أثارت إعادة الجزائر لموضوع عدد من المناطق الحدودية المحاذية لمدينة فجيج، والتي تقول إنها تنتمي إليها وفق اتفاقية ترسيم الحدود لسنة 1972، إلى الواجهة، العديد من التساؤلات، لاسيما وأنها تزامنت مع الانتصارات الدبلوماسية الكبيرة التي تحققها المملكة في قضية الصحراء، واللااستقرار الذي تعيش على وقعه الجارة الشرقية.
وكان الجيش الجزائري، قد طالب بضم منطقة العرجة، التي كان يشتغل بها العشرات من الفلاحين المغاربة، منذ عقود طويلة، بناءً على ما تنص عليه اتفاقية 1972، التي وقعها الرئيس الجزائري وقتها هواري بومدين، والملك الراحل الحسن الثاني، لترسيم الحدود الشرقية، وهو ما استجاب له الطرف المغربي، الذي دعا المزارعين إلى إخلاء المنطقة، وفق مصادر عليمة.
وسبق للجيش الجزائري، أن اعتدى في أكثر من مناسبة، على المزارعين المغاربة الذين يتواجدون في المنطقة، لاسيما في ظلّ غياب أي إشارات أو سياج أو سور يحيل يفصل بين البلدين، بذريعة أنهم دخلوا إلى تراب الجمهورية، وهو ما تصاعد بشكل لافت في الفترة الأخيرة، قبل أن يصل إلى مناقشة موضوع “العرجة”، والمطالبة بضمها بناء على الاتفاقية المذكورة.
وبالرغم من غياب أي توضيحات من الجهات الرسمية، إلا أن العديد من المتابعين، ربطوا الواقعة بما يجري في الصحراء المغربية والحزام الأمني، الذي عملت المملكة على تمديده مؤخراً، والحديث عن إمكانية تطور الوضع لتنشب جرب بين الدولتين، سيما وأن التوترات، وصلت إلى حدّ إعادة إشكالية الحدود الشرقية للواجهة، والمطالبة بضمّ “العرجة” بعد عقود من استغلالها من طرف فلاحين مغاربة.
وفي هذا السياق، قال محمد المرابطي، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، من شأن المناوشات المتكررة التي “تشهدها بعض المناطق بمدينة فجيج، المحاذية للحدود المغربية مع الجزائر من طرف الجيش الجزائري، التي تخبو حينا وتتصاعد أحيانا أخرى، حسب حدة الأوجاع الت يتلقاها صناع القرار في الجزائر جراء المبادرات الدبلوماسية المغربية النشيطة التي تثخن الجارة الشرقية”.
وأضاف في تصريح لجريدة “بناصا”، أن “تعاطي المغرب بمنطق الدولة العاقلة مع هذه التحرشات المتصاعدة بكثير من النضج وضبط النفس، يزيد المسؤولين الجزائريين نزوعاً نحو الرعونة والتهور، في محاولة يائسة لزرع الرعب في نفوس ساكنة هذه المناطق”، مسترسلاً: “خاصة إذا ما استحضرنا معطى معما يتعلق بطبيعة الحدود غير المسيجة بهذه المنطقة على وجه التحديد، فقط توجد ركامات من الأتربة فاصلة للمنطقة، تتخللها ممرات تم إحداثها بطلب وإلحاح من الساكنة، تستعملها للمرور إلى أراضيها الفلاحية بالمنطقة العازلة”.
وأشار المرابطي إلى أنه “كلما شهدت الدبلوماسية الجزائرية خمولاً أكثر تنتج عنها انتكاسات أكبر، كلما تسارع وتيرة هذه التحرشات وارتفعت حدتها بسبب عدم قدرتها على مجاراة حيوية الدبلوماسية المغربية ومصداقيتها، ويشهد على ذلك هذا الإقبال المكثف من طرف دول وازنة على فتح تمثيليات قنصيلة لها بالصحراء المغربية، التي بلغت عشرين دولة”.
وأردف بأن هذا “دون احتساب تلك الدول التي عبرت عن نيتها لفتح قنصلياتها بالأقاليم الجنوبية، التي أضحت مرشحة لجلب المزيد من الاستثمارات العملاقة من القوى الاقتصادية العالمية في مجالات متنوعة، خاصة بعد الانتهاء من إنجاز مشروع ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيعد بوابة المغرب الجنوبية للأعمال والتجارة الدولية، دون أن ننسى الأدوار الحيوية التي أضحت المملكة المغربية تلعبها بالقارة الإفريقية، والشراكات الاقتصادية المفيدة والمربحة للمغرب والدول الإفريقية الصديقة، إذا ما استحضرنا حجم الاستثمارات المغربية بالعديد من الدول الإفريقية”.
