Share
  • Link copied

“أعرينو لا باس أور حشيمغ لا باس”..أو عندما تصدح نساء الجنوب الشرقي معلنة نجاح ليلة الدخلة

يشكل فصل الصيف موعدا سنويا لنشاط الأعراس بقرى الجنوب الشرقي المغربي، وكغيرها من مناطق المغرب تتميز أعراس هذه المناطق بعادات وتقاليد لا يمكن أن تتم بدونها، ولعل أبرز هذه الطقوس تلك المرتبطة بليلة الدخلة التي تصادف اليوم الثاني من العرس الذي يدوم لثلاثة أيام، فما أن تدق ساعة الحسم وتحل ليلة العمر كما تسمى، حتى تجد الجميع ينتظر بشغف كبير أن يأتي البشير أو يرن الهاتف وفي الطرف المقابل صوت العريس يبشر بأن العملية تمت بنجاح.

يشبه الأمر كثيرا جماهير تنتظر لاعبا وهو يستعد لتسديد ضربة جزاء، ولعل أكثر هذه الجماهير تحمسا وترقبا هي أم العروس التي لا يهنأ لها بال حتى يأتيها اليقين بأن بنتها عذراء ولم تجلب لها العار.

لحظات قبيل موعد الحسم؛ أطفال ومراهقون يتلصصون هنا وهناك، يراقبون متى “يسوق الوزير” وزوجته “الوزيرة” العروس إلى البيت الذي يقيم فيه العريس منتظرا في غرفة العمليات، يتوزعه شعور بالشهوة واللهفة للانقضاض على زوجته في أول ليلة حميمة تجمعهما، وإحساس بالخوف والرعب من الفشل في أداء الواجب وإثبات الرجولة.

يطلق اسم “لوزير” على الشخص الذي يتكلف بتقديم الدعم النفسي والمعنوي للعريس وإعداده نفسيا ومساعدته لاجتياز الاختبار، ومن مهامه كذلك مرافقة العروس إليه ليلة الدخلة جنبا إلى جنب مع زوجته “تا لوزيرت” أي “الوزيرة”، التي تقوم بنفس المهام مع العروس، ونظرا لهذه المهام الجسام الملقاة على عاتقهما، فإنه من الضروري توفر عدة شروط فيهما، إذ لا يتم اختيارهما اعتباطا، بل لتجربتهما الطويلة في التقريب بين الأزواج خلال زيجات سابقة، ولجرأتهما وعلاقتهما الطيبة مع الطرفين المقبلين على الزواج، وعدم خجلهما أو خجل العريس والعروس منهما وقدرتهما على فتح أي نقاش معهما وطرح أي مشكل كيفما كان عليهما…

ولأن دورهما حاسم في ليلة الدخلة، فإن الطرائف والغرائب التي تروى عن الوزير وزوجته لا حصر لها، ومن أغربها أنهما قد يشرعان في تقبيل ومداعبة بعضهما وممارسة الجنس السطحي على مرأى ومسمع من العروسين ثم مطالبتهما بإتيان نفس الفعل، وذلك إذا لاحظا خجلهما الشديد وإذا رأيا أن من شأن ذلك مساعدتهما على أداء الواجب الذي من أجله دعي المدعوون وأقيمت الدنيا ونصبت الخيام، وفي المقابل قد يلجأن إلى أسلوب التوبيخ والزجر.

كما لكل لاعب جمهور محب يتمنى نجاحه وفوزه بتسجيل الهدف، فكذلك له خصوم وأعداء ينتظرون الفرح بفشله وعجزه، لذلك ليس غريبا أن تروج ألف حكاية وحكاية عما يقع في هذه الليلة الحاسمة من أعمال السحر والشعوذة ” لتوقيف ” العريس وإفشال مهمته، ومن أمثلة تلك الحكايات التي تلوكها الألسن منذ زمان، أن ينادى على العريس باسمه أياما قبل موعد زفافه حتى إذا استجاب للنداء قام الفاعل بإغلاق قفل أو علبة وقيد أو ما شابه، فيكون ذلك سببا في عدم قدرته على الانتصاب عندما يكون وجه لوجه مع زوجته، ولذلك أيضا لم يكن غريبا أن يعتزل المقبل على الزواج الناس أياما قبل عرسه تفاديا لكل تلك الأعمال التي يسعى أصحابها من ورائها إلى إضعافه والنيل من قدرته وكفاءته الجنسية.

وارتباطا بأعمال السحرة والشعوذة التي يقال إنها تمارس في ليلة الدخلة والتي تحاك حولها عشرات القصص والأساطير، فإن من العرسان من يقع في الفخ فيضطر إلى قطع مئات الكيلومترات نحو فقهاء سوس المعروفين بإبطال السحر وإسقاط ” التيقاف”  ثم العودة قبل متم تلك الليلة لإنجاز المهمة المنتظرة قبل أن ينكشف أمر تعرضه للسحر.

