Share
  • Link copied

أطفال غزة: أحلام خائفة وطفولة ضائعة في مواجهة شبح حرب لا يغيب عن الأفق

منذ أن استأنفت إسرائيل خرقها الواضح لاتفاق وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، مطلع شهر مارس الحالي، يعيش الأطفال في القطاع واقعا مريرا تحيط به المخاوف والقلق من عودة الحرب.
وفي ظل جولة جديدة من المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة لمحاولة تثبيت التهدئة، يبقى الأطفال في حالة من الرعب المستمر من تصاعد الأوضاع مجددًا، مما يحرم القطاع من المساعدات الإنسانية اللازمة ويهدد حياة آلاف الأطفال.
يتذكر الأطفال أيام الحرب المستمرة التي دمرت حياتهم ومنازلهم ومدارسهم على مدار أكثر من 15 شهرا، ومع كل محاولة جديدة لاستئناف المفاوضات، يتأرجح الأمل والخوف في قلوبهم، فهم لا يريدون شيئًا سوى حياة طبيعية كتلك التي يعيشها أطفال العالم بعيدًا عن ويلات الحرب.

في هذه السطور، ترصد «القدس العربي» أمنيات الأطفال في غزة بحياة آمنة ومستقرة، تنقل أصواتهم كما هي، وتوثق معاناتهم وأحلامهم في كلمات بسيطة، لكنها تعبر عن أعمق معاني الألم والأمل في آن واحد.

نريد حياة طبيعية

التقينا سامر سليمان، (13 سنوات) أمام منزله المدمر في خان يونس، وعيناه تغرقان في بحر من القلق، وسألناه عما يشغل باله، فرد بصوت متقطع: «شكل الحرب سترجع مرة ثانية، ونحن لا نريد حروبا ولا نريد عودة القصف، نريد أن نعيش حياة طبيعية مثل سائر أطفال العالم».

