تَهتزُ مدن الشمال المغربية، بين الفَيْنة والأخرى، على وقع حالات جديدة من الإنتحار التي تتناسل مثل الفِطر، وسط دهشة واستغراب ساكنة تلك المناطق، وصمت المسؤولين، بحيث يُعتبر أغلب المُقدِمين على آفة الإنتحار، أو الناجين منه، على أنّ هذا الموت الإستعجالي بكيفية قصدية هو ملجأهم الأخير والوحيد للفرار من واقع ضيق إلى فضاء آخر مجهول قد يكون أرحم، بينما يُقدم آخرون على نوع جديد قديم من الإنتحار تحت وسم “الإنتحار الشُجاع”، وذلك عبر ركوب قوارب الموت نحو الضفة الأخرى.
حسن اقبايو، رئيس جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان، قال في حديث مع موقع “بناصا” الإلكتروني”، إنّ الانتحار أصبح ثقافة سائدة في المجتمع المغربي وينخر خير شبابه، لاسيّما في مدن الشمال، وبالتحديد بإقليم شفشاون الذي يتصدر المدن المغربية، وفي المرتبة الثانية طنجة ثم مدينة تطوان التي تحتل المركز الثالث من ناحية عدد المنتحرين، الشيء الذي يخلق الهلع والخوف لدى الساكنة من تفشي وتنامي الظاهرة، وما يُخلّفه الأمر من فواجع.
أسباب الانتحار لدى الذكور والإناث
وأرجع اقبايو، ظاهرة الإنتحار في مدينة شفشاون إلى مجموعة من العوامل المرتبطة بالمنطقة، أبرزها التهميش، والظروف الإجتماعية المرتبطة بالفقر والحاجة، ثم انتشار المخدرات من النوع القوي بين الذكور الشباب، والتي تدفع المتعاطي، والمتناول لهاته المواد السامة إلى الإنتحار، وتوقد شرارتها العوامل النفسية والبيئية للمقدم على الانتحار.
أما وسط الإناث، يضيف رئيس جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان، فالأمر يختلف، إذ أنّ أغلب الحالات المسجلة بمناطق الشمال، لها علاقة وثيقة بظاهرة الإغتصاب، حيث تنتحر الإناث بهاته المناطق خوفا وهروبا من ما يسمى بـ”العار” والفضيحة، لأن الأعراف والتقاليد المحافظة بمنطقة الشمال، وخصوصا في إقليم شفشاون، لا تسمح بالعلاقات غير الشرعية، وما أن تحمل الأنثى أو يفتض أحد من المجرمين بكارتها فهي تعتبر نفسها “ميتة” وفق تعبيره، لذلك تقدم على فعل الانتحار.
وأضاف المتحدث ذاته، أنّ غياب الثقافة الجنسية لدى الإناث، وبمجرد معرفتهن بالحمل عبر الإغتصاب، أو من خلال إقامة علاقة غير شرعية، فهن يلجأن مباشرة إلى الإنتحار خوفا من المجتمع ومن ظاهرة “القيل والقال”، مع أن الجمعية طالبت مرارا وتكرارا بتشريح جثث المنتحرين من أجل معرفة الأسباب الحقيقية لهؤلاء المنتحرات، خصوصا أنّ أغلب الأسر تبحث عن وسيلة سريعة لطمس وإخفاء معالم الجريمة خوفا مت “الشوهة”، وبالتالي فغياب التشريح يُخفي وراء ما وراءه.
العامل الجغرافي
وأوضح حسن أقبايو، أنّ المجال الجغرافي في منطقة شفشاون، عامل آخر ينضاف إلى العوامل السابقة، المساعدة على آفة الإنتحار، بسبب انغلاق مجال الرؤية البصرية ومحدوديتها، نظرا للجبال المحيطة بالمنطقة، وضرب المتحدث ذاته مثالا، بدولة السويد التي تشهد ارتفاعا ملحوظا في أعداد المنتحرين، بسبب الضباب الكثيف وضيق مسافة الرؤية المجالية.
وشدد رئيس جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان، أنّ ظهور نوع جديد من المخدرات بمنطقة شفشاون تحت إسم ” تريفيكتا” الذي يصفه الأطباء كمضاد لمرض الفصام العقلي، علاوة على القنب الهندي المتوفر في المنطقة بكثرة وسط الشباب، زاد أيضا من درجة أعداد المنتحرين.
وأشار المتحدث ذاته إلى أنّ منطقة الشمال، كباقي مدن المغرب الأخرى، تعرف نوعا قديما من الانتحار يسمى بـ “الإنتحار الشجاع”، وذلك عبر ركوب مجموعة من الشباب العاطل قوارب الموت للبحث عن سبل عيش أفضل، وهروبا من واقع بئيس وظروف اجتماعية قاسية.
واستنكر رئيس جمعية الكرامة للدفاع عن حقوق الإنسان، بشدة، عدم توفر منطقة شفشاون على مستشفيات كبيرة للأمراض النفسية والعقلية والعصبية، يمكنها أن تأوي وترافق وتعالج عدد من الحالات التي لا تجد إلى الشارع كفضاء للجريمة وكذلك الانتحار.
تعليقات الزوار ( 0 )