أما في حالة مر كل شيء على ما يرام، ففجأة، وفي صمت القرية المطبق، تتعالى الزغاريد وتنطلق الشهب الاصطناعية وتطفق حناجر عشرات النساء صادحة بأهازيج تخبر العالم بأن العروس شريفة عفيفة وأنه لم يطمثها إنسان قبل العريس ولا جان، لم تجلب العار ولا الفضيحة لأهلها، وذلك بعد تلقي مكالمة مستعجلة من العريس إلى وزيره يخبره أن كل شيء مر بخير وعلى خير وأن  “غلاقة الضمان”  هو فاتحها وأن ارقصوا وهللوا وزغردوا…

تلك المكالمة التي ظلت أم العروس بالخصوص تتلهف إليها وتصارع النوم لسماعها، إذ ما أن تخبرها “الوزيرة ” بأن ابنتها اجتازت الامتحان بنجاح، حتى تهب من مكانها والنعاس قد طار من جفونها؛ ترقص وتركل كمن به مس من الشيطان وهي تردد محفزة باقي النساء على الترديد معها؛

– أعرينو لا باس أور حشيمغ لا باس

– يا لفرحتي..ابنتي لم تجلب لي العار

تشكل الزغاريد والأهازيج الأمازيغية التي تفيد بأن العروس شريفة عفيفة وأنها نجحت في الامتحان ولم تجلب الفضيحة لأهلها ومعارفها صافرة البداية للعرس الحقيقي، إذ لا يتوقف الأمر عند مجرد الغناء والرقص وإطلاق الزغاريد من طرف النساء، بل تقوم إحداهن والتي تكون في الغالب من قريبات العروس بحمل صينية على رأسها بها فستان العروس أو سروالها الملطخ بقطرات الدم، تطوف به وسط حلقة كبيرة لتبرهن للناس وخاصة لبنات جنسها أن العروس حافظت على “ضمانة” شرفها وعفتها حتى تلك الليلة.

تدل كثرة الدم الناتج عن افتضاض البكارة في المخيال الجمعي لبعض قبائل الجنوب الشرقي المغربي كقبيلة أيت خباش، على فحولة الرجل وخصوبته، أما قلته فتعني العكس، أما غيابه التام فيعني فقدان العذرية عند الفتاة. إن الدم إذاً هو البرهان الساطع والدليل القاطع سواء على رجولة الرجل وعذرية المرأة أو عكسهما، وبناء عليه تحكى قصص غريبة وطريفة عن إحضار بعض العرسان لدجاجة أو أرنب إلى “غرفة العمليات”، حتى إذا تبين له أن الدم قليل قام بذبحها وتلطيخ سروال العروس بدمها، في حين يلجأ بعضهم الآخر إلى هذه الحيلة لإنقاذ الموقف إذا تبين له أن العروس فقدت بكارتها، فيستعمل دم الدجاج لستر فضيحتها إلى حين مرور أيام على العرس وإرجاعها من حيث أتت وكأن سبب الشقاق خلاف بينهما وليس فقدانها للعذرية، بينما البعض الآخر ينهي العرس حالا إذا تيقن من أن العروس لم تكن عذراء، فينفض الجمع وينتشر خبر “الفضيحة” انتشار النار في التبن.

في السياق ذاته تقول الروايات المتوارثة، أنه مادام على العريس تنفيذ العملية في تلك الليلة بالذات، ومادام الأمر لا يحتمل التأجيل، لأن العالم كله في الانتظار، فإن منهم من يلجأ إلى استعمال دم الدجاج لادعاء قيامه باللازم في الوقت المناسب وتجنب كلام الناس عن ضعفه و”برودته”، في حين يؤجل التنفيذ الفعلي إلى وقت لاحق يحس فيه بالراحة والألفة مع زوجته ولا يشعر فيه ب “ضغط الجمهور”.

بعد نهاية ليلة الدخلة، بل بعد نهاية العرس بأيام وحتى أشهر، يظل الأطفال والمراهقون يختلقون أحداثا متخيلة عن الكيفية التي فجر بها العريس بكارة العروس، عن حجم قضيبه، عن سبب تأخره في تدمير ما بين فخذيها، فبين قائل إنها صدته بعنف حتى احتاج الأمر لتدخل “الوزير” وزوجته لتوثيقها، هناك من يقول إنه أحس بخوف شديد عجز معه حتى عن الاقتراب منها، وآخر يزعم أن خجل الزوجة كان هو السبب، وآخر يقسم ويؤكد أن طول وسمك قضيب العريس المخيف كان هو السبب في تضييع الكثير من وقت المباراة وآخر يبرر بالسحر والشعوذة…

ألف حكاية وحكاية قاسمها المشترك الإثارة والتشويق يرويها المراهقون وكأنهم حضروا معهما حضور الساقي أمام الحبل والبئر، أو المرأة أمام المرود في المكحلة، فحتى حجم وطول شيء العريس والعروس معا لا يسلمان من تعليقاتهم التي تتحول مع مرور الزمن إلى حقيقة لا تقبل الجدال!

Share
  • Link copied
المقال التالي