Share
  • Link copied

مُقعد ستّيني خَطَّ المصْحَف كاملاً على جِلد الماعِز.. وهذه رِسَالتُه

عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ، مثال هذا البيت الشعري لصاحبه المتنبي، ينطبق حرفيا على الخطاط المغربي الستيني، عمر الهادي، الذي يتحدى الإعاقة على كرسيه المتحرك، ويبدع لوحات فنية بطريقته الفريدة والمتميزة والاستثنائية، راضياً بقضاء الله وقدره، دون أن يمنعه ذلك من خوض تجربة، هي الأولى ربما في العالم، وهي كتابة  القرآن الكريم  كاملا بالمكواة الكهربائية على جلد الماعز.

عمر الهادي، العصامي الذي يجمع من كل بستان من الفنون زهرة، والذي يتخذ من بيته المتواضع بمدينة القنيطرة شمال العاصمة المغربية الرباط ورشة كبيرة لأعماله، لا يكتفي بالكتابة على المصحف وفقط، وإنما يرسم وينقش على الخشب والحديد والنحاس، ويكتب على الذهب والفضة ثم الرخام بحرفية لا متناهية وبحب وشغف وخشوع.

يقول عمر الهادي، في حديث مع “بناصا”، إنّه “ومنذ زمن الصبا وأنا أكتب بحرفية، بحيث برزت موهبتي في الكتاتيب القرآنية، لاسيما في الكتابة  على اللوح الذي كنا نمحوه بالصلصال، ونكتب عليه بأقلام القصب المغموسة في الصوف والصمغ (السماق) الأسود، وكان شيخي معجبا بخطي الجميل، وكلما لمحني أرسم حرفا بطريقتي إلا وزاد من تشجيعي، خصوصا عندما أتفنن في رسم حروف بعينها، كحرفي الباء والتاء اللذان كنت أقوم بتكبيرهما وزخرفتهما”.

وأضاف المتحدث ذاته، “أن مسيرة البحث كانت طويلة وشاقة، خصوصا بغياب الإمكانيات آنذاك، أو التتلمذ على يد معلم أو خطاط، لكنني اقتنيت بعض المراجع، وقمت بأبحاث ذاتية، واشتغلت عليها ليلا ونهارا، حتى أتقنت الخطوط العربية كلها، ووصلت إلى النتيجة التي ترضيني وترضي من يرى لوحاتي”.

وعن كتابة المصحف كاملا على جلد الماعز، يحكي عمر الهادي أن الأمر استغرق منه حوالي ثلاثة سنوات من الإشتغال، بالليل وبالنهار بشكل اعتكافي وبدون توقف، إلا للأكل وقضاء الحاجة، قائلا: “لأن  كتابة المصحف كاملا بالمكواة الكهربائية  كان أكبر الهواجس، وأعظم الأهداف بالنسبة إليَّ، قبل أن يستطرد، “لو كان الأمر يتعلق بحبر على ورق لما استغرق مني الأمر عاما، بيد أن الاشتغال بالمكواة الكهربائية صعب جدا، خصوصا باستعمال القفازات والحرارة المنبعثة من المكواة، لدرجة أنني أغطس يداي أحيانا في الماء والثلج  للتخفيف من درجة الحرارة”.

ويطمح الهادي إلى إنشاء مدرسة وإقامة ورشات تعليمية في فن الخطاطة لجميع الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك للمدمنين على المخدرات من أجل انتشالهم من وضعية التيّه والدوران، وكل الذين يدورون في فلك الفراغ، قائلا: “أنت بالعقل لا بالجسم إنسان”.

وفي رسالة وجهها الهادي إلى والمقعدين وذوي الاحتياجات الخاصة، قال: “لا تيأسوا ولا تتراجعوا إلى الوراء، وبصفتي شخصا معاقا وافتخر بإعاقتي، فالمعاق هو من لا يقوم بأي شيء، ولا يشتغل ولا يجتهد، أما المعاقين فهم الكسلاء، وإذا أراد المرء أن يبدع فالمجال مفتوح وقد يكون من “اللاشيء”، مطالبا المسؤولين بالنظر إلى وضعية ذوي الاحتياجات الخاصة والبحث عن حلول لهم من أجل إدماجهم في الشغل، لا دفعهم إلى السعاية، أو مدهم بالمعونات الغذائية.

وأشار عمر الهادي، في نهاية حديثه مع “بناصا” إلى “أنّ بعض الجمعيات التي تدّعي رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، إنما تقوم باستغلالهم وتحقيق مكاسب مالية من الداخل والخارج وتقوم بالإساءة إلى هؤلاء الضعفاء، لذلك انسحبت من إحدى الجمعيات التي كنت أمينها العام بسبب التلاعبات والسعاية من المحسنين تحت غطاء مساعدة المعاقين”.

Share
  • Link copied
المقال التالي