وجد المهاجرون المقيمون في المغرب أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، نظرا لما تسبب فيه انتشار جائحة كورونا من إجراءات وتدابير أثّرت على عدد من القطاعات المرتبطة بالصناعة والتجارة بنسبة تجاوزت في كثير من الأحيان نسبة 85 في المائة، مما اضطرهم إلى التعايش، مرغمين، مع وباء تسبب في التوقف الكلي للقطاع غير المهيكل الذي ارتبط معيشهم اليومي به.
وما بين قلة ذات اليد وعدم توصُّلهم بأي دعم من طرف الدولة، تبقى المبادرات التطوعية التي يقومون بها فيما بينهم والتفاتة عدد من الهيئات المدنية غير الحكومية التي توفر لهم بعض الإعانات الأساسية، بصيص الأمل الذي يقلل يخفف من قساوة ظروف العيش.
فما إن تم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية والدخول الفعلي في فترة الحجر الصحي، حتى وجد مهاجرو جنوب الصحراء المقيمون في المغرب أنفسهم في بيوت أبوابها مقفلة بلا أموال مدخرة ولا مؤونة مخزنة، كيف لهم ذلك وهم الذين يعيشون على الكـد تجارة وصنعة وخدمات لتوفير أساسيات قوتهم اليومي.
وحين سألنا سيرج، 42 سنة، من الكاميرون، عن كيفية تلقي المهاجرين الأفارقة المقيمين بالمغرب لإعلان حالة الطوارئ الصحية، أجـاب: “لو طرحت علي هذا السؤال قبل أيام قليلة، كنت ستجد في كلامي نبرة أخرى يمتزج فيها اليأس بالدهشة، لأنه ومنذ أبريل المنصرم كانت وضعية المهاجرين المقيمين في المغرب “كارثية”، لأنه وبالرغم من السياسة الملكية في مجال الهجرة، وحرص صاحب الجلالة على إيلاء العناية للمهاجرين المقيمين بالمغرب، من خلال تمكينهم من بطائق الإقامة، وإدماجهم في سوق الشغل، إلا أننا تفاجأنا ومنذ بداية هذه الأزمة بوجود عدد من المشاكل لعل أبرزها
طريقة تواصل الحكومة بشأن الأزمة، والتي اقتصرت في البداية على تصريحات وبلاغات باللغة العربية، وكأن الحكومة لا علم لها بوجود مقيمين أجانب بالمغرب”.
ولكن وبفضل علاقات التواصل التي نسجناها مع عدد من الجمعيات والهيئات المدنية، يضيف سيرج، “شكلنا خلية تتابع التصريحات والبلاغات الحكومية وتعمل على ترجمتها من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية وغيرها”. وبالموازاة مع ذلك بادرنا إلى التواصل مع عدد من المسؤولين بهذا الخصوص، وقد لمسنا تحسنا في المنهجية التواصلية للحكومة، حيث تم التأكيد في أكثر من مناسبة على أن المهاجرين الأفارقة المقيمين في المغرب مرحب بهم، وهم في بلدهم الثاني”
فرانك إيانگا، يصف وضعية المهاجرين الأفارقة المقيمين في المغرب بالـ”جـد صعبة”، ذلك أن أغلبية المهاجرين الأفارقة يشتغلون في القطاع الغير مهيكل، وبالنظر إلى أن جميع الأنشطة المرتبطة بهذا القطاع قد توقفت منذ إعلان المغرب الدخول في حالة الحجر الصحي، فإن الصعوبات اليومية لهذه الفئة في تفاقم مستمر، “فهم لا يستطيعون أداء واجبات الكراء ولا فواتير الماء والكهرباء، ولا شراء المستلزمات الأساسية لمعيشهم اليومي”، يقول فرانك.
وعلى مستوى آخر، وبعدما أقرت لجنة اليقظة الاقتصادية باقة من صيغ الدعم لصالح المتضررين من إجراءات حالة الطوارئ الصحية، وجدت هذه الفئة نفسها أمام المجهول بلا دعم يخفف من معاناتها وهي التي انقطعت بها السبل بعد توقف الأنشطة التجارية والخدماتية التي تنشط بالقطاع غير المهيكل.
وهنا يصرح سيرج لجريدة بناصا: “أعتقد أنه لأننا كنا دائما على يقين بأن المهاجرين المقيمين في المغرب جزء لا يتجزأ من المجتمع المغربي، اعتقدنا أن هذا الدعم سيستفيد منه المهاجرون المتضررون من الأزمة شأنهم في ذلك شأن المغاربة، حتى فوجئنا بعدم إشراك المهاجرين في العملية ولم تعرهم الحكومة أهمية ولو بالتفاتة رمزية، وهو ما جعلنا نطرح مجموعة من الأسئلة منها: هل فعلا نحن في بلدنا الثاني، وهل فعلا مرحب بنا للإقامة في المغرب، وهل أصبح المغرب فعلا بلد استقرار بدل بلد عبور كما يردد دائما؟”.
أسئلة وأخرى ترددت في اتصالات هاتفية ومجموعات تفاعلية على شبكات التواصل الاجتماعي دون أن تجد لها جواب. ولتدارك الأمر وسد الفراغ التواصلي، بادرت تنسيقيات المهاجرين المقيمين في المغرب بتعميم كبسولات فيديو باللغات الأم للبدان الأصلية للتعريف بمجموع الإجراءات والقرارات التي يتخذها المغرب في ظل جائحة “كورونا”.
وفي الوقت الذي توقع فيه فرانك إدماج المهاجرين في الإجراءات والتدابير الخاصة التي اتخذتها الدولة المغربية الخاصة بتقديم المساعدات والدعم للأشخاص الذين تأثروا بسبب تدابير وإجراءات الحجر الصحي، فوجئ أنه قد تم إقصاؤهم من العملية، ” وعلى هذا الأساس قمنا بالترافع لدى السلطات المعنية وتحسيسهم بالوضع الاجتماعي المزري الذي يعيشه المهاجرون، في محاولة لإقناعهم بأن يشمل برنامج الدعم والمساعدات المهاجرين المقيمين في المغرب أيضا”، يقول فرانك.
مستغربا كون حتى المهاجرين المقيمين الذين يشتغلون بشكل قانوني ومنخرطون في صندوق الضمان الاجتماعي، لم يستفيدوا من دعم الصندوق المخصص لمواجهة جائحة كورونا، مشيرا إلى أن السبب في ذلك راجع إلى مشكل تقني كان من الممكن تجاوزه.
وبالتدقيق أكثر في هذه النقطة تبين لنا في موقع “بناصا” الاخباري، أن البوابة الالكترونية التي أنشأها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمخصصة للتسجيل قصد الاستفادة من الدعم بسبب التوقف عن العمل، لا تقبل إلا أرقام البطاقة الوطنية المغربية، وبالتالي، عندما يُدخل أحد العاملين المهاجرين الرقم الموجود في بطاقة الإقامة خاصته، فإنه يتم رفض العملية. مما تسبب في حرمان المئات من المستفيدين المفترضين من هذا الدعم والذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة، وبالتالي الزيادة في تأزيم الوضع الاجتماعي لمئات وربما آلاف الأفراد الذين يعيشون في مناح تضامني يتقاسمون فيه القليل إلى حين انفراج هذه الجائحة.
“بعدما فهمنا أنه تم التخلي عنا، وفي ظل استمرار الإجراءات المعمول بها من طرف السلطات المعنية خلال فترة الطوارئ الصحية، قمنا بالتنسيق في ما بيننا كمهاجرين أفارقة مقيمين في المغرب، من أجل جمع مساهمات على قلتها لشراء الاحتياجات الأساسية لمن هم في وضع أكثر تأزما”، يقول سيرج، مضيفا في ذات السياق: “كما أن لدينا علاقات إنسانية جد رائعة مع مغاربة أظهروا كما في كل مرة معدنهم الأصيل حيث وجدنا فيهم خير سند لنا، من خلال عمليات الدعم الإنسانية التي يبادرون إلى القيام بها بكل نكران للذات، من أجل دعم ومساعدة المحتاجين من المهاجرين، وذلك بتوزيع من وقت لآخر قفف مساعدات غذائية ومواد تنظيف، وبعض الأساسيات للنساء الحوامل أيضا”.
تعليقات الزوار ( 0 )