احتضنت مؤسسة دار الحديث الحسنية مؤخرا بالرباط ندوة بعنوان “أثر علم الكلام في العلوم الإسلامية”، شارك فيها ثلة من الباحثين والدارسين من المغرب وخارجه، وشارك فيها الشيخ مصطفى بنحمزة بعرض وسمه بـ”الوظيفة الحمائية لعلم الكلام”، وهو موضوع في غاية الأهمية، لأنه ينقل علم الكلام من الماضي إلى الحاضر، وينتشله من الموتى ليقارب به مواضيع الأحياء، فكان بهذا الوسم مشوقا لنا ومثيرا لانتباهنا، ففرض علينا متابعته والاهتمام بعرضه، إلا أننا فوجئنا بلاعلميته، وقد تذرع لتسويغ ذلك بكونه عصفا ذهنيا.
بعد تتبع هذا العرض غير العلمي، وجدنا الشيخ بنحمزة (وهو من العلماء المغاربة الأثيرين لدى السلطة، ومن العلماء المتميزين داخل الوسط العلمائي) ينتقل من موضوع إلى آخر، ومن استطراد إلى نظيره، إلى أن وصل إلى ذروة سنام عرضه، وهو المتعلق بموضوع الإمامة، فاتخذه تكأة لتشويه الشيعة الإمامية بطريقة غير علمية، وتذرع بذلك ليتخذ موقفا من التوسع والحروب التي تخوضها هذه الطائفة.
وقبل التعليق على ما صدر عنه في الندوة المذكورة ومناقشته، أُثبت نصه كما هو، ليكون القارئ الكريم على بينة من موضوع النقاش.
قال فضيلة الدكتور مصطفى بنحمزة: “أحب أن أذيل هذا بكلمة لفت نظر، في الحقيقة لفت نظر، من خلال القراءة أقول وأنا أتحدث عن الجانب الحمائي، أقول: إن الذين يتحدثون في العقيدة أكثرهم يقف في هذا الجانب أو في على أبواب معينة، لكنك حينما تقرأ بعض الكتب الأصول أو أكثر كتب الأصول في العقيدة، في، تجد أنها تُذَيّل بباب هو باب الإمامة عند الجميع، الإمامة العظمى.
علماء العقيدة الكبار يقولون يبحثون في الإمامة، يبحثون في الإمامة كما تجدون ذلك مثلا في عند الآمدي مثلا، والآمدي وهؤلاء الذي، وصاحب المقاص، شرح المقاصد، هؤلاء لهم كتب كبيرة، بعضها فيه خمسة يال المجلدات، ومن الكتب الأخيرة التي أصا.. ركز فيها العلماء، باب الإمامة، أيّ واحد يقولك هاذ الإمامة زايدة وما داخلاش في العقيدة، يقولك: لا، داخلة في العقيدة، بماذا؟ بأي اعتبار؟ هم يقولون ــ أي العلماء ــ لو قلنا إن الإمامة ليست من أحكام العقيدة، فإن هذا في الظاهر صحيح، ولكنا ماذا نجد؟ نجد أن هناك فرقا في الأرض زعمت أنها الإمامة منصوص عليه بالكتاب والسنة، وبالتالي فمن خالفنا ولم يقل بقولنا فهو كافر، الإمامة شيء كبير، شرط في المذهب الشيعي، هم الآن لا زالوا ينتظرون الإمام برقمه، واش هو اثنى عشرية ولا ثلطاش، ولا .. لماذا؟ لأن صاحب الشرع نص عليه، وليس ذلك موكولا … بمعنى أننا حين نتحدث مع الناس نقول لهم إن الإمامة هي اختيار الأمة، يقولك لا، هذا منصوص… وتجدون في كتب الأشاعرة خصوصا حديثا يفيد أن الإمامة … إمامة أبي بكر وعمر وعُ… كانت باختيار الصحابة ها لهذا السبب أو لذاك السبب، إما بالقياس و .. وانتهى الأمر، إذن الإمامة يجب أن نهتم .. هؤلاء الأشاعرة وضعوا كتبا، مثلا كتاب الغياثي، غياث الأمم في التياث الظلم، كتاب جميل جدا، في الإمامة وشروطها ونحتاج ذلك، حينما يقول لك لْلْ يجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، يجوز شرعا إمامَ .. إذا كان الناس موجودين فقد يكون بعضهم يقول: أنا الأفضل أو إمامنا أو شيخنا هو الأفضل، فهو صاحب لْلْلْمُستحق للحكم ويُدخل الناس في في هاذ التيار تيار المطالبة بالحكم، وتُزهق الأرواح وتسيل الدماء، نقول له: إمامك هذا تباركْ اللهْ مزيان، ولكن سَ ليس يمتنع أن يكون في الناس من هو أقل فضلا من فضله، ولكن تتوفر فيه شروط هي شروط النهوض بأعباء الدولة، فيجوز هذا، إمامة المفضول، حينما يعتقد الإنسان إمامةَ المفضول مع وجود الفاضل، يعتقد هاذ الشي، يْوْلّي سلم وأمان، سلم وأمان، لو أخذتم مثلا بعض المذاهب الشيعية الزيدية مثلا، حتى عند بعض … تقول: نعم، يجوز أن يكون الإمام من غيرنا مفضول، دخّلوا الناس في السلم، ولكن الذي يقول أبدا، كل الناس لا يصلحون إلا أن يكون على النمط الفلاني الفلان الفلان… نْدخْلو ف الحرب إلى أن تقوم الساعة، هاذي أودي يبدو أن هذا ساهل، را ماشي ساهل، هاذي حرب، هاذي دماء، هذا مستقبل الأمة، ولذلك هؤلاء لا يقفون ولا يتوقفون عند حد، والحرب جزء من حياتهم، هناك بعض الجماعات أو بعض الطوائف، الحرب عندهم بالنسبة إليهم هي كل شيء، ولا زالوا يحاربون ويتمددون ويُدخلون العالَم بِمعنى ف الوقت اللي انتظروا أن العالَم الإسلامي يدافع عن نفسه ويحمي ذاته، نجد أن هنالك دائما ما يكون … وهناك أفكار متعددة، أنا أأأأأأأقول فكرة ولأختم هذا الكلام، مثلا حينما يُحجَز الإمام، حينما يحجز الإمام مثلا لو أن الإمام أُخذ وسُجن، رئيس الدولة سجن، مال مال هل تسقط إمامته أو لا تسقط؟ كاين ما يبدو أنها عر… لا… هؤلاء قالوا إنه إذا كان له قدرة على التأثير في الناس فيبقى إماما ولو سُجن، ويقولون إن عثمان بن عفان حيل بينه وبين أن يتواصل مع الناس حين حاصره الناس او الثوار الثوار حاصر ولكن لم تسقط إمامته، وبقي هو الإمام الأعظم، والناس في ش في في مناطق أخرى يأتمرون بأمره، أ، لا تسقط الإمامة بمجرد … إذا كان هناك ارتباط، و حِي… هذا ربما عادية، حينما وقع نفي محمد الخامس، أثيرت هذه القضية، الذين أجابوا عنها ماشي هما الناس الآخرين، ماشي السياسيين، جاوبوا عليها العلماء، وقالوا إن محمدا الخامس أبعد وأقصي إلى (قال جزيرة أخرى غير كورسيكا) وكذا ولكنه كان مرتبطا بالمغاربة والمغاربة كانوا يتتستتبعون أخباره وكذا إلى أن عاد، فلما عاد لم يكن هناك داع لإ لتجديد البيعة، وهذا را كان نقاش، ف المغرب ربما أنتم كلكم ماشعرتوش بهذا لأنه فات، ومن الذين حموا هذا هم العلماء الذين أخذوا من هذا الجانب من الفقه… إذن، أقول إن هذا لْلْلْعِلم الكلام بمعناه الواسع يجب أن نهتم به”.
هذا نص كلام الشيخ الدكتور مصطفى بنحمزة، وقد اجتهدت لأنقله بأمانة، وتجنبت تحويله إلى الفصحى تفاديا لأي تصرف قد يحيل المعنى.
وهذا النص يصلح أرضية للنقاش حول موضوع الإمامة من جوانب متعددة، منها:
أولا: أصر الشيخ بنحمزة على أن الإمامة داخلة في العقيدة، وأنها من أحكامها، وليست مدرجة فيها وملحقة بها.
وهذا الإصرار غير صويب، والمتقدمون أدخلوها في مباحث العقيدة إلحاقا لسياق تاريخي خاص، وجاء المتأخرون وأقروا بأن الإمامة مذكورة في المباحث العقدية من باب التوسع ليس إلا، وأنها ليست من صلب العقيدة ولا من مباحثها الأصلية، ولم يعتادوا إدراجها في كتب العقيدة إلا حفاظا على ما درج عليه المتقدمون، وقد نص على ذلك غير واحد، قال حجة الإسلام الغزالي: “النظر في الإمامة ليس من المهمات، وليس من فن المعقولات … ولكن إذا جرى الرسم باختتام المعتقدات به، أردنا أن نسلك المنهج المعتاد، فإن القلوب عن المنهج المخالف للمألوف شديدة النفار”، وقال الآمدي في غاية المرام في علم الكلام: “واعلم أن الكلام في الإمامة ليس من أصول الديانات … لكن لما جرت العادة بذكرها في أواخر كتب المتكلمين، والإبانة عن تحقيقها في عامة مصنفات الأصوليين، لم نر من الصواب خرق العادة بترك ذكرها في هذا الكتاب موافقة للمألوف من الصفات وجريا على مقتضى العادات”.
وهكذا جمهور المؤلفين في العقائد من أهل السنة مجمعون على أنها ليست من مباحث العقيدة ولا من أحكامها، وأنهم لم يدرجوها إلا مجاراة للسابقين وحفاظا على رسومهم، بل نص الآمدي على أن “المُعرض عنها أرجى حالاً من الواغل فيها”، وإصرار الشيخ بنحمزة على إدراجها ضمن أحكام العقيدة والتشدد في ذلك هو مخالفة صريحة منه للمنهج الأشعري السني وحَيدة عن مبادئه.
ثانيا: ذكر الشيخ بنحمزة في عرضه أن فِرَقاً في الأرض زعمت أن الإمامة منصوص عليها بالكتاب والسنة، وهو هنا يشير حتما إلى الشيعة. والصواب أن القول بالنص ليس مخالفا من حيث المبدأ لأهل السنة، قال الرازي وهو أشعري في معالم أصول الدين: “أجمعت الأمة على أنه يجوز إثبات الإمامة بالنص، وهل يجوز بالاختيار أم لا؟”، وهكذا حكى الخلاف في تقنية الاختيار بين المعتزلة وأهل السنة القائلين بإثباتها، والشيعة الإمامية الذين يقولون بنفيها، لكنه حكى إجماع الأمة ــ ومنهم أهل السنة ــ على جواز الاعتماد على النص، فتوافق الشيعة والسنة من حيث المبدأ. وقال ابن بلبان الدمشقي الحنبلي: “وتثبت الإمامة بالنص والاجتهاد والاختيار، وبالغلبة تارة ممن يصلح لها”، وهذا مؤيد لما قاله الرازي. وقال التهانوي الحنفي في كشاف اصطلاحات الفنون: “تثبت الإمامة بالنص من الرسول أو من السابق بالإجماع، وتثبت أيضا بتبعية أهل الحل والعقد عند أهل السنة والجماعة والمعتزلة الصالحية من الزيدية”. وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: “اختلف أهل السنة في خلافة الصديق رضي الله عنه، هل كانت بالنص أو بالاختيار؟ فذهب الحسن البصري وجماعة من أهل الحديث إلى أنها ثبتت بالنص الخفي وبالإشارة، ومنهم من قال بالنص الجلي”، ثم أورد مجموعة من الأخبار التي اعتمدها القائلون بالنص، ولابن تيمية مبحث في منهاج السنة بعنوان: “الأحاديث الدالة على ثبوت خلافة أبي بكر” قال فيه: “وقالت طائفة: بل ثبتت بالنص المذكور في الأحاديث التي تقدم إيراد بعضها، مثل قوله في الحديث الصحيح لما جاءته المرأة تسأله عن أمر، فقالت: أرأيت إن لم أجدك؟ كأنها تعني الموت، فقال: ائتي أبا بكر”، وأورد نصوصا أخرى.
وعموما، فالقائلون بالنص ليسوا هم الشيعة فحسب، بل يشترك فيه هؤلاء وهؤلاء، والطعن في الشيعة من هذه البابة هو طعن في ثلة من أهل السنة، وهذا لا يليق.
ومما أستدركه في هذا الباب، أن الشيعة قالوا بأن الإمامة نص في الآل، وأهل السنة قالوا بأن الإمامة نص في قريش، فاستووا من هذه الناحية أيضا.
