في نهاية عام 2022، أظهر فريق الرئيس جو بايدن أنه يريد الترشح مرة ثانية للانتخابات، ما أدى لحسم الحديث عن أيّ بديل له، ويحوم ذلك القرار على المشهد السياسي الآن، كما تقول صحيفة “واشنطن بوست”، في تقرير أعدّه تولوز أولورونيبا ومات فايزر حيث قالا إن قرار الرئيس الترشح لولاية ثانية تبلورَ في أثناء حفلة عيد الشكر عام 2022، حيث اجتمع في جزيرة نانتكيت مع عائلته الكبيرة لمناقشة مستقبله السياسي.
وجاء اللقاء في ظل النتائج في الانتخابات النصفية، والتي كانت أكثر من المتوقع، وأسكتت المتشككين به، وكذا تحقيقه أجندة تشريعية بدرجة شعر فيها أنه قوي، وبصحة جيدة، بعد احتفاله بعيد ميلاده الثمانين. إلا أن أداءه الذي تعثّر فيه أثناء المناظرة التلفزيونية، والتي أحدثت هزّات في داخل الحزب الديمقراطي، وَضَعَ قرار بايدن الترشح لولاية ثانية في سن الحادية والثمانين باعتباره الرمز التحويلي، للفحص.
ونقلت الصحيفة عن كريس ويبل، مؤلف كتاب “المعركة من أجل الحياة: في داخل بيت بايدن الأبيض”: “أعتقد أن الذعر الحقيقي ليس في داخل دائرته، ولكن بين أفراد عائلته”، و “الجميع يتساءلون: ماذا حدث؟ وهل يمكن إصلاح هذا؟”.
وما يثير الذعر داخل الحزب الديمقراطي منظور فوز الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يراه الديمقراطيون رجلاً غير صادق. فبايدن يواجه أسئلة وشكوكاً حول قدرته مواصلة عمله وتحمّل مسؤولياته لأربع سنوات قادمة. ولهذا قام مساعدوه، في الساعات التي أعقبت المناظرة، بتطمين المتبرّعين لحملته بأنه قادر على القيام بالمهمة. وقال أشخاص على معرفة بالتبرعات إن أياً من المانحين لم يتخلّ عن دعم بايدن، حيث تتوقع الحملة جمع 27 مليون دولار من المناظرة، في ليلة الجمعة.
وحاول بايدن، على ما يبدو، تبديد الشكوك، في خطاب ناري بعد المناظرة، ألقاه في راليه بنورث كارولينا يوم الجمعة، وتناول فيه المخاوف بشأن عمره مشيراً إلى أنه لا يفكر بالتراجع عن قراره . وقال: “أعرف أنني لست شاباً، لأقول ما هو واضح..”.
واعترفَ، لأول مرة، أن كلامه وعمره ومهاراته في المناظرة تظهر عليها علامات العمر: “أوكد لكم، كبايدن، لم أكن لأترشح لو لم أعتقد بقلبي وروحي أنني قادر على القيام بالمهمة”.
وفي كل أربعة أعوام خلال حياته، كان بايدن يتعرّض لقرارات صعبة حول ما إن كان عليه الترشح للرئاسة، وعقد جلسات طويلة مع عائلته وأصدقائه بشأن الترشح لأعلى منصب في البلد.
ورغم مظاهر القلق حول عمره، إلا أن قراره الترشح لانتخابات عام 2024 كان أسهل من قراراته السابقة، فهو في النهاية الرئيس الذي لا يزال على رأس عمله، ولديه إنجازات تشريعية، وشكل تحالفات دولية يؤمن بها. ودعمتْه عائلته، وخاصة زوجته جيل وشقيقته فاليري بايدن أوينز.
ويعتقد أنه الشخص المؤهل للتنافس على الرئاسة ضد ترامب، والذي كانت عودته السياسية تثير قلق الديمقراطيين.
وأخبر الديمقراطيين في حفلة جمع أموال بمدينة بوسطن: “لو لم يكن ترامب قد رشَّحَ نفسه، لم أكن متأكداً أنني سأترشح”.
