بوظائف عدة وأحداث ذات صلة فضلا عن رمزية عمارة خاصة، كانت أبواب مدن المغرب الأثرية عموما بحسب ما تذكره المصادر التاريخية وما جاء في دراسات بحثية توجهت بعنايتها للموضوع هنا وهناك من حواضر البلاد. والى جانب ما طبع هذه الأبواب من جهة لأخرى بين ساحل وداخل وصحراء ..الخ، كانت بأدوار جمعت بين ما هو أمني واقتصادي تجاري .. الخ، مستفيدة من طبيعة مواقعها وتوزع ما ارتبط بها من أبراج وشرفات ودينامية حراسة بوابين خاصين. ويتبين أنه من خلال تموقعات أبواب مدن مغرب زمان كما حال تازة وما كانت عليه من أسوار محيطة، لم يكن ممكنا للزائر ولوج هذه المدن دون مرور عبر أبوابها. وغير خاف كون هذه الأبواب باعتبارها مكونات أثرية مادية، لم تكن بمعزل عن الأثر الطبيعي والبشري، من قبيل ما تعرضت له البلاد من عنف زلازل تذكرها المصادر التاريخية وكذا تدافع نشأة دول وانهيار أخرى، فضلا عما حصل من ترميمات وإعادة بناء وتوجيه لاعتبارات عدة ومتداخلة. ومن ثمة ما أصاب هذا المكون الأثري، من تصدعات وتغيرات في مشهده وتركيبته وحتى في أصول مواقعه. ويسجل ما هناك من تباين بين أبواب مدن المغرب العتيقة، من حيث شكلها وهندستها وموقعها وحجمها واتجاهها ومكانتها وقيمتها التاريخية والتراثية، وكذا علاقة اسمائها بما هو طبيعي وبشري من معنى وأثر وخصوصية محلية.
وعليه، كثيرة هي أبواب المدن التي تحمل أسماء بعض ايام الأسبوع، من قبيل باب الجمعة بتازة إن كان الأمر دون تحريف لأصل تسميته. فأي امتداد تاريخي لهذا الباب / باب الجمعة من خلال المصادر التاريخية؟، أي دور كان له في زمن تازة بما فيه زمنها الحديث قبل دخول القوات الفرنسية في ماي 1914 من القرن الماضي؟، ما موقع وقيمة هذا الباب في دينامية ساكنة المدينة وتفاعلها مع محيطها، حيث الأجراف المنيعة من كل الجهات اللهم جنوبا.؟، ما الوظيفة التي طبعت باب الجمعة هذا المطل على اسافله حيث واد انملي وبساتينه ومسالكه؟، أية روافد ثقافية حضارية قديمة / حديثة تطبع عمارة هذا الباب هندسة وشكلا وجمالية؟، وما علاقته بعمارة المغرب الترابية الأصيلة / تراب مدكوك، وكذا ببناءات مغرب الموحدين حيث الحجر المنجور، ثم بناءات زمن بني مرين والسعديين والعلويين وما ميزها من زخرفة وكتابة ونقوش وحواشي ورخام وزليج .. الخ.؟، ما قول الأركيولوجيا المغربية بين باحث ومؤسسة صوب كائن وزمن مثل هذا الباب؟، وما حدود مساهمة هذه الأركيولوجيا من حيث تأسيسها لجديد العلاقة بين المصادر التاريخية والمصادر المادية الأثرية؟، وأي تنوير لها أيضا تجاه ما هناك من مسلّمات متداولة، فضلا عن كشف وإبراز ما هو تاريخي مجهول يخص ملامح مثل هذه الأبواب كما بالنسبة لباب الجمعة بمدينة تازة؟.
هكذا اذن بقدر ما توجد عليه تازة العتيقة من غنى أثري وتعمير بشري، بما فيه ذلك الذي يعود لزمن ما قبل التاريخ. بقدر ما يسجل حول هذا وذاك من معالمها التاريخية القائمة من لبس معرفي فضلا عن صعوبة تحديد بعض مواقعها. ومن هنا ما هناك من حاجة لمعطى تاريخي بنوع من الحقيقة النسبية، الى حين ما ينبغي من بحث رصين ودراسات شافية لتكوين فكرة حول ما هو تعمير تاريخي بها، مع الأخذ بعين الاعتبار ما حصل معه من امتداد مجالي وتمدد للمدينة عبر العصور، وأيضا أثر من حكم المغرب من كيانات سياسية منذ العصر الوسيط. ويسجل أنه من بعض اللبس التاريخي المجالي الذي لا يزال قائما، ما يخص مواقع بعض ابواب مدينة تازة العتيقة، وعدد من مخرجات ومدخلات بعض أزقتها وكذا دروبها وفضاءاتها، فضلا عن معالمها التاريخية الروحية والدفاعية والسياسية وغيرها. الأمر الذي يجعل مسار تعمير وتوسع المدينة منذ العصر الوسيط وكذا بعض أثاثها العمراني في عدد من مكوناته، بحاجة لأبحاث ذات طبيعة أركيولوجية. فكثيرة هي أمكنة المدينة الأثرية التاريخية، بقدر ما يبدو من وضوح يخص معالمها في الذاكرة المحلية وفيما هناك من تداول محلي يهمها، بقدر ما هي بحاجة لسؤال تاريخي رصين مؤسس. ولعل من هذه الأمكنة بعض أبواب تازة من حيث تدقيق مواقعها، بعد ما حصل عبر زمن المدينة من وقائع واحداث وتطورات ومتغيرات مجالية لأغراض معينة فرضتها شروط معينة، آخرها ما شهدته إثر احتلالها من قِبل القوات الفرنسية كما سبقت الاشارة لذلك، من تعديل وتغيير واعادة توجيه مجالي لضرورة ما أمنية وغير أمنية، وكذا من فتحات هنا وهناك لأغراض عسكرية بالمجال العتيق على حساب ارث تازة التاريخي المادي، خدمة وانسجاما مع ما اعتمدته من استراتيجية لإحكام سيطرتها على أركان المدينة، وحماية عملياتها وتحركاتها وعتادها وثكناتها وسبل تواصلها مع محيطها.
ومن هنا ما يطرح من سؤال حول موقع باب الجمعة الفوقية والتحتية معا، تلك التي وردت في تقارير السلطات الاستعمارية الفرنسية من خلال ما وضعه بعض ضباطها الذين تم تكليفهم بجمع المعلومة المجالية لأغراض أمنية، وقد يكونوا اعتمدوا لجمع ما طلب منهم على ما التقطوه من رواية شفوية فقط، في ظرفية صعبة لم تكن بما يكفي من الثقة والتعاون بينهم وبين الأهالي. وهذه الصورة المرفقة التي تعود لسنة احتلال تازة ولأول توغل من قبل الجنرال بومكًارتن، وثيقة بإشارات تخص باباً أول يبدو أنه اندثر من المكان وربما تم ردمه، وقد يكون أساسه لا يزال موجودا بنفس المكان وبهذا المدخل شرق تازة العتيقة. ثم هناك باب ثان قد يكون هو الباب الحالي الذي لا يزال قائما وربما هو الباب التحتي، وربما ما كان متداولا بين الأهالي إبان احتلال المدينة. وهو ما أورده هؤلاء بشكل غير دقيق في تقارير أبحاثهم الاستعلامية الأولية، من قبيل ما جاء به الضابط “كومباردو” مثلا. وهنا يحق السؤال حول هل الباب الأول الذي اندثر عن آخره ولم يعد له أي أثر، كان يرتبط بالسور الأثري المريني المزدوج بالجهة الشرقية للمدينة (نقصد هنا السور الداخلي المريني شرق تازة العتيقة)، وهل الباب الثاني في نفس المكان وقد يكون هو باب الجمعة الشهير الحالي، كان يرتبط بهذا السور المزدوج المريني (نقصد هنا السور الخارجي المريني شرق تازة العتيقة). ما عرجنا عليه من خلال تساؤلات ذات صلة في مؤلفنا “تازة صفحات من تاريخ مدينة”، الى حين ما ينبغي من دراسات وإنصات اركيولوجي أهم وأعمق وأفيد لمجال تازة العتيق، على مستوى عدد من أمكنته العمرانية ذات الطبيعة الاثرية التاريخية.
ولعل أبواب تازة في علاقتها بشرفتها وأجرافها وأسوارها العتيقة، جزء من زمن هذه الحاضرة الجبلية الوسيطية، وأن هذه الأبواب هي بروايات وحكي وأحداث ووقائع تخص حصن تازة الدفاعي وتشهد على ما كان عليه من مكانة وما اطلع به من دور في علاقة شرق البلاد بغربها على امتداد قرون من الزمن. ولا شك أن أبواب حصن تازة هذا واسواره ومنشآته التاريخية، كانت درعا قويا جعلته منارة فكر وعلم وعلماء وفقهاء ذاع صيتهم بالمغرب والغرب الإسلامي حتى بلاد المشرق. ويسجل أنه لا نجد بتازة أبوابا بتسميات ذات طبيعة مجالية بوجهة مفتوحة محددة، من قبيل باب الشرق أو باب الغرب أو باب فاس أو باب وجدة أو باب الجبل أو باب ايناون أو باب غياتة .. الخ، بخلاف ما نجده بحواضر مغربية أخرى من قبيل سلا ومراكش وغيرها. كما لا نعرف مدى امتداد تسميات أبواب تازة في الزمن بعيدا عما ورد في تقارير فرنسيين عسكريين من إشارات قبل نهاية القرن التاسع عشر وبعد احتلال المدينة مطلع القرن الماضي. ومن هنا السؤال مثلا حول هل كان باب القبور الحالي بالسور المريني المزدوج جنوبا، يحمل هذا الاسم زمن السعديين وبداية دولة العلويين حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي؟. وماذا عن أسماء باقي الأبواب زمن العصر الوسيط والحديث، واي حديث عنها وعن اسماءها من خلال المصادر اللهم إشارة خجولة تخص باب الشريعة لا غير.؟ ولماذا خلافا لما هو كائن بمدن مغربية أخرى، غابت تسمية أبواب تازة بأسماء اعلامها ممن كان ببصمة وورع وعلم في تاريخ المدينة، من قبيل الشيخ ابن بري التازي التسولي وابن يجبش التازي التسولي ..الخ.
بعض فقط من الاشارات التي بقدر ما تهم أبواب تازة في كينونتها وهويتها ومواقعها وادوارها وملامحها، بقدر ما هي بحاجة لعناية وحماية أهم باعتبارها مآثر تاريخية وجزء من تراث المدينة المادي، وكذا مكونا ضمن ما هو برامج تنموية حضرية رافعة لحفظ ذاكرة المكان، عبر ما ينبغي من عمل ترميم مؤسس مسؤول لمواقع تاريخية، دون نسيان ما هي بحاجة اليه من دراسات علمية بعيون أركيولوجية اساسا، لإبراز ما هو مغمور من معطيات وحقائق عوض ما هو متداول من مسلمات.
*مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث
تعليقات الزوار ( 0 )