مؤشر الاقتصاد الاجتماعي المغربي (MESI)، أداة استراتيجية لتعزيز التنمية المستدامة.
يعتبر الاقتصاد الاجتماعي ركيزة أساسية في تعزيز التنمية العادلة والمجالية والمستدامة، حيث يلعب قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، دورًا مهمًا في دعم الإنتاج المحلي، وتعزيز مناخ الأعمال الاستثماري على المستوى الترابي، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الاستدامة البيئية.
فقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يساهم بشكل كبير على المستوى الترابي، خاصة في المجال القروي من تحسين الوضعية المعيشية للمواطن، مما يساهم في خلق طبقة متوسطة في العالم القروي كما أشار جلالة الملك محمد السادس في خطاباته، وبالتالي فالتعاونيات تلعب دور كبير وحيوي في فك العزلة القروية وتحسين الحياة المعيشية للمواطن.
فوفقًا لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ساهمت التعاونيات بنسبة 1.5% في الناتج الداخلي الخام للمغرب سنة 2013، مما يعكس أهميتها في الاقتصاد الوطني، وتقدر مساهمتها حاليا مابين 2-3% في الناتج المحلي الإجمالي ومع ذلك تبقى هاته النسبة ضعيفة مقارنة بالامكانات والموارد
الكبيرة والهائلة التي يتوفر عليها القطاع والتي لم تستغل بعد، هذا أولا.
وثانيا، حسب موجز السياسات الذي أصدرته الإسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا)، حول موضوع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بعنوان : الاقتصاد الاجتماعي والتضامني محركا للادماج الاقتصادي والاجتماعي سنة 2024، يبرز بوضوح أهمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب ودوره الفعال، حيث يشغل هذا الأخير 5,5% من السكان النشيطين اقتصاديا، كما أن نمو هذا القطاع راجع بالأساس إلى زيادة الدعم الحكومي ووجود الإطار القانوني والتشريعي المنظم للقطاع.
وثالثا، فمن خلال الإحصائيات المستقاة من الموقع الرسمي لمكتب تنمية التعاون بالمغرب، يبلغ عدد التعاونيات حوالي 60.939 تعاونية على الصعيد الوطني، ويبلغ عدد أعضائها حوالي 764.411 عضوا، وتقدر عدد التعاونيات النسوية بما مجموعه 7874 تعاونية نسوية اي بنسبة تقريبا 13%، ويقدر عدد اتحادات التعاونيات ب 242 اتحاد.
وبالتالي فالتعاونيات تشكل رافعة مهمة للاقتصاد الوطني، فمن خلالها فهي تساهم في :
١. خلق فرص العمل، حيث تساهم التعاونيات في توفير فرص عمل لشرائح واسعة من المجتمع، بما في ذلك النساء والشباب.
٢. تعزيز التنمية المحلية، حيث تعمل على تنظيم الطاقات الإنتاجية للمجتمع وإدارة أنشطتها الاقتصادية، مما يفتح آفاقًا جديدة للتنمية المحلية ويعزز من قدرات الأفراد على تحسين مستوى معيشتهم.
٣. تمكين المرأة، حيث تلعب في هذا الصدد دورًا مهمًا في تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا، حيث تمكنها من الولوج إلى سوق العمل وتحقيق الاستقلال المالي. على سبيل المثال، ساهمت التعاونيات النسائية في توفير فرص العمل للمرأة وتسهيل اندماجها في عدة قطاعات إنتاجية.
فعلى سبيل المقارنة يساهم قطاع التعاونيات في أوروبا بشكل ملموس في اقتصادات العديد من الدول، حيث تتفاوت نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بين البلدان. فوفقًا لتحالف التعاونيات الدولي، تُقدَّر مساهمة التعاونيات عالميًا بما يتراوح بين 3% و10% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن أمثلة على مساهمة التعاونيات في بعض الدول الأوروبية، سويسرا، حيث في عام 2018، ساهمت أكبر عشر شركات تعاونية بأكثر من 11% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مما يعكس الدور البارز للتعاونيات في الاقتصاد السويسري.
وبالتالي تجدر الإشارة إلى أن هذه النسب قد تختلف بين الدول الأوروبية، حيث تعتمد على حجم وانتشار التعاونيات في كل بلد. بشكل عام، وبالتالي يُعتبر قطاع التعاونيات جزءًا مهمًا من الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في أوروبا، حيث يساهم في تعزيز التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل.
