تملّك الجوع سكان قطاع غزة، بعد إغلاق المخابز العاملة ضمن برنامج الغذاء العالمي أبوابها، بسبب الحصار المحكم الذي تفرضه إسرائيل منذ شهر، ويحول دون دخول كافة السلع ومنها الوقود وغاز الطهي والدقيق.
إغلاق المخابز
وبدأ الجوع ينهش أمعاء السكان بعد اضطرار مخابز القطاع لإغلاق أبوابها، بعد نفاد ما لديها من كميات قليلة من مخزون الدقيق وغاز الطهي المخصص لتشغيل الأفران، والوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء.
وخلت واجهات المخابز التي كانت تزدحم يوميا بآلاف المواطنين، بعد أن أوصدت أبوابها، وتوقفت أفرانها عن إنتاج الخبز، مما سيلقي بثقل كبير على سكان القطاع، الذين يعانون كثيرا بسبب ارتفاع مستويات الفقر وعدم امتلاك الدقيق الكافي لتحضير الخبز في المنازل.
وكانت هذه الأفران تبيع الخبز بأثمان مخفضة، تصل إلى أقل من ثمنه الأصلي، إذ كان أصحاب المخابز بناء على الاتفاق مع برنامج الغذاء العالمي، يضعون تكلفة العمال وتشغيل الأفران فقط، بعد حصولهم على الدقيق وغاز الطهي من الأمم المتحدة، ما كان يمكّن السكان في كافة مناطق القطاع، بعد جهد واصطفاف في طوابير طويلة على الحصول على ثلاثة كيلوغرامات من الخبز يوميا، بثمن يقدر بأقل من دولار أمريكي.
وقال محمد صيدم من وسط قطاع غزة لـ”القدس العربي”، بعد إغلاق المخبز القريب من منطقة سكنه، والذي اعتاد على شراء الخبز يوميا منه، إن الأمر سيتسبب له بمشاكل كبيرة وذلك لصعوبة تحضير الخبز في المنازل، بعد نفاد غاز الطهي أيضا، وقلة مخزون الدقيق الذي يتوفر لدى الأسر، بل ونفاده من الكثير من المنازل.
وأشار وقد كان يسير في أحد أسواق مخيم النصيرات الشعبية القريبة من مناطق “مراكز الإيواء”، إلى أن أسرته كباقي الأسر تعتمد على الخبز “لإسكات جوع البطون”، وقال: “في ظل شح المواد الغذائية، وبيع ما توفر منها بأثمان عالية، نعتمد على الخبز لملء البطون مع ما توفر من أي طعام”، لافتا إلى أن سكان المخيم والنازحين على حد سواء يعتبرون أن الخبز هو الوجبة الأساسية.
وحال هذا الرجل يشابه جميع سكان قطاع غزة، الذين يخشون من تفاقم أزمة الخبز، في حال لم يجرِ فتح المعابر في أقرب وقت.
العودة لمواقد الحطب
واضطرت العديد من الأسر إلى تحضير الخبز على مواقد النار البدائية، والتي لجأت إليها طوال الفترة الماضية في عمليات طهي الطعام، بعد نفاد كميات الغاز المتوفرة لديها، بسبب الإغلاق الطويل من قبل سلطات الاحتلال لمعابر قطاع غزة منذ شهر، كعقاب جماعي للسكان، بعد انتهاء فترة التهدئة الأولى.
وبصعوبة بالغة توفر العائلات في غزة الخشب اللازم لإيقاد نار الأفران البدائية، والتي تباع بأثمان مرتفعة، حيث يؤثر الدخان المتصاعد من تلك المواقد صحيا على الأطفال وكبار السن، والذين يشتكون من أمراض صدرية.
وكان رئيس جمعية أصحاب المخابز في قطاع غزة عبد الناصر العجرمي، قال إن جميع المخابز في قطاع غزة أغلقت اليوم بسبب نفاد الدقيق والسولار، لافتا إلى أن برنامج الغذاء العالمي أبلغهم بنفاد الدقيق من مخازنه في القطاع.
وأوضح أن عدد المخابز المدعومة من برنامج الغذاء العالمي في القطاع، يبلغ 18 مخبزا، وقد حذر في ذات الوقت من أن هذا الإغلاق سيؤدي إلى تزايد رقعة المجاعة في القطاع.
وعلى مدار الفترة الماضية، نفدت الكثير من المواد الغذائية من الأسواق، وفي مقدمتها الخضروات واللحوم، وبات يباع ما توفر منها بكميات قليلة حاليا بأثمان مرتفعة للغاية، تفوق قدرات السكان بشكل كبير.
تحذيرات دولية
وحذرت العديد من المنظمات الدولية والمحلية من خطر “المجاعة” في القطاع، بسبب هذا الحصار الإسرائيلي المحكم.
وتقول المديرة التنفيذية لـ”اليونيسف” كاثرين راسل، إنه مع استمرار منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة منذ 2 مارس، في أطول فترة منع مساعدات منذ بداية الحرب “تزداد ندرة وصعوبة الحصول على الغذاء والمياه الصالحة للشرب والمأوى والرعاية الطبية”، أضافت منذرة: “بدون هذه الإمدادات الأساسية، يرجّح أن ترتفع معدلات سوء التغذية والأمراض وغيرها من الأخطار التي يمكن الوقاية منها، فتزداد بالتالي وفيات الأطفال التي كان يمكن اتقاؤها”.
وقد حذر برنامج الأغذية العالمي من أن الآلاف من سكان غزة يواجهون مجددا خطر الجوع الحاد وسوء التغذية مع تناقص مخزونات الغذاء في القطاع وإغلاق المعابر أمام المساعدات.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” وهو يشير إلى الأوضاع السيئة “إن كل شيء في غزة ينفد، الإمدادات والوقت والحياة”، مشيرا إلى أن المساحة اللازمة لبقاء العائلات على قيد الحياة تتقلص مع إصدار أوامر تهجير إسرائيلية جديدة يوميا.
أزمة دقيق
بصعوبة بالغة، استدان إياد ويكنى “أبو سامر”، كيلوغرامات قليلة من الدقيق من أحد جيرانه، لحين تدبر أمره، وقال لـ”القدس العربي”، إنه لن يستطيع الإقدام على هذه الخطوة مرة أخرى، فبالكاد ما يتوفر للسكان يكفيهم لأيام فقط.
وكان هذا الرجل الذي نفد الدقيق من منزله منذ أسبوع، يعتمد كليا على المخابز لتوفير قوت أسرته اليومي، مؤكدا أن طول مدة الإغلاق سيضاعف الأزمة ليس لأسرته فقط، بل لجميع من يعرفهم من جيران وأقارب، مؤكدا أنه لم يتلقَ منذ فترة طويلة أي مساعدات غذائية من أي من المنظمات الإغاثية العاملة في قطاع غزة.
وكانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، حذرت من أن الوضع في قطاع غزة “مقلق للغاية” بسبب الخفض الهائل في توزيع المساعدات، وذلك بسبب الحصار الطويل الذي تفرضه سلطات الاحتلال.
وفي هذا السياق، قال رئيس شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا، إن القطاع دخل مرحلة جديدة من المجاعة بسبب الحصار الإسرائيلي، وأضاف في تصريحات صحافية: “️وصلنا إلى مرحلة غير مسبوقة من الكارثة الإنسانية”، مشيرا إلى أن ️الاحتلال يسعى بشكل ممنهج إلى الإضرار بحياة المواطنين في القطاع.
تعليقات الزوار ( 0 )