لم يكن أحد يتوقع أن تقتحم قضية الملاكمة الجزائرية نقاشات مجلس الأمن الدولي، بعد حملة التشكيك العالمية في هويتها الجنسية. وكانت المفاجأة أكبر أن يأتي التهجم من الحليف التقليدي للجزائر روسيا في توقيت مليء بالشك في علاقات البلدين، بعد أحداث مالي الأخيرة.
وفي جلسة لمجلس الأمن الدولي، تضمنت إحاطة حول موضوع “الحفاظ على الالتزامات لصالح المرأة، السلام والأمن في سياق الانسحاب السريع لبعثات السلام”، خرج ممثل روسيا عن النص، موجها اتهامات ضمنية للملاكمة الجزائرية بأنها رجل سُمح له بالنزال مع النساء، من قبل المجموعات الغربية التي تدعم حسبه “مجتمع الميم”. واستند الدبلوماسي الروسي إلى تقرير الاتحاد الدولي للملاكمة الذي يخوض حربا شعواء ضد البطلة الجزائرية منذ بداية منافسات الأولمبياد.
وفي ظل هذه الاتهامات الخطيرة، لم يفوت ممثل الجزائر واجب الرد، فكان أن طلب الكلمة، موجها عبارات قوية للممثل الروسي. وذكر الدبلوماسي الجزائري أن “الملاكمة الشجاعة، الآنسة إيمان خليف ولدت أنثى، عاشت طفولتها بنتا يافعة، مارست الرياضة كامرأة بكامل المقاييس”، مبرزا أنه “لا يوجد أدنى شك حول ذلك، إلا من له أجندة سياسية لا ندري مقاصدها”. وأضاف قائلا: “أكتفي بإحالة الجميع إلى اللجنة الأولمبية الدولية نفسها والتي بكامل الوضوح وبشهادتها تقصم ظهر كل مشكك في بطلتنا الشجاعة الآبية، حفيدة النساء الجزائريات الحرائر”.
وفي تفاعلهم مع هذا التطور، تداول الجزائريون بكثافة مقطع الفيديو المتعلق بالرد على مواقع التواصل، مع تعليقات مستغربة للسلوك الروسي في ظل العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين. ودعا البعض بناء على ذلك، صراحة، إلى مراجعة العلاقات مع روسيا، خاصة في ظل خيبة الأمل من مواقف هذا البلد منذ نكسة عدم دخول بريكس وتصريحات وزير الخارجية الروسي آنذاك التي اعتبرت تقليلا من حجم وثقل الجزائر، إلى الانزعاج الجزائري الكبير من دور مرتزقة فاغنر في مالي ودخولهم في حروب على مشارف حدود البلاد، وقبل ذلك دورهم في ليبيا، في وقت ترفض الجزائر أي تدخل أجنبي في المنطقة.
واستغرب النائب في البرلمان أحمد رابحي عن الكتلة الداعمة للرئيس عبد المجيد تبون، إقحام من وصفها بالحليف الاستراتيجي لبلادنا لقضية الملاكمة ايمان خليف، في نقاشات أروقة مجلس الأمن. متسائلا: منذ 1962 ونحن أصدقاء فما الذي تغير؟”. وأضاف: الحمد لله أن الجزائر كانت في عضوية مجلس الأمن واستطاعت الرد. هذه ثمرة بسيطة من ثمرات دبلوماسية الجزائر الجديدة”.
أما الذين تابعوا القصة بتفاصيلها من البداية، لم يستغربوا الموقف الروسي، بالنظر للعلاقة الحميمة التي تجمع رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة عمر كريمليف، بالمسؤولين الروس. وهناك من يتحدث عن علاقة خاصة بين هذا الشخص والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سبق له تكريمه وإهدائه وساما، ناهيك عن كون روسيا من ممولي هذا الاتحاد.
وتواجه خليف حملة استفزاز شنيعة يقودها الاتحاد الدولي للملاكمة الذي ذهب إلى حد تقديم جائزة مالية للملاكمة الإيطالية أنجيلا كاريني بعد انسحابها أمام منافستها الجزائرية إيمان خليف في دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024. وذكر رئيس الاتحاد عمر كريمليف، مظهرا شفقته على الإيطالية: “لم أستطع النظر إلى دموعها.. ويمكنني أن أؤكد أننا سنحمي كل ملاكم. لا أفهم لماذا يقتلون الملاكمة النسائية. يجب على الرياضيات المؤهلات فقط التنافس في الحلبة من أجل السلامة”.
وبعد تأهلها للدور ربع النهائي، نظم الاتحاد الدولي للملاكمة ندوة صحفية في باريس للحديث عن إيمان خليف والتشكيك في هويتها الجنسية. ويأتي هذا الموقف على خلاف ما أكدته اللجنة الأولمبية في أكثر من مناسبة حول أهلية إيمان خليف للمنافسة والذي تكرر على لسان مسؤوليها في الأولمبياد الحالي.
وكان هذا الاتحاد قد حرم البطلة الجزائرية في مارس 2023، من النزال في نهائي البطولة العالمية للملاكمة (أقل من 66 كلغ) التي أقيمت في الهند، لأسباب طبية، تتعلق بمعدلات التستسترون، وهو المعيار الذي رفضته تماما اللجنة الأولمبية التي أقرت مشاركتها دون إشكال.
ووفق ما ذكره محللون للموقف الروسي، فإن موسكو تلعب على وتر إظهار الغرب في حالة انحطاط أخلاقي عبر سماحه بإجراء عمليات التحول الجنسي ودعم مجتمع الميم. لكن إقحام الجزائر في هذه المسائل الجندرية بدا مستغربا كون الجزائر وباقي الدول الإسلامية لديها تصور بعيد تماما عن الغرب في هذه المسائل، ما يجعل الادعاء بأن إيمان خليف متحولة جنسيا مثيرا للسخرية.
ومنذ بدء الأولمبياد، قادت شخصيات عالمية كبيرة في الغرب، حملة تشكيك في هوية البطالة الجزائرية الجنسية عبر اتهامها بأنها “رجل”، وصلت حدّ المطالبة باستبعادها من منافسات الأولمبياد. وذكر الرئيس الأمريكي السابق والمرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة برسالة على منصته “تروث سوشيال”، في هذا السياق، أنه “سيستبعد الرجال من منافسات النساء” إذا تم انتخابه في نوفمبر، مرفقا كلامه بمقطع فيديو للنزال بين إيمان خليف وأنجيلا كاريني.
كما شنت رئيس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ومواطنها الوزير المتطرف ماتيو سالفيني هجوما على اللجنة الأولمبية بسبب سماحها للملاكمة الجزائرية بالنزال. وتحولت الشبكة الاجتماعية “إكس” إلى منصة هجوم على البطلة الجزائرية، بدءا بمالكها الملياردير إيلون ماسك الذي ترك كل شيء وتفرغ للتعليق على إيمان خليف والتفاعل مع كل ما ينشر حول الادعاء بأنها رجل.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )