أصبحت الفضاءات والأماكن العامة نادرة في كل مكان في العالم، لاسيما في المدن الكبرى والمراكز الاقتصادية، ولعل أبرز مثال على ذلك مدينة كاتماندوا عاصمة جمهورية نيبال وأكبر مدنها السياحية، التي اختفت فيها معالم الفضاءات العمومية.
وبدأت الأصوات المطالبة في هذا البلد الذي يقع في جبال الهملايا، بين الهند والصين، ولا يطل على بحار خارجية، بالمطالبة باستعادة الأماكن العامة والفضاءات، من خلال تطبيق قصص نجاح حالات مماثلة في بلدان أخرى نظير المغرب، الذي يشبه في مشاكله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هذا البلد.
صحيفة “كاتماندو بوست” واسعة الانتشار بالجمهورية النيبالية، قالت، إن ساحة جامع الفنا المغربية التي تقع في مدينة مراكش التاريخية، هي واحدة من الساحات العامة القليلة في العالم التي ظلت قيد الاستخدام منذ العصور القديمة.
وأضافت الصحيفة، أن مدينة مراكش التي تأسست في القرن الحادي عشر، وكانت مركزا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، لا تزال إلى اليوم تظهر بقايا ماضيها المجيد من مساجد وقصور ومآذن وساحات وحدائق، وهي مدينة تشبه كاتماندو.
وأبرز المصدر ذاته، أن مدينة مراكش لا تشتهر فقط بالمآثر والبوابات والقصور والحدائق فحسب، بل أيضا بمنازلها التقليدية ذات الحدائق الداخلية (الرياض) والأزقة الضيقة والأسواق التقليدية (الأسواق الشعبية)، ولديها ثقافة نابضة بالحياة وسط العمارة المذهلة في جامع الفنا، بحيث مزجت بين الثقافة المغربية القديمة والجديدة.
المحافظة على ساحة جامع الفنا كفضاء عام
وتابعت الصحيفة، أنه يمكن مشاهدة رواة القصص وسحرة الثعابين، وأطباء الأسنان التقليديين والبهلوانيين وفناني الهامش، والمتاجر وأكشاك الطعام طوال اليوم بساحة جامع الفنا بقلب مراكش، وفي المساء، تخرج العائلات لتناول الطعام، ليصبح هذا الفضاء العمومي مكانًا للاستراحة السكان المحليين والسياح على حد سواء.
وفي التسعينيات، خططت سلطات مراكش مع رجال الأعمال والمقاولين المحليين لهدم عدة منازل حول جامع الفنا لبناء مركز للتسوق متعدد الطوابق بواجهة زجاجية وموقف سيارات تحت الأرض، والذي سيكون رمزا للتطور والتقدم، ولو تم تنفيذ هذه الخطة، لما كان الفضاء الثقافي لجماعة الفنا قد نجا.
وأضافت “كاتماندو بوست”، أنه لو تم تطبيق ذلك المشروع، لجرفت رياح الحداثة، المتاجر الصغيرة ورواة القصص وسحرة الثعابين وأكثر من ذلك بكثير، لكن الأديب الإسباني خوان غويتيسولو العاشق للمدينة الحمراء ومثقفون مغاربة توقعوا الكارثة التي تلوح في الأفق.
ومن أجل إنقاذ الساحة، شكلوا منظمة غير حكومية تسمى Les Amis de la Place (أصدقاء الساحة)، نظموا من خلالها عدة برامج توعية للسكان المحليين حول أهمية الأماكن التقليدية التي تشهد على نمط الحياة المغربي.
ونظمت المجموعة برامج وأنشطة مختلفة لإبقاء الساحة في دائرة الضوء مثل مسابقات سرد القصص والأحداث الدولية مع العلماء والكتاب والسياسيين، بحيث كان مدح الناس خارج المغرب لهذه الساحة مهمًا في تغيير نظرة المغاربة إلى فضاءهم الثقافي.
كما استطاعت المجموعة إقناع رجال الأعمال المؤثرين بأهمية الساحة وعلاقتها بالسكان المحليين. ولعب الدعم الذي قدمته شعبة التراث الثقافي في اليونسكو إلى خوان غويتيسولو وأصدقائه دورًا مؤثرًا في إنقاذ الساحة، تردف الصحيفة ذاتها.
وفي عام 2008، وبعد عدة سنوات من العمل، تم إدراج جامع الفنا في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية من قبل اليونسكو مما أنقذ المدينة ومعها هذه الساحة التي تعتبر من أكثر الأماكن زيارة في مراكش من قبل السياح.
مطالب نيبالية باسترجاع الفضاءات العمومية
وكشفت الصحيفة، أنه على غرار جامع الفنا، فإن ساكنة مدينة كاتماندوا تكافح بشكل الخاص ومستمر من أجل إنقاذ مساحة تونديخل، بسبب التعدي المتكرر على المكان العام وإقصاء الناس من مساحتهم جعلهم يتكاتفون.
وبدأت حملة المطالبة باستعادة الفضاءات العامة بتونديخل في 9 نونبر 2019، بحيث تدفق حشد كبير من مختلف مناحي الحياة لدعم الفضاء المفتوح، ولفتت التغطية الإعلامية الضخمة انتباه الجمهور والنشطاء والمثقفون، و شكل السياسيون سلسلة بشرية حول الساحة كبادرة رمزية لاستعادة الفضاء.
ونجح الأشخاص المنخرطون في هذه المجموعة في هدم البنايات غير القانونية في “خولا مانش” وإزالة كل ما قد يؤثر في الساحة من احتلال غير قانوني للفضاء.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه ورغم المجهودات المبدولة للحفاظ على باقي الساحات والأماكن العمومية، إلا أن الجيش النيبالي ما يزال في باقي مناطق تونديخل التي شيدت العديد من المباني، حتى المساحات الصغيرة المتبقية لعامة الناس صارت معرضة للخطر.
تعليقات الزوار ( 0 )