ثالثا: نسب الشيخ بنحمزة إلى الشيعة أنهم يحكمون بكفر من لا يقول بقولهم في الإمامة.
وللإنصاف، يصعب نسبة القول بالتكفير إلى عموم الشيعة، بل منهم من يكفر منكري الإمامة، ومنهم من لا يكفر، ولبيان ذلك نورد نصا للشهيد محمد باقر الصدر في شرح العروة الوثقى: “إن المراد بالضروري الذي ينكره المخالف إنْ كان هو نفس إمامة أهل البيت، فمن الجلي أن هذه القضية لم تبلغ في وضوحها إلى درجة الضرورة [الشرعية]، ولو سُلِّم بلوغها حدوثاً تلك الدرجةَ فلا شك في عدم استمرار وضوحها بتلك المثابة، لما اكتنفها من عوامل الغموض”، وهذا صريح في أن مسألة الإمامة لا ترقى عندهم إلى درجة الضروري الذي يُكفَّر منكره أولا، وفيه اعتراف بأن مسألة الإمامة ليست واضحة ويكتنفها الغموض ثانيا، وما يُكَفَّر منكره لا يكون غامضا، وبالتالي فإن منكر الإمامة كما يعتقدها الشيعة لا يعد كافرا خارجا من الملة، بل يعد خارجا من المذهب، وهذا ما يصطلحون عليه بكون الإمامة من حيث عدد الأئمة وعصمتهم وحياة ثاني عشرهم هي من أصول المذهب وليست من أصول الدين، وهناك من يقول بأن الإمامة بالنسبة لعلي بن أبي طالب كانت ضرورة شرعية في الصدر الأول، أما الإمامة فيمن بعده فلا ترقى إلى الضروري لما اكتنفها من الشبه، وبالتالي لا يكفر منكرها.
وإذا تبين بناء على هذا التمييز بأن الشيعة لا يكفرون منكري الإمامة فيما بعد علي بن أبي طالب، فهل يكفرون منكري ولايته وإمامته؟
هنا يميز السيد الخوئي بين مرتبتين:
المرتبة الأولى: الولاية بمعنى الحب والولاء.
المرتبة الثانية: الولاية بمعنى الخلافة.
وذكر أن الأولى ضرورية، وغير الشيعة مُظهرون لها من غير إنكار، أما الثانية “فهي ليست ضرورية بوجه، وإنما هي مسألة نظرية”.
وعموما، فالقول بأن الشيعة ــ بإطلاق دون تفصيل ــ يكفرون كل من لا يقول بقولهم في مسألة الإمامة، كما ذكر الشيخ بنحمزة، قول لا يخلو من تدليس، أو لعله مؤسس على لا دراية صاحبه بأقوال الشيعة.
رابعا: قال الشيخ بنحمزة: “إننا حين نتحدث مع الناس نقول لهم إن الإمامة هي اختيار الأمة”، ولست أدري المقصود بضمير النون الدالة على الجماعة المتكلمة، وغالب ظني ــ بناء على سياق الخطاب ــ أنه يقصد نسبة ذلك القول إلى أهل السنة عموما، أو إلى الأشعرية منهم، والاحتمالان يصُبّان في خانة واحدة، وهي خطأ ما ذهب إليه.
لأن القول بنظرية الاختيار في الإمامة هو قول من الأقوال، وليس القول الوحيد، وهناك أقوال سنية أخرى، ومنها:
** التغلب: إمامة المتغلب مقبولة في السردية الكلامية السنية، وليست [اختيارا للأمة] أبدا، وقد حكى ابن بطال إجماع أهل السنة على أن المتغلب يقوم مقام الإمام العدل في الحدود والجهاد وإقامة الجمعات والأعياد وسائر الشعائر، وأقره ابن حجر في الفتح على حكاية الإجماع، وهاهم أهل الحجاز ونجد قد أطاعوا عبد العزيز بن السعود وهو متغلب لا غير، وليس من اختيار الأمة قطعا.
الوراثة: إمامة أبناء الملوك بعد وفاة آبائهم أو إخوانهم، وهي تقنية مقبولة في السردية السنية منذ قرون، وهي المعتمدة عند الأمويين والعباسيين والموحدين والعثمانيين والمرابطين والمرينيين، وهذه التقنية لا يصدق عليها وصف (الاختيار) أبدا.
من هنا يتبين أن [الاختيار] الذي يركز عليه الشيخ بنحمزة ليس هو القول الوحيد والخيار الفريد في المنهج السني، بل هو واحد من الإمكانات، ومعلوم أن القول بـ[النص] ليس أسوأ من القول بـ[التغلب].
على أن القول بـ[الاختيار] سرعان ما يفرغه أهل السنة من محتواه، وذلك من زاويتين:
أولاهما: حين يشترطون القرشية في الإمام، فإنهم يقصون ملايين البشر من هذا المنصب، فأين الاختيار؟ بل لهم في القرشية قول عجيب، بحيث يجوز خلع الإمام غير القرشي إن ظهر في الأمة قرشي متوافر للشروط.
ثانيتهما: حين يقولون بحصر [الاختيار] في أهل الحل والعقد، ناقشوا عدد هؤلاء، وقالوا بانعقاد الإمامة ولو ببيعة شخص واحد، قال الباقلاني: “تنعقد وتتم الإمامة برجل واحد من أهل الحل والعقد إذا عقدها لرجل على صفة ما يجب أن يكون عليه الأئمة”، وهل إلزام الأمة ببيعة شخص واحد تعد اختيارا؟ وهل القول بالنص عند الشيعة أسوأ من هذا القول عند أهل السنة؟
خامسا: نسب الشيخ بنحمزة إلى الزيدية وأهل السنة القول بجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، وقال بأنهم أدخلوا الناس في السلم بهذا القول، هكذا بإطلاق.
فهل يتبنى هؤلاء هذا المبدأ؟
بالنسبة لأهل السنة، فإننا نعود إلى كتاب الغياثي الذي أثنى عليه الشيخ بنحمزة في عرضه، ونجد أن الأصل عند أهل السنة هو التركيز على [إمامة الفاضل دون المفضول]، وأن إمامة المفضول لا تكون إلا حلا استثنائيا، وليست أصلا، لذلك نسب الجويني القول بجواز إمامة المفضول إلى “طوائف من أئمتنا”، ولم ينسبه إلى المذهب، ولم يصرح بأنه المعتمد في المذهب، أما معظم أئمة وجلتهم فلم يقولوا بذلك، قال الجويني: “ذهب معظم المنتمين إلى الأصول من جلة الأئمة إلى أن الإمامة لا تنعقد للمفضول مع إمكان العقد للفاضل”، فما هو قول أهل السنة؟ هل قول “طوائف من أئمتنا”؟ أو قول “معظم المنتمين إلى الأصول من جلة الأئمة”؟
وبعد حكاية هذا الخلاف، أورد الجويني ــ وهو عمدة من عمُد أهل السنة ــ رأيه، فقال: “ومسلك الحق المبين، ما أوضحه الآن للمسترشد المستبين، فأقول: لا خلاف أنه إذا عسر عقد الإمامة للفاضل، واقتضت مصلحة المسلمين تقديم المفضول، وذلك لصَغْو الناس، وميل أولي البأس والنجدة إليه، ولو فُرض تقديم الفاضل لاشرأبت الفتن، وثارت المحن، ولم نجد عددا، وتفرقت الأجناد بددا، فإذا كانت الحاجة في مقتضى الإيالة تقتضي تقديم المفضول، قُدِّم لا محالة”، وهذا بيّن جلي في أن الإمامة في الأصل للفاضل لا لغيره، ويمكن أن نعقدها للمفضول استثناءً إذا اقتضت المصلحة ذلك وعسر عقدها للفاضل، وهذا ما يلخصه في قوله: “إن تهيأ لأهل الاختيار تقديم الفاضل من غير مانع مدافع، وتحقق الاستكمان من ترشيح الأصلح، فيجب القطع ــ والحالة هذه ــ بإيجاب تقديم الأفضل الأصلح”، وهنا يصرح بالوجوب.
وما قاله الجويني ليس بدعا في المذهب، بل هو قول الباقلاني قبله، فإنه قال في التمهيد: “إمامة المفضول جائزة مع حصول الفاضل بسبب عارض يُقعده”، وله نصوص أخرى تفيد هذا المعنى ولا تجيز إمامة المفضول إلا بوجود عذر مانع للفاضل.
