شائعة أخرى من الطيور، مثل طائر ورشان مألوف (يشبه الحمام وأكبر منه قليلا) أو القرقف (فصيلة من العصافير)”.
الصوتيات البيئية.. تخصص جديد
كيف تؤثر هذه التغييرات على المشهد الصوتي للمدن والأرياف؟ نظرًا لأننا نسمع أصوات الطيور أكثر من رؤيتها، فإن زقزقتها تمثل إحدى الروابط النادرة للإنسان مع الطبيعة.
للإجابة على هذا السؤال، قام سايمون بتلر وزملاؤه بتسجيل 25 ثانية لصوت كل طائر من نوع محدد. بعد ذلك، قاموا بخلط هذه الأصوات من أجل إنشاء مقاطع صوتية اصطناعية مدتها 5 دقائق في كل موقع ولكل عصر حسب وقت الرصد. ثم حللوا هذه الملفات الصوتية باستخدام أدوات “الصوتيات البيئية”.
إن هذا التخصص الحديث، الذي تم إنشاؤه عام 2014 استجابة لمطالب من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي وجامعة أوربينو (إيطاليا)، يدرس الصوت الطبيعي بهدف الإجابة على أسئلة ذات طبيعة بيئية على غرار كيفية تطور أنواع الطيور باختلاف موطنها. وطور الفريق تقنيات لتحليل آلاف الساعات من تسجيلات أصوات الطيور التي تُجمع في مواقعها التجريبية.
يوضح سيلفان هوبيرت، مهندس الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، أن “من بين العمليات التي نقوم بها ضغط الملفات الصوتية في حزم مدتها دقيقة واحدة لاستخراج ما يصل إلى نحو 50 مؤشرًا صوتيًا مميزًا لتحديد مدى ثراء الموقع صوتيًا”.
وقد أثبتت مجموعة سيمون بتلر أن المشهد الصوتي قد تدهور من حيث التعقيد والتنوع. وتعتبر هذه الدراسة فريدة من نوعها، إذ يعتقد سيلفان هوبيرت أن “الانخفاض في أعداد الطيور يعكسه تراجع الأصوات التي تنتجها في الطبيعة”
تعليقات الزوار ( 0 )