ومع ذلك، يواجه القطاع تحديات تتعلق بالشفافية، التنافسية، وقياس الأداء الفعلي للتعاونيات.
في هذا السياق، يأتي “مؤشر الاقتصاد الاجتماعي المغربي” (MESI) ليكون نظام تصنيف جديدًا، ليعكس مدى التزام التعاونيات بمعايير التنمية المستدامة، ويساهم في تعزيز تنافسيتها ويمنحها ميزة تنافسية محليًا ودوليًا، ويعزز من شفافيتها من خلال تقييم أدائها وفقًا لمعايير دقيقة تشمل الإنتاج المحلي، الأثر الاجتماعي، الاستدامة البيئية، الابتكار، والانفتاح على السوق.
- التحليل العميق لتركيبة المؤشر وأبعاده
يعتمد مؤشر MESI وهو مؤشر مركب، على خمسة محاور رئيسية تشكل الأساس في تصنيف التعاونيات، مما يجعله مؤشرًا شاملًا يعكس الأداء الكلي للتعاونيات في مختلف الجوانب التنموية.
(أ) المحور الأول : نسبة الإنتاج المحلي (LPS – Local Production Score) | 30%، حيث يقيس المحور الأول :
١. مدى اعتماد التعاونية على المواد الخام المحلية.
٢. حجم القيمة المضافة الناتجة محليًا.
٣. تعزيز سلاسل التوريد الوطنية بدلًا من الاستيراد.
وبالتالي فالأثر المتوقع من خلال محور نسبة الإنتاج المحلي هو دعم الصناعة الوطنية وتقليل العجز التجاري عبر زيادة إنتاجية التعاونيات المحلية.
(ب) المحور الثاني : الأثر الاجتماعي (SIS – Social Impact Score) | 25%، وفي هذا الإطار يعمل هذا المحور على قياس :
١. عدد فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
٢. دعم الفئات الهشة مثل النساء والشباب.
٣. توفير برامج تدريب وتأهيل للأعضاء والمجتمع المحلي.
وبالتالي فالأثر المتوقع، هو تخفيض البطالة وتعزيز التماسك الاجتماعي، مما يساهم في تحقيق التنمية العادلة.
(ج) المحور الثالث : الاستدامة البيئية (ESS – Environmental Sustainability Score) | 20%، فمن خلال هذا المحور يتم قياس :
١. نسبة استخدام الطاقات المتجددة.
٢. تقليل البصمة الكربونية والتلوث.
٣. تطبيق أساليب إنتاج صديقة للبيئة مثل إعادة التدوير والزراعة العضوية.
وبالتالي فالأثر المتوقع، هو جعل التعاونيات محركًا رئيسيًا للاقتصاد الأخضر في المغرب.
(د) المحور الرابع : الابتكار والجودة (IQS – Innovation & Quality Score) | 15%، وهو محور يشتغل على العناصر التالية :
١. تطوير منتجات جديدة أو تسجيل براءات اختراع.
٢. الاعتماد على الرقمنة والتكنولوجيا في الإدارة والتسويق.
٣. الحصول على شهادات الجودة الوطنية والدولية.
وبالتالي يتوقع من هذا المحور، تعزيز تنافسية التعاونيات المغربية في الأسواق العالمية.
(هـ) المحور الخامس : الانفتاح على السوق والتصدير (MES – Market Expansion & Export Score) | 10%، وهو آخر محور في مؤشر MESI حيث يعمل على قياس وتقييم :
١. مدى قدرة التعاونية على تسويق منتجاتها داخل المغرب وخارجه.
٢. نسبة المبيعات عبر القنوات الرقمية والتجارة الإلكترونية.
٣. عدد الأسواق المستهدفة للتصدير.
وبالتالي فالأثر المتوقع، هو توسيع الحضور المغربي في الأسواق الدولية، خاصة في إفريقيا وأوروبا والانفتاح على الأسواق الدولية الجديدة.
- الأثر الاقتصادي والتنظيمي لتطبيق مؤشر MESI
إن الأثر الاقتصادي والتنظيمي لتطبيق مؤشر MESI، كبير جدا، إذ سيساهم في :
(أ) دعم السياسات الحكومية والاستراتيجيات الوطنية، حيث يأتي مؤشر MESI كمكمل رئيسي لمختلف السياسات الوطنية مثل:
“Made in Morocco” تعزيز العلامة التجارية الوطنية
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH)، من خلال دعم التعاونيات في المناطق القروية.
استراتيجية الاقتصاد الدائري لتقليل النفايات وتعزيز الإنتاج المستدام.
(ب) المساهمة في تعزيز ثقة بين المستثمرين والمستهلكين، حيث سيمكن المؤشر من:
١. تمكين المستهلكين من اتخاذ قرارات مستدامة عبر التعرف على التعاونيات الأكثر التزامًا بمعايير التنمية.
٢. العمل على زيادة اهتمام المستثمرين المحليين والدوليين بالاقتصاد الاجتماعي.
(ج) المساهمة في خلق فرص اقتصادية جديدة، من خلال منح التعاونيات ذات التصنيف المرتفع أولوية في التمويل والمنح، وتوفير فرص لتوسيع الأسواق المحلية والدولية، وخلق حوافز ضريبية للتعاونيات المستدامة.
لكن بالمقابل، لا يمكن استثناء التحديات المحتملة التي يمكن أن تعيق تطبيق مؤشر MESI، رغم فوائده المتعددة.
- التحديات المحتملة أمام تطبيق MESI
فرغم الفوائد العديدة، قد يواجه المؤشر الجديد عدة تحديات تتطلب حلولًا مبتكرة منها :
(أ) محدودية البيانات المالية والإدارية للتعاونيات، فضعف وقلة البيانات المالية والإدارية للتعاونيات قد يعيق تطبيق وتنزيل المؤشر بالشكل الفعال، من أجل تحقيق الأهداف المتوخاة منه، وفي هذا الصدد يمكن إطلاق منصة رقمية مخصصة لربط التعاونيات بالنظام المصرفي والتجاري لتسهيل توثيق البيانات وتحليلها.
(ب) ضعف الوعي بأهمية المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، أغلب التعاونيات لا تولي إهتماما كبيرا بالمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، نظرا لضعف الثقافة التنظيمية في هذا المجال، ونظرا لضعفها بأهمية التقييم وتحسين الإنتاجية انطلاقا من المؤشرات، وبالتالي فإطلاق حملات توعية وطنية حول أهمية التصنيف ودوره ستساهم بشكل كبير في تحسين فرص التمويل والتصدير.
(ج) تفاوتات جهوية في قدرات التعاونيات، هناك تباين واضح في قدرات التعاونيات على المستوى الجهوي، وبالتالي يجب
تقديم برامج دعم فني وتقني لمساعدة التعاونيات في المناطق القروية على تحسين أدائها وفقًا لمعايير المؤشر.
- الاستشراف المستقبلي لمؤشر MESI: من تصنيف وطني إلى معيار دولي :
(أ) رقمنة المؤشر واعتماد الذكاء الاصطناعي من خلال :
١. تطوير نظام تقييم آلي يعتمد على تحليل البيانات الضخمة لمتابعة أداء التعاونيات.
٢. توفير تطبيق ذكي يمكن التعاونيات من تقييم نفسها وتحسين أدائها.
(ب) التوسع نحو الأسواق الإفريقية والدولية من خلال :
١. جعل MESI معيارًا مرجعيًا في اتفاقيات التجارة الحرة مع إفريقيا وأوروبا.
٢. الترويج لمبدأ “المسؤولية الاجتماعية التعاونية” كمعيار دولي جديد.
(ج) دمج المؤشر في استراتيجيات التمويل الأخضر من خلال :
١. التعاون مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي لتوفير تمويل خاص للتعاونيات الأعلى تصنيفًا.
٢. تحفيز الاستثمارات في المشاريع الخضراء القائمة على التعاونيات البيئية.
وبالتالي يُمثل مؤشر الاقتصاد الاجتماعي المغربي (MESI) أداة استراتيجية يمكن أن تُحدث تحولًا في قطاع التعاونيات، عبر تعزيز الشفافية، وتحفيز الإنتاج المحلي، وزيادة تنافسية المغرب عالميًا. إذا تم تبنيه من قبل الجهات الرسمية واعتماده كجزء من السياسات الوطنية، يمكن أن يتحول إلى مؤشر محوري في تقييم الأداء الاقتصادي والاجتماعي، ليس فقط للتعاونيات، ولكن أيضًا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الاقتصاد الاجتماعي. وإذا طُبق MESI بفعالية، فقد يصبح حجر الأساس لنموذج جديد من الاقتصاد التضامني في المغرب، قائم على الابتكار والاستدامة والتنافسية الدولية.
أمين سامي خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات والاستراتيجيات التنموية.
تعليقات الزوار ( 0 )