يتبين مما سبق، أن الشيخ بنحمزة لا يضبط أقوال مذهبه ولا يحقق في نسبة الأقوال إليه، فمن باب أولى أن يقع له الخطأ في نسبة الأقوال إلى المذاهب الأخرى، وهو ما سنبينه في نسبته هذا القول إلى الزيدية.
بالرجوع إلى المصنفات الرئيسة في المذاهب والملل، نجد القول بجواز [إمامة المفضول مع وجود الفاضل] منسوبا إلى صنف من الزيدية، وليس هو القول المعتمد عند عموم الزيدية كما قال الشيخ بنحمزة، قال أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين: “والفرقة الثانية من الزيدية السليمانية أصحاب سليمان بن جرير الزيدي، يزعمون أن الإمامة شورى، وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين، وأنها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال”، وقال أبو الحسين الملطي (ت:377هـ): “الفرقة الرابعة من الزيدية هم معتزلة بغداد، يقولون بقول الجعفرين، جعفر بن مبشر الثقفي وجعفر بن حرب الهمداني ومحمد بن عبد الله الإسكافي، وهؤلاء أئمة معتزلة بغداد، وهم زيدية يقولون بإمامة المفضول على الفاضل”.
يبدو لي أن نص الإمام الأشعري ليس دقيقا، لأنه نسب هذا القول إلى فرقة السليمانية أو الجريرية، نسبة إلى سليمان بن جرير، وهو شخص لا نكاد نجد له ترجمة مستوفاة في المصادر الزيدية، فكيف يكون من أئمتهم ومن رؤساء فرقهم دون العناية بترجمته؟ ويعضد هذا الشك ويقويه أنه هو المتهم بقتل المولى إدريس الأكبر، أضف إلى ذلك أن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ت:298هـ) رد عليه بكتاب مفرد. لذا، لا أكاد أستسيغ وجود هذه الفرقة ونسبة القول إليها أصالةً، وإلى الزيدية بالتبع. فلا يبقى لنا إلا ما قاله الملطي عن الزيدية الذين هم معتزلة بغداد، فإن صح، فإنه قول منسوب إليهم دون عموم الزيدية كما ادعى الشيخ بنحمزة، وبالرجوع إلى المتن الزيدي، فإن بعض علمائهم قالوا بجواز إمامة المفضول، لكنهم ليسوا مجمعين على هذا القول، وليس قولا لجمهورهم، بل العكس هو الصحيح، قال الإمام الناصر لدين الله إبراهيم بن محمد المؤيدي في الإصباح على المصباح: “ومنهم من قال: يجب أن يكون أفضل أهل زمانه، في وقت الصحابة وبعدهم، وقد نسبه كثير من أصحابنا إلى الزيدية، قيل: وممن نص على ذلك الهادي ــ عليه السلام ــ والقاسم والناصر والمؤيد، وحجة أهل هذا القول أن الإجماع منعقد على جواز إمامة الأفضل، ولا دليل يدل على جواز إمامة المفضول من كتاب ولا سنة ولا إجماع، فوجب قصرها على الأفضل”، وقال في موضع آخر أثناء حديثه عن علي بن أبي طالب: “لو لم يكن هناك نص على إمامته عليه السلام، فإن إمامة المفضول مع وجود الأفضل باطلة”، وقال أحمد بن يحيى بن حابس في الإيضاح شرح المصباح أثناء سرد أدلة إمامة علي بن أبي طالب: “ثبت أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وباقي الصحابة مفضولون، وإمامة المفضول لا تصح. قال بعض أصحابنا: لكن هذا لا يدل على إمامته بل على بطلان إمامة من سواه فقط”، وبناء على هذا وغيره، صرح في مواطن من الكتاب بأن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم عصاة بسبب تقدمهم في الإمامة على علي بن أبي طالب عليه السلام.
هذا قول الزيدية، وهذه مصنفاتهم.
بالعودة إلى كلام الشيخ بنحمزة، نجده يتكون من مقدمة ونتيجة:
المقدمة هي نسبة القول بجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إلى أهل السنة والزيدية.
النتيجة هي عموم السلم والأمان بسبب هذا القول.
وإذ بينا أن هذا القول ليس صحيح النسبة إلى الطائفتين بإطلاق، وأثبتنا ذلك بنصوص القوم من مظانها، لزم منه سلب الطائفتين المذكورتين ميزة السلم والأمان، وأدرجناهما بالضرورة مع الشيعة الإمامية في الحرب والتوسع والتمدد، وكل هذا باطل.
