شارك المقال
  • تم النسخ

من ينقل العدوى بشكل مرعب؟.. أمريكا تفقد السيطرة كليا على الوضع الوبائي

سقطت الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الأكثر هيمنة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا ـ رسمياـ أمام اختبار جائحة كورونا، بعد أن أعلن كبير موظفي البيت الأبيض، قبل أيام قليلة، عدم قدرة بلاده السيطرة على فيروس “كورونا”، لتتلاشى تلك الصورة النمطية في أعين الحالمين بأن أمريكا يعول عليها إذ ما تعرض العالم لغزو فضائي محتمل، فإذا بفيروس يسقطها في أول اختبار لها.

وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، أمس (السبت) تقريرا مشتركا للصحافيتين لوسي تومبكينز وسارة ميرفوش، تحت عنوان “من ينقل العدوى لمن؟ بشكل مرعب.. لا أحد يعلم”. تناولتا فيه تفشي الوباء بسرعة صاروخية إلى درجة فقدان السيطرة على تتبع مساره، ومعرفة أعداد الحالات الجديدة كما في السابق.

واستهلت الصحافيتين مقالهما بالقول إنه، في فصل الربيع، وعندما ظهر فيروس “كورونا” لأول مرة في مدينة سايوكس فولز، الواقعة جنوب شرق الولايات المتحدة، كانت عمل عمدة المدينة، بول تينهاكن، هو القيام كل صباح بمهمة واضحة، تتمثل في وقف تفشي المرض في معامل لتقطيع لحم الخنزير، حيث أصيب المئات من الموظفين، الذين كانوا يقطعون اللحم جنبا إلى جنب، بالمرض فيما كان يعرف آنذاك بأكبر تجمع للفيروسات في الولايات المتحدة.

وتم وقف تفشي الوباء بتلك المدينة منذ أشهر، لكن اليوم، أصبح الوضع أكثر ضبابية، وانتشر الفيروس كانتشار النار في الهشيم في جميع أنحاء وضواحي المدينة، كما أصبح السيد بول تينهاكن، مضطرا إلى إعادة جدولة اجتماعاته، الأسبوع الماضي، بعد أن ثبتت إصابة مساعده بالفيروس.

وجاء في مقالهما، أنّه مع انتشار فيروس “كورونا” في جميع أنحاء البلاد، فإن تسجيل رقم قياسي ليوم واحد بلغ 99155 حالة جديدة خلال يوم الجمعة الماضي، فيما تجاوز عدد الحالات على مستوى البلد تسعة ملايين، ولم يعد تتبع مسار الوباء في الولايات المتحدة ممكنات بل أصبح شبه مستحيل.

أما اليوم، تضيف الصحافتين، فقد توصل الناس إلى حقيقة مرعبة، وهي أنه ليس لديهم فكرة عن مكان انتشار الفيروس بعد أن اختلط الحابل بالنابل، وولى زمن الأيام التي كان بإمكان الأمريكيين فهم الفيروس بسهولة وتتبع أعداد الحالات المتزايدة وصولا إلى الأماكن التي كانوا يحفظونها عن ظهر قلب، نظير المصانع المزدحمة، ودور التمريض، والحانات الصاخبة.

واستشهدت الصحافيتين، بما قاله كريستال واتسون، الباحث البارز في مركز الأمن الصحي بكلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة، “إن الفيروس يظهر في كل مكان”، وقد قُدّر أن تتبع حالات الغصابة بفيروس “كورونا” يصبح صعبا بمجرد انتشار الوباء إلى أكثر من 10 حالات لكل 100.000 شخص.

وفي بعض المناطق الأكثر تضررا في الولايات المتحدة، فإن الفيروس ينتشر بمعدل 10 إلى 20 ضعفا، إلى درجة أن مسؤولي الصحة تخلوا عن محاولة معرفة من يعطي الفيروس لمن، عكس السابق، حيث كانت بؤر الوباء تنحصر في التجمعات الكبيرة المفهومة، مثل السجون واجتماعات العمل وحفلات العشاء، كما كان يمكن عزل الأماكن التي تضررت بشدة نظير نيويورك في فصل الربيع وأجزاء من سان بيلت في الصيف.

اليوم، تغير الوضع بشكل ملحوظ وصار الانتشار الفوضوي يحدث في العديد من المناطق وفي الآن ذاته، وتتزايد الإصابات في 41 ولاية، وتسجل البلاد في المتوسط أكثر من 79000 حالة جديدة كل يوم، ويقول الأمريكيون إنهم يشعرون بأنهم تركوا للقيام بعملهم المنفرد للتحري.

أحد المصابين، البالغ من العمر الـ45، واسمه ديني تيلور، يحكي بأنه “كان حريصا للغاية”، ويلتزم بالاحتياطات الصارمة، ويرتدي دائما كمامته، قبل أن يصبح أول فرد في عائلته ومن بين زملائه في العمل مصابا بالفيروس، قال وهو يرقد في سرير بمستشفى أوماها الأسبوع الماضي، إنه لا يزال لا يعرف كيف أصيب.

كان يُنظر إلى الكشف عن مسار الانتقال من شخص إلى آخر والمعروف باسم “تتبع الاتصال” أمرا هيناً كأداة رئيسية لاحتواء الفيروس، حيث كان يمكن للمقيمين في العديد من التجمعات، في غضون يوم أو يومين، من الاختبارات الإيجابية، أن يتوقعوا تلقي مكالمات هاتفية من متتبع جهات الاتصال، والذي يجرب مقابلة مفصلة قبل بدء العملية المضنية لتعقب كل شخص جديد قد يكون تعرض للعدوى.

بيد أن الوضع اختلف اليوم، وتستشهد الصحافيتين بقول الدكتور سييو يون، الذي أشرف على فريق تعقب الاتصال في ماسانشوستس، هذا الربيع، “لقد حققنا نجاحات باهرة، وكنا فخورين جدا بكيفية انخفاض عدد الحالات”، كانت واحدة من الاستراتيجيات العديدة التي ساعدت على الحد من تفشي المرض في وقت سابق في أماكن مثل ماساتشوستس ونيويورك وواشنطن العاصمة.

وأقرّ العديد من مسؤولي الصحة بأنه مع ارتفاع الحالات مرة أخرى في العديد من الولايات، فلن يكون كافيا إجراء مقابلات مع المرضى والاتصال بكل جهة من أجل إبطاء تفشي الفيروس، ويضيف الدكتور أوغيشيكا ألوزي، كبير المسؤولين الطبيين في مركز ديل سول الطبي في إلباسو،”إن تتبع جهات الاتصال لن ينقذنا”، حيث ارتفع عدد المتعافين في المقاطعة بأكثر من 400 في المائة، وأصدر المسؤولون أمرا جديدا للسكان بأن يلزموا بيوتهم.

وتكمن المشكلة في أن الفشل في تتبع الفيروس بشكل كامل يجعل من الصعب للغاية التعرف على مكان انتشار الفيروس، وكيفية التغلب على حالات التفشي الجديدة، وبمجرد أن تخرج منطقة ما عن السيطرة، فإن محاولة تتبع سلسلة انتقال الفيروس يمكن أن تبدوشبيهة بغرف كؤوس من الماء في فيضان.

في ولاية نورث داكوتا، أعلن مسؤولو الولاية أنه لم يعد بإمكانهم إجراء محادثات فردية مع أي شخص قد يكون قد تم الكشف عنه، بصرف النظر عن المواقف التي تشمل المدارس ورافق الرعاية الصحية، حيث تم نصح الأشخاص الحاملين للفيروس بإخطار جهات الاتصال الخاصة بهم، مما ترك السكان بمفردهم، إلى حد كبير لمتابعة مسار تفشي المرض.

وفي ولاية فيلادلفيا، ارتفعت الحالات، أخيرا، إلى أكثر من 300 حالة يوميا، واقر مسؤولو المدينة أنه يجب عليهم الآن ترك بعض الحالات دون تعقب، وقالوا إن معظم الناس يصابون بالفيروس من خلال العائلة والأصدقاء.

وتخبرنا، الصحافيتين، بقول الدكتور أرنولد غس مونتو، أستاذ علم الأوبئة بجامعة ميتشيغان، إنه “لم يكن من المفترض أن نصل إلى هذه النقطة”، الذي قال إن عملية تتبع الحالات وإخطار الأشخاص الذين ربما تعرضوا للفيروس هي معيار ذهبي للوقاية من المرض، ولكن غير عملي بعد مستوى معين من العدوى.

واختتمت الصحافيتين تقريرهما بشهادة صادمة لسيدة تدعى هايدي ستيفنز، وهي من بين المصابين الجدد الذين تعتبر حالتهم لغزا غير مفهوم، بصفتها كاتبة عمود رأي في شيكاكو تريبيون، تعمل من بيتها واطفالها يذهبون إلى المدرسة عبر الإنترنت، ترتدي قناعها عندما تذهب للجري، ولم تقص شعرها منذ يناير.

لذلك عندما خضعت لاختبار وقائي قبل بضعة أسابيع، على أمل دعوة الأصدقاء لتناول كعكة عيد ميلاد ابنتها الخامس عشر، صُدمت السيدة ستيفنز عندما علمت أنها إيجابية.

قالت السيدة ستيفنز، التي دخلت المستشفآ لمدة ثلاثة أيام، وما زالت تستيقظ من النوم وهي تعاني من صداع شديد “سادفع بنفسي إلى الجنون، هل يعقل أن أكون قد التقطت تفاحة مصابة بالفيروس من محل البقالة مثلا ولمست عيني بطريقة ما ؟ هل يجب أن ارتدي درعا مع قناع للوجه؟ فعدد الاحتمالات لا حصر لها”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي