Share
  • Link copied

مِنَ ”المُسيءِ للوطنِ“ المنار اسليمي إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني

السيد رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية المحترم، أعترف لك في البداية أنه اختلطت علي الصفتان ولا أعرف ماهي الصفة التي أُغلبها على الأخرى في رسالتي لكم.

ومناسبة هذه الرسالة، هي توصيفكم الوارد في عرضكم أمام شبيبة حزبكم مساء يوم الأحد الماضي (23 غشت 2020)، حيث وجدت نفسي من المعنيين بخطابكم في هذا الملتقى، وأنتم تصرحون بالقول حرفيا الواحد يبقا فيه الحال أن البعض مشغول بالتحطيم ومحاولة التبخيس المشكل كاين شي وحدين معارضين لحزب العدالة والتنمية ناس يعارضون بطريقة فجة... واحد كتب اليوم أو البارح آن رئيس الحكومة خاصو يقدم استقالته ..“، _وجدت نفسي_ وأنا أسمع هذا التصريح، معنيا من بين أخرين لأنني أنا صاحب مقال ”على العثماني أن ينقذ البلاد بتقديم استقالته”، الذي نشرته، من باب الصدفة، في جريدة “بناصا” الإلكترونية يوم الأحد 23 غشت صباحا، في اليوم نفسه للقائكم بشبيبتكم، الشيء، الذي يعني أن التوصيف الوارد في خطابكم، يَهم مجموعة من الأشخاص من بينهم المنار اسليمي صاحب المقال أعلاه .

لذلك، ارتأيت أن أقدم لكم الملاحظات التالية بالصفتين معا التي تستعملهما رئيسا للحكومة وأمينا عاما لحزب العدالة والتنمية:

أولا، من غير المقبول، أن يأتي رئيس حكومة يُفترض فيه أنه الممثل القانوني للدولة المغربية، وأنه بات ينظر لجميع المغاربة بالمساواة، لينعت أمام شبيبة حزبه مغاربة، ومنهم أنا، كتبوا مقالات ينتقدون فيها الحكومة أو حزب العدالة والتنمية الذي يقود هذه الحكومة، بقولكم إنهم ”يسيؤون للوطن ”، ومن المفترض فيكم السيد رئيس الحكومة ضبط المفاهيم بدون انفعال، والقيام بوزنها قبل إطلاقها في خطاب يتم تداوله في الداخل والخارج، فالإساءة للوطن التي تنعتون بها مجموعة من الأشخاص منهم أنا يعتبر توصيفا خطيرا، يحولنا إلى ”مجرمين” في اعتقاد البعض لأننا انتقدنا حزب العدالة والتنمية.

 ولكن دعني أطرح عليكم السؤال التالي: متى كان انتقاد أداء حزب من الأحزاب السياسية الحاكمة في العالم والمنبثقة عن صناديق الاقتراع يسمى إساءة للوطن؟ وهل كتابة مقال وتقديم حجج في إطار حرية الرأي والتعبير المضمونة دستوريا يعد إساءة للوطن؟ 

وقبل كل هذا، فإنني السيد رئيس الحكومة، بصفتي مواطنا مغربيا، لم أفهم كيف يكون لديكم وقت في هذا الزمن الصعب، زمن الطوارىء في عام كورونا، الذي ترتفع فيه أعداد الإصابات والوفيات، لكي تخصصوا جزءاً من وقتكم للرد على مجموعة أشخاصٍ، تُسميهم بالمعارضين لحزب العدالة والتنمية من خارج الأحزاب السياسية؟ أكثر من ذلك، ماهي المرجعية القانونية التي تعطيكم حق التمييز بين مغاربة منتقدين لحزب العدالة والتنمية ومغاربة غير منتقدين ؟ فأنتم السيد رئيس الحكومة تمارسون السياسة، ودعني أنقل لكم بأن أول درس تعلمناه في علم السياسة أن السياسي في كل دول العالم شخص في وضعية مُتهم، وعليه أن يكون مستعدا للانتقادات مهما كان أداؤه.

ثانيا، لقد خلقت لي السيد رئيس الحكومة إشكالا كبيرا في مفهوم الوطن، فمتى أصبح حزب العدالة والتنمية هو الوطن؟ إنه شيء عجيب وغريب وخطير، إذا أصبح حزب العدالة والتنمية يُطلق عليه توصيف الوطن، فالذي أعرف أن الوطن شعور، وهوية، وانتماء، وتاريخ، والتزام، وثوابتُ مشتركةٌ، وارتباطٌ بالأرض وليس حزبا، فلايوجد في العالم حزب هو الوطن، إلا في الأنظمة ذات الحزب الوحيد، والتي يكون كل المواطنين فيها منتمون بالقوة للحزب الوحيد.

ثالثا، اسمحوا لي السيد رئيس الحكومة بأن أوضح لكم، وبلغة دستورية، أن رئاسة الحكومة هي مؤسسة يجب أن تُغطي على صفة الأمين العام للحزب، فأنتم تتحدثون مع شبيبة حزبكم، ولكنكم نسيتم أنكم رئيس حكومة، فماهو شعوري كمواطن مغربي، وأنا أسمعكم السيد رئيس الحكومة تتحدثون مع أعضاء حزبكم في الملتقى، وتقولون لهم ”ردوا عليهم بأخلاقكم”، فهذا يعني أننا بدون أخلاق، فهل يُعقل أن يأتي رئيس حكومة منبثقة عن الانتخابات، ويصف أعضاء حزبه أنهم أناس لهم صفات خلقية حميدة، وتكون بذلك مجموعة معينة، من المغاربة من خارج حزب العدالة والتنمية منتقدة له، بهذا المعنى فئة ضالة وبدون أخلاق.

لقد ارتكبتم السيد رئيس الحكومة خطأ كبيرا بهذا التوصيف، ونسيتم أنكم ولو مازالتم تحتفظون بصفة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، فأنتم رئيسا للحكومة الآن، ويمكنكم بعد نهاية مهامكم أن تعودوا للحزب وتصفنا نحن المجموعة التي سميتها بـ“المعارضة“، بما تشاء، وتميز آنذاك الصالحين والطالحين، لكنكم الآن في مؤسسة دستورية تتخذ قرارات لتطبيقها على كافة المغاربة سواسية، فكيف تُميزون بينهم وتقول لشبيبة حزبكم ردوا على هؤلاء بأخلاقكم؟

 ولكن دعني هنا، السيد رئيس الحكومة، أطلب منكم طلبا واحدا، مادام أن لديكم الوقت الكافي، بأن تتصفحوا المواقع والفايسبوك، لتقفوا على الحجم الكبير من الشتائم التي ينتجها أعضاء حزبكم  يوميا ضد من ينتقدهم، لدرجة أنني أكاد أقول لكم بأنه لامثيل لها، فهم يطلقون جميع الأوصاف على منتقديهم، أوصاف وادعاءات باطلة  لايمكنك تخيلها.

واسمحوا لي السيد رئيس الحكومة أن أقول لكم إنكم اخترتم العدو الخطأ في نزالكم السياسي، وقد دخلتم سيكولوجية الانتخابات، فحزبكم يبحث مع اقتراب كل انتخابات عن عدو مفترض، لم يعد ”حميد شباط“ موجوداً، ولا ”إلياس العمري“، ولا ”صلاح الدين مزوار“، وحتى قيادات الأحرار الحالية وقيادة الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والاستقلال، فهمت الرسالة أخيراً، بأن حزبكم يجيد دور الضحية، لما يُبعد النقاش عن التدبير ويجرها إلى مجالات لا تَهم المعيش اليومي للمواطن، لقد اخترتم عدواً خاطئا للمواجهة يتمثل في مجموعة إعلاميين وجامعيين، لكن هذا الاختيار يُمكنني قراءته سيكولوجيا، بأن حزبكم بات يخاف من حصيلة أدائه بشراكة مع أحزاب أخرى في التحالف الحكومي حتى لانُتهم بالتمييز.

السيد رئيس الحكومة، أود أن أقول لكم في الأخير، إنني  لست مسيئا للوطن بانتقادي لحزبكم أو لأدائكم، وأطلب منكم أن تفكروا جيدا قبل إطلاق هذا النوع من التوصيفات الاتهامية، التي قد تُستعمل ضدنا ونحن نترافع في القنوات الإعلامية الدولية ضد النظام الجزائري أو مليشيات البوليساريو، لن نجد جوابا إذا استعمل هؤلاء وصفك لنا بأننا مجموعة عناصر ”مسيئة ”لوطنها.

ودعني أنقل لكم صورة حضرتني وأنت تهاجمنا بصفة ”المسيئين للوطن”، لقد أعدت لي الذاكرة إلى سيدي بنور ”الفيلاج“ الصغير آنذاك، كان هناك ملعب صغير عشوائي لكرة القدم بجانب قارعة الطريق المؤدية نحو السوق الأسبوعي، الذي كان يُعقد كل ثلاثاء، أتذكر أنه حدث مرة أن تقاسم فريقان باختيار أعضاء كل منهما وتركا لاعبا كان يرتكب أخطاء كثيرة في مباريات سابقة، فلم يتم اختياره من طرف أي فريق، وبمجرد ما انطلقت المبارة بدأ اللاعب المتخلى عنه في الرشق بالحجارة، وبدل رشق لاعبي الفريقين كان يُطلق الحجارة نحو الأشخاص المارين للسوق على قارعة الطريق، هذا المثال أوردته لأقول لكم السيد رئيس الحكومة، بصفتكم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، نحن الذين وصفتنا بـ“المسيئين للوطن“ هم المارون للسوق، ولسنا اللاعبين.

*أستاذ العلوم السياسية، أكدال، الرباط

Share
  • Link copied
المقال التالي