وزاد المرابطي ذاته، بأنه إلى جانب ذلك، “هناك تزايد ملحوظ في سحب الاعتراف بالجمهورية الوهمية من طرف عدد من الدول التي كانت ضحية تضليل الأطروحة الجزائرية المتهافتة”، مشيراً إلى أن كل هذه الأمور “تشكل أسباب تجعل من الجارة الجزائر، تسلك منهجا أرعنا ومتهوراً لا يراعي الروابط الأخوية بين البلدين ولا علاقات حسن الجوار وعدم الاعتداء التي توصي بها عدد من المواثيق والاتفاقيات الدولية وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة”.
وشدد المتحدث على أنه “رغم توالي هذه الاقتحامات غير المشروعة لعناصر من الجيش الجزائري للتراب المغربي بمنطقة فجيج، التي أضحت عادة الجارة الجزائرية كلما حصدت دبلوماسيتها هزائم بسبب تقادم أطروحتها المتهالكة، لا أعتقد أن الأمور ستصل إلى مواجهة عسكرية بين المغرب والجزائر، لعدة أسباب”.
ومضى في عدّ الأسباب التي استبعد بناء عليها نشوب أي حرب بين المغرب والجزائر، بأن من بينها “أن هذه التحرشات لا تعدو كونها سوى استفزازات وردة فعل على الإحساس بمرارة الهزيمة الدبلوماسية، والجيش المغربي يعرف منذ أمد طويل كيف يتذخل لإبطال مفعولها وأثرها على الساكنة بطرق متبصرة وذكية لا تمنح للمستفزين فرصة لجر المغرب إلى مستنقع التحرشات البهلوانية عديمة الجدوى”.
وأكد أن “فرضة عدم النزوع نحو الحرب تعضدها أيضا، قناعة البلدين للحفاظ على الوضع القائم، حيث يعرف البلدان أن الحرب لن تغير الواقع ولن تأثر في المعادلات القائمة، وكذلك مراعاة كل بلد لمصالجه الوطنية الاقتصادية على وجه الخصوص، حيث إن الجميع يعرف التكلفة الاقتصادية الباهظة للدخول في حرب مفتوحة”.
واسترسل أن الحرب لها تداعيات اجتماعية “فظيعة على الشعوب، جراء تحويل الميزانيات المخصصة للقطاعات الاجتماعية، إلى شراء مزيد من الأسلحة وتطوير ترسانتها، الشيء الذي سيجعل من المنطقة برمتها ساحة حرب غير آمنة، وما لذلك من أثار مباشرة على انخفاض معدلات الاستثمارات خاصة الأجنبية منها، وهروب رؤوس الأموال إلى مناطق أكثر استقرارا”.
هذا، فضلا، يضيف المرابطي، عن “حرص الدول الشريكة اقتصاديا على حماية مصالحها في البلدين، واستعدادها للتدخل السريع لنزع فتيل أي مواجهة عسكرية محتملة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي”، مضيفاً: “والوقائع التي شهدتها منطقة الصحراء في العقود الأخيرة تضيف دليلا إضافيا لعدم امكانية حدوث مواجهة عسكرية بين المغرب والجزائر، خاصة التوترات الأخيرة التي عرفتها منطقة الكركرات بالحدود المغربية الموريتانية وغيرها، فبالرغم من كل ما حدث والدعاية الإعلامية المبالغ فيها المصاحبة لذلك، لم تسفر هذه التوترات عن أي حرب أو مواجهة بالشكل الذي كانت تروجه بعض الآراء والتحليلات الأكاديمية والصحفية”.
واختتم العلاقات الدولية، تصريه بالقول إن “هذه المناطق المحاذية للحدود المغربية الجزائرية تسجل معدلات جد مقلقة من الفقر والهشاشة والبطالة، وسكانها يعيشون أوضاعا اقتصادية واجتماعية مزرية، فلا بد من تدخل الدولة بشكل مستعجل لإنجاز مخطط للتنمية المجالية بالمدن المغربية الحدودية، تستهدف تحسين البنيات والخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن وتنشيط الدورة الإنتاجية التي من شأنها خلق مناصب شغل وتوفير شروط العيش الكريم للساكنة الصامدة على الشريط الحدودي الحدودي لشرق المملكة”.
تعليقات الزوار ( 0 )