عبيد اميجن*
منذُ عـدة أشهـر دخـل اتفاق الشراكـة بين موريتانيا والمجموعة الاقتصاديـة لدول غرب إفريقيا حيز التنفيـذ مما عرض السوق الموريتاني الارتباك لبعض الوقت بعدما زادت بالفعل التعرفة الجمركية على البضائع والسلـع خـلال مُرورها مـن المعابر أو المنافذ الحدودية المفتوحـة أو النظامية، وهـو ما أظهرته حالة التعقيدات الجمركية والامنية المصاحبـة لتخليص اجراءات الاستيـراد عبـر المعابر المختلفة.
فالاتفاقيـات الموقعة خلال مايو 2017 تنص على أن الجانبين يجب عليهما وضع تعرفـة جمركية موحدة وكذا وضـع سياسـة تجاريـة مشتركـة، وينظر على المستوى المحلي إلى الدلالات والمعاني العديدة التي تحملها هذه الخطوة الاقتصاديـة المتقدمة على صعيد التكامل القاري والإقليمي و إلى ما يفترض ان تجنيـه شعوب هذه الدول من وراء عــودة موريتانيا إلـى أجهزة “السيدياو” المختلفة، فمن اجل ضمان ازدهار حركـة التبادلات التجارية و انسيابيتها فإن انواكشوط الآن مُطالبة بطي صفحــة التعثر والقطيعة مع جوارها وجوار جوارها والذي كانت عضوا فاعلا ومؤسسا في تجمعاته الاقليمية قبل العام 2000؛فهـل تسمح هـذه الاتفاقيـة بتحسين ظروف عبور مواطني هذه الدول القادمين من الشمال الافريقي؟ وهل يمكن لهـذا التوجـه ان يُسهم في الحـد من المخاطر المرتبطة بالحدود؟.
فـي الآونـة الأخيـرة اتجهت الحكومة الموريتانيـة الى تحديد نقاط عبور الأفراد الالزامية على امتداد حــدود البـلاد البحرية والبرية والجويـة والتي صنفت على امتداد 35 نقطة عبور يجب ان تضبط عبرها السلطات الامنية والجمركيـة حركـة المواطنين والأجانب وتسهيل مـرور الشـاحنات المُحملة بالبضائع من مختلف الاتجاهات، وللاستدلال على مكانة ودور مدخلات هذه المنافذ الحدودية يمكننا العودة الى حالة الترقب التي صاحبت ارتفاع تكلفة السلع مؤخـرا في السـوق الموريتانية جراء دخول اتفاقية التعرفة الجمركية الموحدة حيز التنفيذ وما صاحب ذلك من الغاء “التعرفة الجزافية” التي حلت مكانها الرسوم الاضافية على المواد المستوردة من قبل التجار الموريتانيين، فعلى اعتبار أن سلعا حيوية تدخل عبر هذه المنافذ الاستراتيجية ستؤثر بصورة مباشــرة في حياة المواطنين المعيشية داخل المناطق التي شهدت تململا شعبيا جراء ارتفاع الأسعار وخفض النشاط الاقتصادي، وفي هذا الصدد استبقت انواكشوط حالة الترقب هذه بتجميد تطبيق التعرفة الجمركيـة الى وقت لاحق.
شمالا تُعد هضاب ومرتفعات الكركرات بمثابة الشريان الحيوي الوحيد بالنسبـة لمواطني المجموعـة الاقتصادية لدول غرب افريقيا خلال عبورهم الطريق الرابط بين طنجـة المغربيـة وحتى تخوم آبوجا النيجريـة، فيما يعود بمنافع اقتصادية وحياتية على أبناء الشعبين الموريتاني والمغربي. لهذا سعت انواكشوط والرباط الى ضمان انسيابيـة الطريق الشيء الذي ينظر اليه العابرون الى كونه جهدا معتبرا في سبيل تنشيط التبادلات التجاريـة وسلاســة مرورهم تجاه بلدانهم حال قدومهم من أوروبا والعالم، ولفهــم الديناميات التي تطبع هذا المنفذ بالنسبة للعابرين فإننا ايضا بحاجـة لإدراك مخاطــر المنطقـة الفاصلـة بين معابر البلدين.