وعندما سألته مجلة “تايم”، في أيار/مايو، لو فكر مرة بالتنحي بسبب عمره، أجاب: “لا، لم أفكر”.
وقبل عامين، نظر بايدن لنفسه باعتباره القائد المؤقت للحزب الديمقراطي الذي يربي جيلاً جديداً من القيادات.
ففي عام 2020 قال: “أنظر لنفسي كجسر، ليس أكثر”. وبعد بلوغه الثمانين، في 20 نوفمبر 2020، بشكل أصبح أول رئيس ثمانيني يقيم في البيت الأبيض، قرر أن الجسر قد يطول، وأنه سيرشح نفسه مرة أخرى، مقدماً نفسه على أنه ليس رئيساً انتقالياً، بل يمثّل مرحلة تحويلية.
وكانت هناك الكثير من الإشارات المثيرة للقلق، ففي استطلاع أجرته واشنطن بوست/ إبي بي سي، في سبتمبر 2022، ظهر أن نسبة 56% من الديمقراطيين، أو المتعاطفين معهم، تريد مرشحاً آخر.
وكان الجمهوريون قد بدأوا حملتهم ضد بايدن من خلال نشر أشرطة فيديو عن بايدن المتشوش، أو المتعلثم في كلامه، أو المتعثر وهو يصعد الطائرة، وهي حوادث عادة ما قدمت خارج السياق، كما يقول طبيب بايدن الخاص، كيفن أوكونور الذي لاحظ أن مشية بايدن ثابتة، وأنه قادر على مواصلة العمل كرئيس.
إلا أن ولاية ثانية ستكون مجهدة له، خاصة أن الفترة الأولى من رئاسته بدأت في 2020 مع انتشار كوفيد-19، حيث ظل يعمل من داخل البيت الأبيض، ولأوقات طويلة. وفي وسط هذا الوضع، جاءت نتائج الانتخابات النصفية، في نوفمبر 2022، لتعيد الثقة بالرئيس، حيث استطاع الديمقراطيون الحفاظ على مجلس الشيوخ، وحضور في مجلس النواب، وبرغم التكهنات بخسارة الديمقراطيين الواسعة.
وتركت النتائج انطباعاً لدى الديمقراطيين بأنهم يستطيعون تحقيق إنجازات في ظل قيادة بايدن. وقال بايدن، في اليوم الذي تلا نتائج الانتخابات النصفية: “نيّتي هي الترشح مرة ثانية”، و”لكنني أحترم القدر، وهذا في النهاية هو قرار العائلة”. كما تأثر هذا القرار بحلقة من المستشارين الموثوقين، وبعضهم لا يزال حانقاً على الديمقراطيين الذين همّشوا بايدن لصالح هيلاري كلينتون في انتخابات 2016.
وكانت زوجته جيل بايدن، من أقوى الداعمين لإعادة انتخابه، وصورت في بداية الحملات الانتخابية أن الخيار هو بين “الفساد والفوضى” أو الاستقرار.
ودعم ابنه هانتر وأحفاده القرار، بحسب أشخاص على معرفة بالقرار. وقال ويبل: “أنفقَ معظم حياته ليصل إلى هناك”، و”بالتأكيد لم يكن ليفوّت الفرصة لإنهاء العمل الذي بدأه في الولاية الثانية. وأعتقد أن هذه هي طبيعة الناس الذين يصلون إلى ذلك المنصب”. إضافة إلى هذا فقد أظهر الديمقراطيون أنهم لا يريدون تحدّيه، باستثناء محاولة قصيرة من النائب عن مينسوتا، دين فيليبس.
وعلى خلاف الحملات الأخرى، فقد فشل معسكر اليسار بتقديم مرشح قوي مثل بيرني ساندرز، السناتور عن ولاية فيرمونت، ذلك أن الكثيرين من معسكر اليسار قبلوا على مضض بعضاً من سياسات بايدن التقدمية.
