نظم مختبر البحث في المغارب والمتوسط، بتعاون مع مكتبة سلمى الثقافية ورابطة أديبات وأدباء شمال المغرب، لقاء ثقافيا مفتوحا تمحور حول كتاب “الحرف والصنائع بتطوان خلال العقد الأول من القرن العشرين” لمؤلفه المستكشف الفرنسي الشهير ألكسندر جولي بترجمة الدكتور جمال الدين العمارتي.
وشهد اللقاء حضورا مكثفا ونوعيا، حيث أطر الندوة الأستاذ الدكتور نزار التجديتي الذي أوضح في البداية أن الكتاب جزء من أطروحة جامعية تقدم بها الأستاذ جمال الدين العمارتي لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب، تكوين لسانيات تواصل ترجمة، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، بإشرافه وإشراف الأستاذ الدكتور مصطفى الغاشي عميد الكلية.
واعتبر بأن هذا الكتاب فريد عن مدينة تطوان، وأن ترجمته كانت أمينة ودقيقة، كما نوه بناشر الكتاب السيد عبد الهادي بنيسف مدير مكتبة سلمى الثقافية. ثم تناول الكلمة مؤرخ تطوان الأستاذ الدكتور عبد العزيز السعود مبينا بتفصيل السياق التاريخي الدولي والوطني والمحلي الذي أُنجزت فيه هذه الدراسة الاستكشافية، ومبرزا قيمتها العلمية،ومشيدا بترجمتها الدقيقة. وتناول الكلمة بعده الأستاذ الدكتور محمد المرابط الذي توسع في الخلفية الثقافية التي أطرت دراسة جولي والمتمثلة في الرومانسية والاستشراق، ووصف ترجمة الدراسة بالأنيقة والوافية.
وتناول الكلمة في النهاية ، قبل مداخلات الحضور القيمة وحفل توقيع الكتاب، مترجم الكتاب الأستاذ الباحث الدكتور جمال الدين العمارتي فأوضح بأن الكتاب نص رحلي ينتمي إلى أدب الرحلة، وأنه جنس مخصوص من أدب الرحلة يندرج في إطار الرحلة العلمية / الاستكشافية.
كما أوضح المتحدث بأن هذه الرحلة مؤطرة بكتيب عملي موسوم ب “أسئلة إحصائية من أجل الرحالة” وضعه المستشرق الفرنسي قسطنطين دي فولني في أواخر القرن 18 موضحا فيه الأسئلة التي يتعين على المستكشف وضعها والإجابة عنها، إذ تجيب دراسة جولي عن العديد من هذه الأسئلة، علما بأنه يقدم إجابات عن باقي الأسئلة في كتابات أخرى له غزيرة عن مدينة تطوان.
وأضاف الدكتور جمال الدين العمارتي، بأن جولي استثمر في دراسته للحرف والصنائع بتطوان مستحدثات العلم والتقنية، واعتمد الوصف الدقيق والقياس والمقارنة، وأفاد كثيرا في دراسته للصنائع من إلمامه الجيد باللغة العربية الفصحى والدارجة والأمازيغية.
وأشار العمارتي إلى أن جولي أنجز دراسته هذه أثناء مقامه بتطوان بين 1904 و1906 في إطار اشتغاله في البعثة العلمية الفرنسية. ونشرت في مجلة “الأرشيفات المغربية”، على أربع حلقات بين 1906 و1912. وعن سياق إنجاز هذه الدراسة الاستكشافية، يقول المتدخل بأنها تتميز وطنيا بأزمة كبيرة بلغت أوجها سنة 1904، ومحليا بالآثار الجلية التي خلفتها حرب تطوان سنة 1859-1860 واحتلال المدينة إلى غاية 1862، وحصار قبائل جبالة لتطوان بين 1903 و1904.
هذه الأوضاع التي كانت تعيشها المدينة وصنائعها – يقول الدكتور العمارتي- هي ما جعل ألكسندر جولي يخلص في نهاية دراسته إلى أن صنائع تطوان توجد في طور الاحتضار، وأنها مقبلة على الاندثار في القليل من الأيام القادمة.،
لكنها، يضيف العمارتي، لم تندثر ! فالأمر، بتعبير عالم الأنتروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي ستراوس، يتعلق بأنماط معيشية وممارسات وأدوات وتقنيات لم تتمكن التقلبات التاريخية والاقتصادية من محوها، وهي بصمودها تثبت بأنها تمثل شيئا ما يكمن في أعماق فكر وحياة الأفراد.
من هنا، يقول العمارتي، فإن صنائع تطوان تستحق التثمين باعتبارها تراثا ثقافيا غير مادي يستوجب الصون بوضع تدابير ترمي إلى ضمان استدامته وتحديده وتوثيقه وإجراء البحوث بشأنه والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه وإبرازه ونقله،وإحياء مختلف جوانبه بما يتماشى ومقتضيات “اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي” المعتمدة من اليونسكو، والتي صادق عليها المغرب سنة 2006، ونشرها في الجريدة الرسمية سنه 2009.
وفي نهاية مداخلته، أكد الأستاذ العمارتي أن ترجمة هذا العمل ما هي إلا إسهام في هذا المجهود، وتوفير لمادة علمية خصبة للباحثين في مجالات التاريخ الاجتماعي والأنتروبولوجيا والصوريات.
تعليقات الزوار ( 0 )