لقد دأبت الدول العربية على اعتبار اسرائيل عدوة لفترة طويلة من الزمن، ورفضت كل أشكال التطبيع معها، والتزمت بذلك، قبل التوصل إلى حل شامل ومنصف للقضية الفلسطينية.
إلا أنه سرعان ما تغير الصراع الغربي – الإسرائيلي، حيث لم يعد كما كان قبل عقود وذلك عندما فتحت مصر طريق التطبيع بتوقيع اتفاقية (كامب ديفيد) مع اسرائيل، على نحو منفرد من دون اشتراط السلام بحل القضية الفلسطينية على أساس الصراع مع الصهيونية، ووقعت منظمة التحرير الفلسطيني (اتفاق ارسلوا) الذي اعترفت من خلاله بحق اسرائيل في الوجود عام 1993، ثم وقعت الأردن اتفاق سلام مع اسرائيل عام 1994، عرف باتفاق (وادي عربة) الذي أتى لتسوية النزاعات الحدودية مع اسرائيل ومن ثم إقامة علاقات معها .ورغم ذلك ظل الموقف العربي متماسكا ومتحدا نوعا ما بخصوص تطبيع العلاقات مع اسرائيل، فلم تسهم اتفاقيات السلام مع اسرائيل في حل القضية الفلسطينية، فقد ازدادت اسرائيل تطرفا، وزادت من حدة ممارستها الاحتيالية، وأصبح من الواضح أنه لا علاقة للتطبيع بحل قضية فلسطين وأن اسرائيل، تبنت التطبيع على أنه قبول لها بصهيونيتها وعنتريتها وسياستها الاستيطانية.
وبالرغم من وجود تاريخ طويل من العلاقات السرية، إلا أن خطوات التطبيع أخذت منحى متسارعا وعلنيا في الآونة الأخيرة.
ويجرى هذا التطبيع على عدة مستويات، اقتصادي، سياسي، دبلوماسي (تشجيع الصادرات الإسرائيلية، اتفاقيات شراكة وتعاون مع اسرائيل وما يؤكد ذلك هو تعزيز التطبيع مع الإمارات والبحرين في ذكرى ( صبرا وشيلا ) وذكرى توقيع (اتفاق أوسلو…)
مما يدفعا إلى التساؤل عن طبيعة هذا التطبيع الذي أقدمت عليه الإمارات والبحرين؟ هل هو فتح علاقات بين (الإمارات) و (إسرائيل)، وانتقالها من الوجود بالقوة إلى الوجود الفعلي أم تحالف استراتيجي وإعادة رسم تحالفات استراتيجية أو عضوية في الإقليم؟
وهل يمكن أن يعتبر أن مسألة التطبيع مع اسرائيل أصبحت تقوم على اساس يخالف مبادرة السلام العربية الصادرة في 2002، وخرق الشرعية الدولية، ومن ثم استغلال التطبيع مع الإمارات لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة ومواجهته؟
وهل يمكن أن يؤدي التطبيع الإماراتي إلى خلق أزمة في العالم العربي؟
أولا: من السلام الداخلي إلى السلام الخارجي
لقد ادى تعافي العلاقات بين اسرائيل والعديد من الدول العربية، إلى تغيير نمط نهج التطبيع، والذي كان ينبني على محاولة إيجاد حلول وخطة طريق لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كمدخل للتطبيع مع الدول العربية من الداخل. إلى تحويل قاطرة التطبيع نحو الخارج، من خلال تعزيز العلاقات مع الدول العربية للمساعدة في الدفع بسلام أكثر واقعية واكثر توازنا ويحظى بدعم أكبر بين اسرائيل وفلسطين.
وفي هذا الإطار تبينت الرؤية الامريكية الموقف الإسرائيلي بدون تردد وذهبت على اعتبار السلام الإقليمي يجب أن يرتبط بالتوصل إلى اتفاق وذهبت غلى اعتبار السلام الإقليمي يجب ان لا يرتبط بالتوصل إلى اتفاق وضع نهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لذلك تشجع واشنطن التطبيع العربي – الإسرائيلي وتدعمه، ويدعى ذلك جليا في التعقيب الأمريكي على سبيل المثال، على زيارة نتياهو إلى سلطنة عمان في أكتوبر 2018، حيث فرد (جيسون غرينبلات)، مبعوث السلام الأمريكي، بأن هذه خطوة مفيدة لمبادرتنا للسلام ضرورية لخلق مناخ استقرار وأمن وازدهار بين الإسرائيل والفلسطينيين وأيضا مع جرائمهم.
تم تعزيز علاقات التعاون حيث ان علاقات الإمارات مثلا إسرائيل باتت تتجاوز مسألة التطبيع إلى التحالف والخدمات المتبادلة، كما شهد التطبيع الغربي مع اسرائيل هو الآخر تناميا ملحوظا، حيث زارت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية (ميري ريغف) في أول أكتوبر 2018، أبو ظبي، وشارك في الوقت نفسه وزير الاتصالات الاسرائيلي (أيوب قرا)، في مؤتمر (المندوبين المفوضين للاتصالات) الذي عقد في دبي.
ومن ثم أصبح الكثير من المحللين لا يتحدثون في نزاع عربي – اسرائيلي، بل نزاع فلسطيني – اسرائيلي، من خلال المؤشرات التي توحي بذلك التقارب، وتعزيز فرص السلام مع الدول العربية.
مما يجب الإشارة إليه هو أن اهتمام دول الخليج بالقضية الفلسطينية يعود إلى الخمسينات والستينات والسبعينات، رغم انه ليس لهذه الدول حدود مع فلسطين.
واعتبر دعمها للقضية الفلسطينية وخصوصا (منظمة التحرير الفلسطينية) في الستينات والسبعينات لاسيما دعمها المالي، لكن في حقيقة الأمر، في تلك الفترة من الكرم المالي الخليجي مع (منظمة التحرير) الذي كان قائما على أساس مصالح في الخليج، لاسيما أن الثورة الفلسطينية أو منظمة التحرير، كانت قد ألهمت بعض حركات التحرر في الخليج العربي نفسه، بالموازاة مع ثورات أخرى كانت قائمة أنداك في (اليمن) أو في (عمان).
ثانيا: العوامل المحفزة للتطبيع (التهديد الإيراني)
منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية، يمكن القول أن أمن الخليج مر بثلاث مراحل حاسمة، حرب الخليج الثانية، واحتلال العراق في العام 2003، والحرب على الإرهاب بعد العام 2011.
حيث على مر هذه المراحل الثلاث السابقة، وانتهاء صلاحية جميع المبادرات الناعمة، والنداءات الإيرانية المتحررة، يقف أمن الخليج اليوم أمام مرحلة رابعة هي الإعلان الرسمي عن مشروع الأسرلة، والحماس الخليجي المعلن للتنسيق الشامل مع اسرائيل.
وهو ما يفسر الخطوة الإماراتية ذات الدلالة الكبرى، أي انها تمثل أول اتفاق سلام يجمع اسرائيل مع دولة عربية لم تدخل معها في حرب وكان مبرر ذلك هو ان اتفاق أوسلو باعتباره بوابة التطبيع الغربي مع (اسرائيل) حيث أن منظمة التحرير الفلسطينية عقدت صلحا أو اتفاقا منفردا مع اسرائيل من دون التشاور والتنسيق مع دول عربية، مما كان مبررا لدى الإمارات للتطبيع مع اسرائيل.
ومن بوابة التهديد الإيراني، ازدادت علاقات اسرائيل مع بعض دول الخليج العربية متانة، حيث في غشت 2019، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، (سيرائيل كاتس)، إن اسرائيل جزء من (التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية) الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية، ويضم السعودية والإمارات والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألمانيا.
ويهدف إلى تعزيز أمن وسلامة السفن التجارية التي تمركز الممرات البحرية مما يعني أن علاقة الإمارات مع اسرائيل باتت تتجاوز مسألة التطبيع إلى التحالف والخدمات المتبادلة.
فهذه الدول تعرف أن اسرائيل لن تواجه إيران من أجلها، بل في التنسيق والتعاون على التأثير في سياسات الولايات المتحدة في المنطقة بالخروج من الاتفاق النووي مع إيران.
خصوصا وأن الخوف من (إيران) أو التحالف من أجل مواجهة إيران يجعل دول الخليج مركز التقارب لمواجهة إيران، خصوصا وأن هذه الدول ليست لها حدود مع اسرائيل ولم تشارك في حرب مع اسرائيل ولا توجد في حال صدام بينها وبين (اسرائيل) كما كانت (مصر) أو كانت (الأردن)، أو غيرها.
وهكذا أصبحت الإمارات، بفضل هذا الاتفاق الذي ثم بوساطة أمريكية أول دولة خليجية وثالث دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع اسرائيل.
وقد حظي هذا الاتفاق بترحيب وسط المجتمع الدولي، بينما قوبل بمعارضة من الفلسطينيين وإيران وتركيا.
وهكذا فرغم اعتقاد الدول الخليجية أن التطبيع مع اسرائيل يساعدها في حماية أمنها واستقرارها، بغض النظر عن موقف الفلسطينيين وموقف شعوبها من هذا التطبيع، وأن هذا التحالف والتقارب لم يحقق الرخاء والرفاهية للشعوب في الدول العربية التي وقعت اتفاقيات مع اسرائيل بقدر ما يخدم اقتصاد ومصالح هاته الأخيرة.
حيث أن فشل اتفاق (أوسلو) يجب ألا يكون مدعاة للتطبيع بقدر ما يجب أن يكون مدعاة للتفكير في طريقة أخرى لصنع السلام، أساسها الحقوق الفلسطينية حيث لن يكون في هذه المنطقة سلام واستقرار إلا إذا رضي الفلسطينيون بذلك.
* باحث في القانون الدولي العام
السلام عليكم
اتوجه بالشكر الجزيل للاستاذ على هدا المجهود والدي من خلاله اخدنا في جولة رائعة مميزة للاحداث التي نعيشها .
ومنخلال هدا الموضوع الممت بالموضوع العربي الاسرائيلي.