أومن أنني بعدما رضعت حليب أمي رحمها الله، رضعت بعد ذلك قضية القدس وقضية شعب فلسطين الذي شرد وقتل على يد الصهاينة، حتى أصبح ذلك الحليب يسري في عظامي وجزء من كياني لا يمكنني أن أنفصل عنه إلا بالموت.
وأذكر أن مغربية الصحراء دونها الموت، وهكذا قال ملوك المغرب، ونحن في أرضنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بأمريكا أو بدونها وبالعالم كله أو بدونه. أوا في ذلك شك أو أننا نكاد نموت جوعا أو ظلما حتى تكون أمريكا هي باعثة الروح في جسد المغرب وإسرائيل من ورائها؟
اذا كان للمغرب يهود هنا وهناك فمرحبا بهم بجنسيتهم الأصل بدون تصهين أو كبر أو تجبر، وفضلنا عليهم كبير في الدين والدنيا. فهل ينكرون موسى إبن ميمون الفقيه الفيلسوف اليهودي المغربي الأندلسي الذي أسس الفقه اليهودي وفسر معتقدهم ووضح لهم ما التبس عليهم في ممارسة شعائر وعقائد اليهودية؟
إبن ميمون العالم والفقيه اليهودي هو أندلسي مغربي ويعتبر من مؤسسي المذهب الفقهي الإسرائيلي، وهو متأثر بالأشاعرة المالكيين وبإبن رشد وبالمدرسة العقلانية الإسلامية المغربية في تفسير الثرات الديني، وبذلك فإن فضل المغرب والمغاربة على اليهود وإسرائيل أكبر بكثير من أي مقابل يقدمونه هنا، ولولا ابن ميمون ومن تخرج على أيديهم لما كان لليهود شريعة وفقه حقيقي أو حتى دولة متدينة.
فلسطين والقدس بالنسبة لنا مسألة متعددة الأبعاد. هي قضية جزاء قانون دولي أولا واحتلال وتشريد وقتل واغتصاب. وهي قضية تاريخية دينية مرتبطة بعاصمة الأديان ولا يجوز نسيان ذلك. وهي قضية يلعب فيها الكهنوت الفاتيكاني لعبة كبيرة في تأجيج الصراع بين اليهود والمسلمين لإضعافهم جميعا، ليعود هو لعقيدته التي أنشأ عليها الحروب الصليبية لاستعادة معبده المقدس، بيت لحم بيت ولادة ونشأة المسيح عليه السلام الذي لن يفرطوا فيه أبدا.
لم نكن بحاجة إلى اعتراف أمريكا بأرضنا. ولم نكن بحاجة إلى تطبيع مع كيان قتل الأطفال وشرد الأبرياء واغتصب النساء، ولم نكن جوعى أو ضعافا إلى هذا الحد حتى نركع ونجمل ركوعنا بأنه شموخ.
القضية هي أكبر بكثير من مجرد بحث عن دعم لمغربية الصحراء، فهي تبريرات لا تستقيم مع التاريخ ومع ميزان القوى الحالي بين المغرب والبوليساريو والجزائر فهم أوهن من الزمن الماضي، وإنما هي عملية اختراق خطير وغير مسبوق لأضلع وكيان الأمة المغربية علينا جميعا أن نتصدى له ولو كان وراءه من يكون.
*باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط
تعليقات الزوار ( 0 )