Share
  • Link copied

وزير الأوقاف أحمد التوفيق يعارض أمير المؤمنين ويكفر بالدستور

اِعلم، أخي أختي، أن من يشتغل قد يرتكب من الأخطاء، بدون قصد أو غيره،الكثير؛ غير أن التمادي في ذلك والدفاع عنها،في كثير من الأحيان، لا يستقيم مع المنهج السليم؛ ذلك أن الحديث النبوي الشريف أسس لقاعدة ذهبية في هذا الشأن مفادها أن “كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون”؛ وعليه، فإن العيب لا يكمن في ارتكاب الخطأ وإنما في استمرار اقترافه؛ بل إن محاولة النظر في أخطائنا عموما، وبشكل خاص في أخطاء السياسيين، وكذلك تقييمها وتقويمها، يستوجب استحضار هذه القاعدة الذهبية الشريفة.

وبالرجوع إلى الأخطاء المرتكبة من طرف السياسيين في المغرب خلال السنوات الأخيرة، والتي ازدادت بشكل غير طبيعي، نجد منها ما يستحق، ويجب، تسليط الضوء عليها لاعتبارها تؤسس لمغرب آخر تسود فيه الفوضى وتعرض أمنها القومي للخطر؛ ومن بين الأمثلة على ذلك مجموعة من التصريحات التي أدلى بها وزراء ومسؤولين في الدولة، وعلى رأسهم أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي تولى هذا المنصب منذ سنة 2002.

كما نعلم جميعا، فقد بدأ هذا الوزير يفقد بريقه بعدما عمر كثيرا في هذه الوزارة؛ ومن الطبيعي جدا أن تصدر عنه أخطاء وتجاوزات خلال أدائه لهذه المهمة الحساسة جدا؛ لكن مؤخرا، مع موجة إطلاق برامج عدة تهم الشأن الديني، لوحظ جريان تصريحات غريبة على لسان هذا الوزير، لاسيما التعدي على اختصاص العلماء بتجرؤه على إباحة الربا عندما ألقى أول درس حسني في شهر رمضان أمام أمير المؤمنين محمد السادس، مع تقديم تفسيرات غريبة لآيات قرآنية وبحضور السادة العلماء؛ وتلاه في الأيام الأخيرة كلام يستحي المرء من ذكره عندما تحدث عن الخطبة الموحدة والتي لا يأخذ بها عدد لا بأس به من الخطباء لتقديرات هم أعلم بها، لكن السيد الوزير لم يرقه هذا، ما جعله يتهم السادة العلماء والخطباء بالمرض الذي وجب تداويه حسب تعبيره، ناسيا أن تعميم الخطبة في حد ذاته تعد على الخطباء واستحقار لهم، خاصة أن من هؤلاء الخطباء علماء كبار يقصدهم القاصي والداني لتعلم أمور الدين، وهم أولى الناس بتحديد موضوع الخطبة الذي يناسب المكان والزمان.

واستمرارا من الوزير في فقدان مكانته وإساءته للمنصب الذي يتولاه بتعدد أخطائه، أو قل خطاياه؛ فقد أدلى بكلام في غاية الخطورة في البرلمان بعدما أفصح عن لقاء جمعه بوزير الداخلية الفرنسي خلال زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الأخيرة، حيث صرح للوزير الفرنسي بأن المغاربة “علمانيون” وأن لا إشكال عندهم لأن الآية تقول: “لا إكراه في الدين”، وغيره من الكلام الذي لا أساس له من الصحة بعدما أكد أن نصوص 1905 لم تعد موجودة دون أن يوضح ما المقصود منها، فضلا عن دعوى “لبغا شيحجا كيديرها”؛ وبالتالي، فإن هذه السقطة للوزير الذي يتعين عليه أن يكون أكثر حذرا في الحديث باسم المغرب الذي يتبنى إمارة المؤمنين والدين الإسلامي أحد أهم ركائزها التي لا يمكن أن تقوم بدونه، قد اقترف خطئا لا يغتفر يفرض عليهالاستقالة أو إقالته لما جاء منه من مخالفة صريحة للدستور المغربي، فضلا عن تجاهله ومعارضته لما أكده الملك، بصفته أميرا للمؤمنين، أكثر من مرة.

