Share
  • Link copied

هل هو “ربيع أمريكي” زمن الجائحة؟

يشهد العالم واحدة من أسوء حقب التوتر في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قامت ردا على وفاة جورج فلويد في 25 من مايو في مينيابوليس الأمريكية بعد أن ضغط بعنف شرطي أبيض بركبته على رقبةه ليفارق الحياة في مشهد مرعب تقشعر له الأبدان، وكانت الحادثة الأحدث لسلسلة من الوفيات بين الرجال والنساء السود على يد الشرطة في بلاد العم سام، حيث كان مقتل فلويد بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، لتنطلق بعد ذلك احتجاجات ومظاهرات عارمة مرفوقة بأعمال شغب اجتاحت أكثر من 70 مدينة أمريكية، ليكون بذلك سيناريو الأحداث مشابها إلى حد ما لما عاشته الكثير من الدول العربية إبان الربيع العربي الذي انطلقت شرارته الأولى بعد وفاة البوعزيزي بتونس، مما دفع البعض لتشبيه ما يحدث بالولايات المتحدة الأمريكية بــ”ربيع أمريكي” قياسا على ثورات الربيع العربي والمظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها العديد من البلدان العربية، فهل هناك مبررات لهكذا توصيف/تشبيه؟ أم ثمة اختلافات كثيرة وجوهرية تضحض فكرة التشبيه؟.

إن إطلاق البعض لتسمية “الربيع الأمريكي” على المظاهرات التي تشهدها المدن الأمريكية، لا شك راجع إلى بعض أوجه الشبه بتلك التي حصلت في الوطن العربي، فمن حيث الانطلاقة نجد الثورات العربية كانت شرارتها الأولى موت المواطن التونسي البوعزيزي، وفي أمريكا موت أو قتل المواطن الأمريكي فلويد، فرغم اختلاف طريقة الموت إلا أن الموت واحد، فحالة الغضب واحدة سواء جراء عنصرية مجتمع البيض ضد السود في أمريكا، أو معاناة المواطن العربي من الفقر والجوع والتهميش…   

إن مواجهة المحتجين بإجراءات أمنية مشددة، وتشديد لهجة الخطاب الموجهة للمحتجين واستدعاء الحرس الوطني وتعنيف المتظاهرين، بل ومحاولات دهسهم بسيارات الشرطة، هي مشاهد مألوفة في ثورات الربيع العربي وهي حاضرة في الاحتجاجات الأمريكية أيضا، وكذا اتهام أطراف أخرى بمحاولة إشاعة الفتنة والفوضى في البلد، كاتهام حركة ” أنتيفا” من طرف الرئيس الأمريكي، و اتهام أطراف داخلية وخارجية في الوطن العربي.

 فكما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعو الدول إلى احترام/ضمان حريتي التعبير والاحتجاج كحقين أساسيين من حقوق الإنسان، وعدم استخدام العنف ضد ممارسة هذين الحقين، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تتهم هي أيضا بممارسة العنف ضد المتظاهرين بمباركة من الرئيس الأمريكي وإنزال الحرس الوطني للشوارع، وتدعوها دول لضبط النفس، كما عبر عن ذلك المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، حين قدما دعمهما لموضوع “حياة السود” ومعارضة العنصرية في سلسلة تغريدات تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية، كما وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ” عنصرية وفاشية” وقال بأن الأحداث التي وقعت في مينيابوليس “مظهر مؤلم للنظام الظالم الذي نقف ضده في جميع أنحاء العالم”. كما أن الاحتجاجات الأمريكية عرفت مظاهرات مؤيدة لها في العديد من دول العالم منها المملكة المتحدة وكندا وألمانيا وأستراليا وبلجيكا وفرنسا… في تشابه كبير  مع تعامل دول وشعوب العالم مع الحراك في الوطن العربي.

لكن في المقابل لا يمكن إغفال الاختلافات الكبيرة بين الوضع في  دول الربيع العربي والقائم بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يمكن القول بأن الاحتجاجات المستمرة في الولايات المتحدة الأمريكية ليس لديها أجندة واضحة لإسقاط جهاز الدولة، كون الأخير يتغير  هرمه بشكل سلس عبر انتخابات موسمية يستحيل بقاء الرئيس فيها لمدد طويلة، كحال الأنظمة السائدة ببلدان الربيع العربي.   

كما أن المواطن الأمريكي بشكل عام يتمتع بمجموعة كبيرة من الحقوق والحريات، وهو أمر يفتقر إليه المواطن العربي، حيث كانت مطالبه الأساسية “حرية كرامة عدالة اجتماعية ” وهو تعبير عن معاناة سياسية واقتصادية واجتماعية…، بينما في الولايات المتحدة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي جيد، وأداء الإدارة الأمريكية كان حتى وقت قريب جيد، ولا يمكن مقارنته بأي شكل كان مع ما يعيشه المواطن العربي.

تتعلق الاحتجاجات في الولايات المتحدة الأمريكية لحد الساعة بالعنصرية،  وهي حركة عفوية حدثت من قبل وتم إغلاقها؛  كحركة “احتل وول ستريت”، والتي كانت مشابهة للأحداث الجارية ولكن تم قمعها بقوة من قبل سلطات إنفاذ القانون الأمريكية، ولا سيما شرطة مدينة نيويورك والحرس الوطني”، كما أن احتجاجات الولايات المتحدة الأمريكية يطبعها استخدام العنف من طرف المتظاهرين منذ بداياتها، وهي سمة كانت غائبة في الاحتجاجات العربية؛ فقد كانت بداياتها أكثر سلمية مما يقع في أمريكا، وهي نقطة يحاول البعض من خلالها إظهار نضج المواطن العربي مقارنة بنظيره الأمريكي.

تبقى الاحتجاجات الأمريكية حالة تخص المجتمع الأمريكي، ولا يمكن مقارنتها بسهولة بما حدث في الوطن العربي، ويبقى توصيف “الربيع الأمريكي” مجرد تشبيه صحفي وإعلامي للإثارة فقط، كما   تبقى تداعيات الاحتجاجات الأمريكية رهينة بتطور الأحداث، وبكيفية تعاطي الدولة والسلطات معها، خصوصا والعالم يشهد حالة غير مسبوقة جراء انتشار وباء كورونا، الذي غابت مظاهر الوقاية منه في الشوارع الأمريكية؛ فلم يعد لإجراءات الحجر الصحي  والتباعد الاجتماعي معنى، في ظل خروج كل تلك الحشود إلى الشوارع للاحتجاج، مما يؤشر  على زيادة انتشار كورونا في المجتمع الأمريكي.   

*باحث في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

Share
  • Link copied
المقال التالي