ثم تابع: «صحيح يا عمي، الحرب.. ممكن الضرب يرجع ثاني، أنا مش عايز الحرب هذه، أريد أن أخرج للعب مع أصدقائي في شوارعنا دون خوف من القتل».
وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن الأطفال والنساء شكلوا ما نسبته 70% من إجمالي عدد شهداء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، البالغ عددهم 48,572 شهيدًا و112,032 مصابا منذ السابع من أكتوبر للعام 2023، مع بقاء أعداد غير محدد تحت الأنقاض.
وسامر ليس سوى طفل من بين آلاف الأطفال الغزيين الذين يحلمون بأيام يعود فيها السلام إلى حياتهم، وتتحقق فيها أبسط أمنياتهم في اللعب والتعليم دون خوف. فمثله نهى العابدين (12 عامًا) من مدينة غزة، وجدناها تراقب بعيون حزينة مشهد الدمار الذي يحيط بها، كأنه مشهد دائم لا ينتهي.
تقول بنبرة هادئة لكنها مليئة بالعزم: «أتمنى أن تعود حياتنا مثل الأول، مثل ما قبل الحرب. أريد أن أعود إلى مدرستي مع أصدقائي، ونواصل تعلمنا مثل باقي أطفال العالم».
أخرجت نهى كتابًا مدرسيًا قديمًا، لم يتبق منه سوى صفحات متناثرة، قبل أن تواصل: «أريد أن أتعلم وأن أحقق حلمي. كل ليلة قبل النوم، أتخيل نفسي أرتدي معطف الطبيب وأساعد الأطفال المصابين، لكن الخوف لا يفارقني. أخاف أن تعود الحرب مجددًا وتأخذ مني كل شيء، حتى أحلامي الصغيرة».
وتشير نهى إلى حلمها الذي يتبخر مع مضي كل يوم من أيام الحرب والمفاوضات: «كان حلمي أن أصبح طبيبة أعالج الأطفال المصابين وأمنحهم الأمل، لكن كل شيء تغيّر فجأة، وأصبح المستقبل ضبابيًا وسط الدمار والخوف».
أما الطفلة إسراء المسالمة (14 عامًا)، فعبرت بعينين واسعتين مليئتين بالحزن عن مخاوفها من عودة الاقتتال وتدمير مستقبل الأجيال المقبلة: «ما ذنبنا نحن الأطفال؟ أريد أن أعود للعب مع أصدقائي دون خوف. نفسي أرجع إلى المدرسة وأرى صديقاتي وأتعلم. أحلم أن أصبح معلمة وأعلم الأطفال الآخرين. كل ليلة أدعو أن أستيقظ وأجد كل شيء قد عاد كما كان، بيوت مشيدة وأمان لا يتلاشى».
تضيف إسراء بصوت يملأه الأمل: «أريد أن أعيش طفولتي، أن أخرج للعب دون أن أخاف من صوت القصف أو اضطر للاختباء في الزوايا المظلمة. ما زلت أحتفظ بدفاتري المدرسية وأقلب صفحاتها كل يوم، حتى لا أنسى أحلامي».
تجلس زينة الوليد (14 عامًا) في زاوية تبدو سليمة من منزلها المدمّر، عيناها تبحثان عن شيء مفقود وسط الدمار. تقول بصوت منخفض بالكاد يسمع: «أحلم أن يكون لدينا بيت جديد، وأن أرى أمي تبتسم دون خوف. أريد أن ألعب مع أخي في حديقة مليئة بالأزهار، لا بالحطام. تعبت من السير لمسافات طويلة بحثًا عن مياه صالحة للشرب، تعبت من سماع أصوات طائرات الاستطلاع الزنانة والأنين في الليل».
تكمل زينة بنبرتها الهادئة المفعمة بالشجن: «نحن أطفال، كل ما نريده هو اللعب والضحك والشعور بالأمان. لا أفهم لماذا يجب علينا أن نعاني هكذا، لماذا لا يمكن أن نعيش حياة طبيعية كبقية الأطفال حول العالم. لماذا يصر الاحتلال على ظلمنا ويفعل فينا المجازر ويقطع عنّا المساعدات بدعم أمريكي، لماذا لا يريد الالتزام بتعهداته والبدء في المرحلة الثانية من الهدنة».
ومنذ 2 مارس الحالي وحتى كتابة هذه السطور، تواصل إسرائيل خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وقطع المساعدات الإنسانية والكهرباء عن قطاع غزة، رافضة الدخول في المرحلة الثانية للاتفاق، مصرة على تمديد المرحلة الأولى والإفراج عن المزيد من الرهائن الإسرائيليين. فيما تتمسك حماس ببنود اتفاق التهدئة التي دخلت حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي.
ويأتي ذلك، وبالتزامن مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات في العاصمة القطرية الدوحة قد تنتهي إلى تمديد التهدئة أو العودة إلى الحرب مجددًا، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من المعاناة في صفوف أطفال قطاع غزة، الذين تجرعوا مرارة القتل واليتم والتشريد والحرمان على مدار الأشهر الماضية، ويخشون عودة شبح الحرب مجددًا.

خطر نفسي كبير

وفي سياق متصل، قال الدكتور محمد القصاص، الطبيب النفسي الفلسطيني المتخصص في الصحة النفسية للأطفال، إن هناك ما يقرب من 1.2 مليون طفل في غزة يحتاجون إلى العلاج من الصدمات النفسية التي لحقت بهم جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
وأوضح لـ«القدس العربي» أن «الحرب تركت آثارا نفسية عميقة لدى الأطفال، تشمل الكوابيس المستمرة، وصعوبة النوم، والانطواء، وفقدان الشهية، والقلق المزمن».
وأكد أهمية توفير الدعم النفسي الفوري والعلاج المستمر للأطفال المتضررين، مشيرًا إلى أن هذه الأزمة النفسية قد تتحول إلى تحديات أكبر وأكثر خطورة في المستقبل إذا لم يتم التعامل معها بالشكل المناسب.
وحذر من أن تأخر الدعم النفسي أو العودة إلى الاقتتال سيؤدي إلى تفاقم المشكلات النفسية لدى الأطفال.
وأوضح: «قد يتطور الأمر إلى اضطرابات نفسية دائمة مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، واضطرابات القلق المزمنة، ومشاكل في التكيف الاجتماعي. كما قد يؤدي ذلك إلى اضطرابات سلوكية مثل العدوانية، والاكتئاب، والعزلة، مما يتطلب تدخلات علاجية أكثر تعقيدًا وطويلة الأمد».

Share
  • Link copied
المقال التالي