Share
  • Link copied

نواكشوط ..علمانيون بلا علمانية وامرأة مدللة بحكم التقاليد والأعراف

نورالدين لشهب من نواكشوط

هي نواكشوط أو انواكشوط، أكبر مدن موريتانيا وعاصمتها الإدارية، حيث اختيرت عاصمة للبلاد عام 1958، أي قبل حصول البلاد على استقلالها بحوالي ثلاث سنوات، حيث وضع المختار ولد داداه، أول رئيس لموريتانيا والرئيس الفرنسي حينها شارل ديغول الحجر الأساس للعاصمة لتتحول نواكشوط سريعًا من قرية صغيرة وسط صحراء موحشة تفتقر لمياه جوفية صالحة للشرب، وتعاني نقصًا حادًا في مياه الأمطار، إلى أهم مدينة في موريتانيا.

فبالرغم من أن مساحة نواكشوط شاسعة فلا يزال الشريط الساحلي للمدينة فارغًا إلى حد الآن باستثناء مرسى نواكشوط وميناءها الذي يسبب حدوث فيضانات، هذا بالإضافة إلى أن الشريط الساحلي يشمل رمالا متحركة وشواطئ رملية، كما يلفي الزائر في نواكشوط مناطق رملية مُتحركة على مقربة من الميناء، رملية قادمة من الجهة الشرقية تُشكل مُشكلة يوميًا، الأمر الذي لم يستسلم له الموريتانيون فبدلوا جهودا كبيرة لإنقاذ بعض المناطق.

كما أن هناك مشكلا آخر تعانيه نواكشوط بسبب غلبة الشكل المسطح الذي يجعل المدينة تعاني من خطر الغرق، لأن أغلب أحيائها تقع تحت مستوى مياه المحيط الأطلسي، ومن المفارقات أن أحياءها الشرقية والشمالية الشرقية تواجه خطرًا بيئيا مُغايرا، وهو الرمال الزاحفة التي لم تفلح محاولات الحكومة في وقفها لوضع حد لتقدمها السريع نحو المباني والمنشآت السكنية.

المرأة الموريتانية… السيدة المدللة

جل الفنادق في نواكشوط يطلق عليها اسم المرأة، هناك فندق حليمة، وفندق منى، وفندق صباح، وفندق طفيلة، وفندق أميرة، وفندق أمان.. وقليل من الفنادق التي تحمل أسماء أجنبية، والسر في ذلك يعود، حسب أحد المثقفين الموريتانيين الذين التقتهم هسبريس، إلى أن المرأة في موريتانيا هي سيدة القوم وأميرة بيتها، فهي مدللة عند زوجها لا ينبغي عليه إيذاؤها، ومعززة عند أهلها حين يتم طلاقها، بخلاف الواقع السائد في كثير من المناطق الأخرى بالمغرب.

وبالنسبة لمكانة المرأة في مجتمع “البيضان”، فإنها تحظى بوضع اعتباري رفيع يصل إلى حد دلالها، سواء كانت متزوجة أو مطلقة، كما أنه يُمنع منعا باتا حسب الأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة أن يتم تعنيف الزوج لزوجته لأي سبب.

وتلقى المرأة الموريتانية نفس المعاملة حين لا يحالفها التوفيق في حياتها الزوجية وتحصل على الطلاق، حيث تعيش في مقام عال، وتتصرف بمسؤولية ونضج دون تدخل من أفراد عائلتها، إلى أن تتزوج بمن ترتضيه شريكا لحياتها، وفق معايير اجتماعية تحيط بها في الغالب أخلاق الحشمة وخصال الحياء والرزانة.

ويعتبر الزوج الذي يعنف أو يسيء لزوجته بضربها أو الاعتداء عليها جسديا، في العرف العام للمجتمع رجلا قليل الأدب وضعيف الشخصية، لكونه يعوض نقصه النفسي وعيبه السلوكي من خلال مد يده أو لسانه على زوجته وأم أبنائه.

دلال المرأة الموريتانية، وسلطة الأعراف المجتمعية، جعلت بعض الموريتانيين يفضلون الزواج بالمغربيات، أحمد فال وهو أحد المعتقلين السابقين لدى البوليساريو، ورئيس جمعية عدالة وذاكرة، استضافنا في بيته هو ورفيقة دربه المغربية التي تنحدر من مدينة مراكش، وهو الشخص الموريتاني الوحيد الذي لا يتوفر على الخدم من الزنوج حيث أن المرأة المغربية تستطيع أن توازن بين وظيفتها وبين متطلبات بيتها، محمد فال سعيد بزوجته المغربية وأصبح يحب المغرب بعدما كان يكرهه لما كان عضوا قياديا في جبهة البوليساريو، أما سيدي أحمد وهو صاحب مطعم فهو أيضا متزوج بمغربية من الدار البيضاء، وعن اختياره الزواج من المغرب، قال: ” المرأة الموريتانية بحكم الأعراف هي سيدة القوم ولا توفر لي متطلبات البيت، بالنسبة للمغربية فهي تساعدني كثيرا في البيت وخارج البيت وأشعر بالراحة والطمأنينة ومشروعي التجاري ناجح”.

الفرنسية ليست لغة علية القوم

يعد مجتمع البيضان أحد المكونات الرئيسية للمجتمع الموريتاني، ويتحدث أفراده باللغة الحسانية التي تمت دسترتها في الدستور الجديد بالمغرب، ويرمز البيضان إلى الصحراويين البيض المنحدرين من أصول عربية وأمازيغية، بحسب العديد من المفاهيم السائدة، غير أن هناك مكون رئيس آخر في التركيبة المجتمعية في موريتانيا ويتعلق الأمر بمكون الزنوج، حيث يتحدثون اللغة الفرنسية والكثير منهم لا يعرف اللغة العربية وقليل من الحسانية، فأغلبهم يدرسون في مدارس فرنسية، والمفارقة الغريبة أن اللغة الفرنسية ليست لغة الطبقات الغنية وعلية القوم كما هو الحال عندنا في المغرب، والسبب يعود إلى كون المكون الزنجي يُنظر إليه في المجتمع الموريتاني نظرة دونية، بحيث أن أغلبهم كانوا عبيدا لدى مجتمع “البيضان” ولا يزال أغلبهم يمتهنون الطبخ والسخرة لدى مجتمع البيضان في البيوت والفلل الفارهة والفنادق.

وعدم إتقان الزنوج للغة العربية يجعلهم يعادون اللغة العربية، ويجعلون أي مبادرة حكومية في اعتماد اللغة العربية كلغة عمل وتواصل ومراسلات إدارية يثير حفيظة شريحة واسعة من الزنوج الموريتانيين الذين تلقوا تعليمهم باللغة الفرنسية، إلى ذلك لا تخلو الجامعة الموريتانية من تظاهرات واحتجاجات يقوم بها العشرات من الطلاب الزنوج الموريتانيين، يستنكرون من خلالها أية مبادرة حكومية لاعتماد اللغة العربية، وإهمال ما يسمونه باللغات الوطنية، في خطوة استباقية لاستبعادهم من الوظائف الإدارية، بحجة أنهم لا يعرفون العربية.

جزائري يقترح مبادرة لفتح الحدود المغربية الجزائرية

لا توجد مقاه كبيرة ومشهورة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط كما هو عليه الحال بالمغرب، فالموريتانيون لا يحبذون الجلوس في المقاهي ويفضلون شرب الشاي تحت الخيام التي ينصبونها في وسط الفلل والبيوت الواسعة، فالموريتاني إنسان كريم ومضياف، وشرب قهوة خارج البيت يعتبر نقيصة وعيبا في الأعراف المجتمعية، غير أن بعض المستثمرين العرب غامروا في إنشاء بعض المقاهي الصغيرة، مرباح وهو صاحب مقهى اسطنبول في أحد الشوارع الواسعة في نواكشوط عبر عن سعادته لما علم أننا مغاربة، سارع إلى تهييئ القهوة المفضلة التي طلبناها وفتح معنا نقاشا حول قضية فتح الحدود، سألناه عن المقترح الذي يرتاح له مؤكدين له أننا سنقبله على الفور وسنعلن عن ندوة صحفية من نواكشوط نبشر من خلالها الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري بفتح الحدود اليوم قبل الغد، ضحك حتى بانت أسنانه المسوسة وعاد بالقهوة المفضلة وقال: ” شوف يا خويا .. الحل بيد المغربي والجزائري، أنا عندي مقترح” أخذ نفسا من سيجارته وتابع: ” المقترح هو كالتالي، يجب أن أن نعبئ الشعبين المغربي والجزائري عبر الفيسبوك والتويتر ونلتقي على الحدود بأعداد هائلة من الشعبين الشقيقين ونحطم تلك الحدود المفتعلة ونقيم علاقات بين الشعبين، وليقتلنا حرس الحدود، كم سيموت منا؟ واحد خمسة أو عشرون، وليكن .. المهم أن نفتح الحدود ولا نعول على الحكومات”.

علمانيون بلا علمانية

هناك علمانيون في موريتانيا من المثقفين وقادة الرأي، التقينا ببعضهم واستضافونا في مراكز ثقافية للحديث عن العلاقات الموريتانية المغربية وعن دور الصحافة والإعلام في توطيد هذه العلاقات، كما عقدنا لقاءات أخرى في التذاكر والتعارف بين المثقفين، ومنهم وزراء سابقون وسفراء ورجال نافذون لدى صانع القرار السياسي في موريتانيا، فاللقاءات غالبا ما كانت تبدأ بعد صلاة العصر وتنتهي مع صلاة المغرب، المثقف العلماني في موريتاني يضبط وقته بالصلاة، وإياك أن تعامل العلماني الموريتاني كما العلماني في المغرب ودول المشرق، الدين لدى العلماني الموريتاني لا يناقش، والصلاة هي عماد الدين والدنيا وبها يضبط وقته تعاملاته ومواعيده، ويتذكر الموريتانيون سنة حسنة أحدثها الرئيس خونا ولد هيدالة حينما جعل يوم الجمعة عطلة، حيث أن نهاية الأسبوع لدى الموريتانيين تبدأ من يوم الجمعة وتنتهي يوم السبت مساء، وخلال هذين اليومين يفضل خلالهما الموريتاني الخروج إلى الصحراء لشرب الشاي وما يرافق هذه العادة الصحراوية من تذاكر وتفاكر ولقاء الأحباب والعائلة.

Share
  • Link copied
المقال التالي