حتى نتبين مما خالف فيه صريح الدستور هو أن الفصل الثالث ينص على أن “الإسلام دين الدولة”، والفصل الواحد والأربعون ينص على أن “الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية”، والفصل الرابع والستون ينص على أن الرأي الذي يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك والمعبر عنه من طرف البرلماني يجعله محل المتابعة والبحث عنه وإلقاء القبض عليه واعتقاله ومحاكمته، وغيره من النصوص التي تؤكد استحضار الدين الإسلامي؛ وبشكل عام، فإن النظر في مضامين الفصول السابقة وغيرها يؤكد أن الدين الإسلامي مكون أساسي في بناء الدولة المغربيةوالاستغناء عنه أمر غير ممكن، وبدونه يمكن أن نتحدث عن مغرب آخر، بل إن صفة أمير المؤمنين التي يتمتع بها رئيس الدولة وحدها كفيلة بالتأكيد على أن فصل الدين عن الدولة لا يوجد لها منفذ مهما حاول البعض تأويل النصوص، وبالأحرى عند جمع مختلف النصوص الأخرى.

وأما ما خالف فيه الوزير ملك البلاد بصفته أميرا للمؤمنين، بل عارضه بشكل مشين، هو أن الملك محمد السادس في معرض إجاباته عن أسئلة صحيفة “إيل بايس” سنة 2005، أكد بالحرف أن “المغرب ليس بلدا علمانيا. إنه ملكية، الإسلام فيها هو دين الدولة. فليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب، لأن مجموع الأحزاب السياسية، وليس واحدا منها فقط، يرتكز على هذه المرجعية، حتى ولو كان البعض منها يرتكز عليها بشكل أكثر بروزا من الباقي. فعلى امتداد القرون، تطور في المغرب إسلام متسامح يقوم على الانفتاح واحترام الآخر. وهذا الإسلام حاضر في حياتنا اليومية. وبموجب السلطات التي يخولها لي الدستور، فإنني أسهر على استمراره. كما أسهر على الحريات العامة التي أعتبر الضامن لها، حتى يكون المجال السياسي مفتوحا على كل الحساسيات السياسية، ما دامت تحترم بدقة القواعد الديمقراطية المعمول بها وثوابت البلاد”؛ أي أن الملك محمد السادس، حفظه الله، نفى العلمانية عن الدولة، وأكد أن الإسلام حاضر في الحياة اليومية للمغاربة عكس ما تلفظ به الوزير وهو يحاور وزير دولة أجنبية.

وبكلمة أخيرة، يمكن القول إن بعض المسؤولين في الآونة الأخيرة، بما فيهم الوزراء، قد جاوزوا كل الخطوط الحمراء بتصريحات تسيء إلى المغرب، فضلا عن إساءتهم لتلك المؤسسات التي يتولون زمامها، كوزير العدل عبد اللطيف وهبي ووزير الأوقاف أحمد التوفيق؛ ما ينذر بتسلل اللامسوؤلية واللامبالاة، بل التفاهة، إلى صفوف من كانوا يعول عليهم في ترشيد الحياة السياسية والرقي بها؛ فرغم مناصبهم التي رفعت من شأنهم إلا أنهم لم يكونوا في مستوى تحملهم الأمانة، وتمثيل بلد يملك من التاريخ ما يفتخر به كل مواطن مغربي، فضلا عما عُرف عن قادته قديما وحديثا من الرزانة والحكمة، حتى أن تسجيل الهفوات على مستوى التصريحات والخطاباتكان منعدما رغم ضعف بعض المسؤولين في تدبير القطاعات التي أوكلت إليهم؛ ذلك أن الفشل في التدبير مهما كان قاسيا ومؤثرا في الحياة العامة إلا أن الفشل على مستوى الخطاب، لما يشكله من رمزية، قد يكون له من التأثير الكبير؛ بل إن أحد القادة أجاب يوما، عندما قيل له لو خيرت في الإبقاء على شيء وحيد وترك الباقي، أنه سيحتفظ بفن الخطابة لأنها أساس استرجاع باقي الأمور الأخرى.

وعليه، فإن حسن اختيار الكلمات خلال الخطاب السياسي، رغم كل الإخفاقات، يشفع لصاحبه ويترك له فسحة التقدم وتجاوز كل العقبات، في حين أن سوء الخطاب قد يدمر ما بني في قرون، وقد يشعل الحروب والفتن؛ لذلك فإن ما يحمله كلام وزير الأوقاف أكبر مما يتخيل، لأنه أساء إلى تاريخ بلاده الذي يمتد لقرون، كما أساء لملكه الذي يؤكد تشبثه بالدين الإسلامي والتجني عليه وعلى شعبه ووصفهم بما هم برآء منه وهو “العلمانية”.

​​​

Share
  • Link copied
المقال التالي