وكان الحكام الديمقراطيون ممن يطمحون للسلطة العليا، مثل حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسم، وحاكم ميتشغان، غريتشر ويتمر، يديرون حملات ظل توقفت بعد النجاحات في الانتخابات النصفية. واقترح البعض قيام الرئيس السابق باراك أوباما بالتأثير على بايدن بعدم الترشح مرة ثانية لو قرر، إلا أن العلاقة توترت بينهما، بعدما فضّل أوباما كلينتون على حساب بايدن.
ولم يبدّد إعلان بايدن ترشيح نفسه رسمياً، في 25 نيسان/أبريل 2023، الشكوك حول قدراته، ففي استطلاع أجرته وكالة “أسوشيتد برس” ظهر أن 47% دعمت قراره. ولم يؤد الإعلان لزيادة الزخم الذي يتبع قرار المرشح وجذب المانحين. ومع تقدم الحملة الانتخابية حول بايدن معالجة مسألة العمر، ولكنه مَزَحَ بخصوصها، حيث أخبر أنصاره بأنه “أقل من 103 عاماً”.
وفاز في كل انتخابات تمهيدية، وبدون منازع، وهو ما حدا بمستشاريه للقول إن فوزه هذا هو دليل على الأفضلية التي يتمتع بها.
ولكن الثقة هذه انهارت في مناظرة الخميس، حيث بدا بايدن ضائعاً في أفكاره، وغير قادر على مواجهة، أو الرد على هجمات ترامب، وفي مرات أخرى حدَّقَ في الفراغ، وهو يرد على ترامب.
وقال جون فاريفو، كاتب خطابات أوباما سابقاً: “من الواضح أن تلك المناظرة كانت كارثة”، مقترحاً أن الديمقراطيين بحاجة للتفكير الجدي، واستبدال بايدن كمرشحهم.
وكتب جوليان كاسترو، عمدة مدينة سان أنطونيو السابق: “بدا غير جاهز، ضائع، وليس قوياً بدرجة ينافس فيها ترامب الذي كذب بشكل دائم”.
وتساءل بعض الديمقراطيين في ما بينهم إن كان قرار بايدن الترشح مرة ثانية هو عمل أناني بدلاً من كونه رمزاً لخدماته السياسية. ويطالب مَن تقبّلوا بفكرة بايدن كمرشح للديمقراطيين بأن هناك حاجة لتغير في إستراتيجيته الانتخابية. وقال مسؤول ديمقراطي: “الأمر يقع على عاتق من لديهم علاقة شخصية مع الرئيس، وعقد حوارات حقيقية، وتحسين أدائه والتعلم من تلك اللحظة”.
ومن المعروف أن الرؤساء في مناصبهم يتعثّرون في مناظراتهم المتلفزة، نظراً لتعودهم على المواجهة الحادة، لكن أداء بايدن كان “مزعجاً”، ويدعو لإعادة تقييم ظهوره العلني، حسبما قال جويل بين، الإستراتيجي الديمقراطي، الذي يدعم قرار بايدن في خوض انتخابات الرئاسة.
وقالت المستشارون الذين ساعدوا الرئيس على التحضير للمناظرة في كامب ديفيد إن الرد على المناظرة كان غير متناسب. وقالوا إن بايدن نجا من لحظات صعبة ولديه سجّل في إثبات خطأ الآخرين، ورغم اعترافهم بأن أداءه كان مخيباً إلا أنه واحد من حملة انتخابية عاصفة.
واحتشد النواب الديمقراطيون خلف بايدن في اليوم التالي للمناظرة، واستبعدوا فكرة استبداله بمرشح شاب. واستمرت التبرعات بالتدفق، حيث أعلنت حملة بايدن بأن جمع التبرعات هو الأفضل بعد المناظرة بساعة. واجتمعت الحملة، يوم الجمعة، لتطمين العاملين، والتأكيد على مهمة هزيمة ترامب.
ويرى المؤرخ الرئاسي في مركز ميلر بجامعة فيرجينيا رسل رايلي أن أهمية المناظرة ستتلاشى بعد أسابيع، مشيراً إلى الوقت، وقصر تركيز الناخب عاملان مهمان في انتخابات الرئاسة.
تعليقات الزوار ( 0 )