خلال 18 شهرا الماضية، أصبح البشر على دراية تامة بمصطلح “التباعد الاجتماعي”، ومدى أهميته للوقاية من الوبائيات. ولكن يبدو أننا لسنا الكائنات الوحيدة التي تعي أهمية التباعد الاجتماعي خاصة عندما تكون صحتنا في خطر، إذ تشير الأبحاث إلى أن نحل العسل يفعل الشيء ذاته.
التباعد الاجتماعي عند نحل العسل
ففي الدراسة الحديثة التي نشرت في دورية “ساينس أدفانسز” (Science Advances) يوم 29 أكتوبر الماضي، أفاد العلماء -في جامعة ساساري (University of Sassari) وجامعة تورينو (University of Turin) بإيطاليا وفي كلية لندن الجامعية (University College London) بالمملكة المتحدة- بأن نحل العسل يزيد من التباعد الاجتماعي كلما كانت خليته واقعة تحت تهديد من الطفيليات.
وبحسب التقرير الصحفي الذي نشره موقع “يوريك ألرت” (EurekAlert)، فإن نحل العسل يُبدي ردة فعل إذا أصابت الطفيليات الضارة مستعمرته، وذلك بتعديل موضعها وتفاعلها مع بعضها بعضا لزيادة التباعد الاجتماعي بين الصغار والكبار.
ويذكر أليساندرو سيني -المؤلف المشارك في الدراسة في مركز التنوع البيولوجي وأبحاث البيئة التابع لكلية لندن الجامعية- أن هذه الاستجابة المكتشفة تقدم “أول دليل على تعديل نحل العسل تفاعلاته الاجتماعية وللكيفية التي يتحرك بها في خليته كاستجابة منه لإصابتها بأي طفيلي شائع”.
ويضيف سيني “نحل العسل حيوان اجتماعي يتشارك توزيع المسؤوليات وتجمعه تفاعلات اجتماعية متبادلة. غير أن زيادة هذه الأنشطة الاجتماعية يزيد من خطر الإصابة بالعدوى. ولكن يبدو أن نحل العسل قد طوّر آلية لتحقيق التوازن بين المخاطر والمكاسب وذلك بتبنيه التباعد الاجتماعي”.
أمم أمثالكم
وعلى ما يبدو، فإن سلوك التباعد الاجتماعي ليس غريبا في عالم الحيوان، إذ يمكننا ملاحظة هذا السلوك في العديد من الكائنات بدءا من قردة البابون التي تتباعد عن أقرانها المصابة بالتهابات الجهاز الهضمي، ووصولا إلى النمل المصاب بالفطريات المُمرِضة والذي ينأى بنفسه بعيدا عن مجتمعات النمل حتى لا تصيبها بالعدوى.
وقد اهتمت الدراسة الحديثة بمعرفة التأثير الذي قد تلحقه الطفيليات الخارجية من نوع “فاروا المدمرة” (Varroa destructor) إذا أصابت مستعمرات نحل العسل. إذ تساءل الفريق في البداية إن كانت هذه الإصابة ستغير من التنظيم الاجتماعي في خلية النحل بالشكل الذي يقلل من انتشار الطفيليات داخل الخلية.
وتعتبر طفيلية الفاروا المدمرة واحدة من عوامل الإجهاد الكثيرة التي تؤثر على مستعمرات نحل العسل. ويعد عث الفاروا عدوا لدودا لنحل العسل، إذ يلحق العديد من الآثار الضارة سواء بأفراد نحل العسل أو بالمستعمرة
ومن المعروف أن مستعمرات نحل العسل تُقَسَّم إلى جزأين: جزء خارجي يسكنه جامعو الكلأ، وجزء مركزي داخلي تشغله ملكة النحل والمُربيات والحَضَنَة. ويعمل هذا الفصل المكاني بين أفراد الخلية داخل المستعمرة على تقليل التفاعلات بين قسمي المستعمرة الخارجي والداخلي، ومن ثم يحمي الأفراد الأهم قيمة -كالملكة والصغار والحضنة- من البيئة الخارجية ويقيهم من الأمراض.
إعادة تموضع أفراد الخلية
وقد تعرف الفريق البحثي على سلوك مفرد يمكنه أن يزيد من فرص انتقال العث داخل المستعمرة. فبعدما قارن الفريق بين المستعمرات المصابة بطفيلية الفاروا وتلك التي لم تُصَب بها، لاحظوا أن رقصات البحث عن الطعام حدثت بشكل أقل في الأجزاء المركزية من الخلية التي كانت مصابة بطفيلية الفاروا. كما لاحظوا أن سلوكيات الاستمالة أصبحت أكثر تركيزا في الخلية المركزية.
ويفسر الباحثون هذه السلوكيات -التي يتحرك فيها جامعو الكلأ (نحل العسل الأكبر سنا) نحو أطراف الخلية، في حين تتموضع مربيات النحل الأصغر سنا نحو مركز الخلية كاستجابة منها للإصابة- بأنها تهدف إلى زيادة التباعد بين المجموعتين.
وتذكر ميشلينا بوسيدو قائدة الدراسة في جامعة ساساري أن “هذه الزيادة الملحوظة في التباعد الاجتماعي بين مجموعتي النحل داخل المستعمرة الموبوءة نفسها بالطفيليات تظهر جانبا جديدا ومثيرا للدهشة عن الكيفية التي يجابه بها نحل العسل الطفيليات ومسببات الأمراض”.
وتختتم بوسيدو بأن “قدرة النحل على تكييف بنيته الاجتماعية وتقليل الاتصال بين أفراد الخلية تسمح لهم بتعظيم فوائد التفاعلات الاجتماعية كلما أمكن ذلك، كما تقيهم من الإصابة بالأمراض المعدية. ولذا، فإن مستعمرات نحل العسل تعد نموذجا مثاليا لدراسة التباعد الاجتماعي وتقييم مدى فاعلية وكفاءة هذا السلوك”.
تعليقات الزوار ( 0 )