عادةً ما ينظر سالكو الطريق جيئة وذهابا الى الطبيعة الجغرافيـة للمناطق التي يعبرونها بوصفها حدودا افريقيـة مشتركـة بين شمال وغرب القارة وليس كانفصال جغرافي يعيـق التوازن الاقتصادي بين الشعوب الافريقية، لكن هذه الصورة الورديـة باتت منذ بعض الوقت عرضــة للاختبار كلما تعرضت المنطقة الفاصلة لحالة من انعدام الأمن أو في حالة قطعها من قبل متظاهري الطرف الثالث.
انه وعلى مرور السنين تحولت هذه الثغرة الى اهم نقطة تتدفق من خلالها البضائع الدولية والمسافرين والشاحنات العابــرة للحـدود قبل ان يُتفطن لأهميته الاستراتيجية كما أشرنا، ومنذ العام 2014 باتت المنطقة العازلة بين المغرب وموريتانيا عرضـة للأعمال المعاديـة لعملية التبادل التجاري والعبور الدولي فقــد نشطت المجموعات الرافضـة للانسجام مع النظام السائد لتشكيل النواة الأولـى لقطـع الطريق مستفيدة في هذا الصدد من انعدام التحضر والسكان داخل المنطقة العازلـة، وهو ما مكن تلك المجموعات المقربة من جبهة البوليساريو من محاولة اظهارها كمن يقايض انسيابية التبادلات التجارية بالمواقف السياسيـة لفصليه الخاص ان لم تكن تضغط بهذه الورقة على الأطراف المعنية بالنزاع على حيازة الصحراء.
ان عرقلة التبادل التجاري هذه، لا تضـر بالسيادة المغربيـة بقـدر ما تفوت على الدول المستفيـدة من المعبر امكانية الاستفادة من التجارة الدولية القائمة على استغلال المزايا النسبيـة لمنفذ الكركرات وتوفيــر حاجـة الموريتانيين كليا أو جزئيا من السلع ذات المنشأ الفلاحي والمواد الغذائيـة الأساسيـة التي باتت الشاحنات المغربيـة المزود الرئيـسي للأسـواق الموريتانية باحتياجاتها اليومية منها.
وفي الواقع فإن معالجـة هذه الثغـرة الحدودية (ذات الوضع الخاص طبقا لترتيبات الامم المتحدة) يتطلب البحث عن مخرج يتضمن اعتماد الموريتانيين على مواردهم الزراعية والفلاحية الخاصة وبالتالي خفض المشتريات من السلع الغذائية الإستراتيجية، ذات النمط الاستهلاكي السائد ويبدو ان هذا الخيار يحتاج لبعض الوقت، لكن من الأنسب في الوقت الراهن وضع قوات مشتركـة داخل المنطقة المعزولة والتي لا يتجاوز طولها اربعة كلمتر فالهدف هنا ليس ايصال الرسائل السياسية بقدر ما يضمن انسيابية حركة المرور ونقل البضائع والمركبات التي تعتمد عليها شعوب وحكومات خمسة عشرة دولة غرب افريقية، ويستفيد منها سكان المنطقة والدول المطلة على المعبر.
كاتب وإعلامي موريتاني، خبير في شؤون غرب إفريقيا والساحل والصحراء.
oubeidimijine@gmail.com
تحية لكم سيدي الكاتب على هذا المقال الذي تطرقت ابعاده لاهمية معبر الكركارات والذي تصل فائدته كما اشرتم إلى تخوم نيجيريا وغانا من خلال البضائع التى تسد الكثير من حاجيات شعوب المنطقة من المواد المستهلكة بشبه يومي و أرى بضرورة ماذكرتم من إنشاء قوات مشتركة لضمان سلامة عبور البضائع من وإلى المغرب كما أن العمل بشكل جاد على نظام جمركة موحد بين دول المنطقة هو من الضرورة والأهمية بمكان
في الصميم. كل التقدير لكم
أن أي تواجد لاي قوة في هذ الثقرة الغير قانونية يعيد المنطقة إلى الحرب من جديد ولاكن المخرج الوحيد هو أن تكون موريتانيا قطب اقتصادي تعتمد عليه دول غرب أفريقيا وإنشاء طريق معبد بين الجزائر وموريتانيا