سادسا: حاول الشيخ بنحمزة جاهدا الانتقاص من الشيعة الإمامية، وقال بأن من يقول بأن عامة الناس لا يصلحون للإمامة إلا إن كانوا على النمط الفلاني، فإنهم يُدخلون الأمة في حرب لا تتوقف إلى قيام الساعة، وأن الحرب جزء من حياتهم وهويتهم، وأنهم يتمددون ويتوسعون ولا يتوقفون عند حد.
ونحن نجلس على مائدة هذه الفقرة لنناقشها من خلال عتبات:
العتبة الأولى: إن كان الشيعة الإمامية يقولون بأن عامة الناس لا يصلحون للإمامة إلا إن كانوا على النمط الفلاني، (هكذا بإبهام، والإبهام غير مستساغ في الندوات العلمية)، قلنا: إن الشيخ بنحمزة ومن على شاكلته ونحلته يقولون أيضا إن عامة الناس لا يصلحون للإمامة إلا إن كانوا على النمط الفلاني، وهو نمط القرشية. وقلنا: إن الشيخ بنحمزة ومن على شاكلته وجنسيته يقولون أيضا إن عامة الناس لا يصلحون للإمامة إلا إن كانوا على النمط الفلاني، وهو نمط الانتساب إلى العائلة الملكية.
فأين الاختلاف بين الشيخ بنحمزة وبين الشيعة الإمامية؟ كلهم يؤمنون بالإمامة على [نمط فلاني].
وبناء على هذا الإلزام، لزم القول بأن الشيخ بنحمزة ومن على شاكلته نحلةً وجنسيةً يُدخلون الناس في حرب لا تتوقف، وأنهم يتوسعون ويتمددون ووو، وهذا باطل، لأن ما بني على باطل فهو باطل.
العتبة الثانية: بالرجوع إلى الشيعة الإمامية، لا نجدهم أمةً أو أمما مشتهية للحروب بسبب الإمامة، ولا مستهوية لها، وحتى التاريخ المعاصر حيث نجد لهم دولة بإيران، فإنه بمجرد قيام دولتهم، بدأتهم دولة العراق بالحرب، ولم يكن البدء منهم، فمن الذي تعد الحرب جزءا من هويته يا ترى؟
العتبة الثالثة: وصف الشيخ بنحمزة الإمامية بالتوسع والتمدد، وهذا غير سليم من خلال متابعتنا لإمامية العراق ولبنان والبحرين والسعودية وأفغانستان وباكستان وأذربيجان، فبقي التوسع والتمدد لصيقا بإيران وحدها، وهي المقصود من كلام الشيخ بنحمزة إذا استحضرنا السياق السياسي المتوتر بين المغرب وإيران، وبدل أن يقوم الشيخ بنحمزة باعتباره [عالما] بدور الإطفائي لإنضاج الصلح وإنجاحه، فإنه يقوم باعتباره [عالم سلطة] بتأجيج التوتر ورفع منسوبه.
وعموما، فإننا نوافق على توصيف الشيخ ونقره على أن إيران دولة توسعية، ولكننا نطرح عليه باقةً من الدول التوسعية في المنطقة، وهي:
أ ــ إيران دولة توسعية، لأنها تنطلق من خلفية إمبراطورية سابقة.
ب ــ تركيا دولة توسعية، لأنها تنطلق من خلفية إمبراطورية سابقة، ودخولها إلى الصومال وليبيا وأذربيجان وغيرها شاهد على ذلك.
ج ــ السعودية دولة توسعية، وآل سعود انطلقوا من نجد، وصاروا يتوسعون ويتمددون في حائل والأحساء والحجاز وغيرها، ولم يتوقف حسهم التوسعي، وبالأمس القريب كانوا يريدون الدخول إلى قطر ووضع أمير عليها يكون تحت إشرافهم، وقد تفطنت بذلك الاستخبارات الإيرانية الشيعية وأخبرتهم عن طريق سلطنة عمان الإباضية، وما كان من قطر السنية إلا الاستنجاد بتركيا السنية لوقف التمدد العسكري السعودي السني.
د ــ إسرائيل دولة توسعية، وتعلن جهارا نهارا هدفها بإقامة إسرائيل الكبرى، يريدون ابتلاع الأردن ولبنان وسيناء والوصول إلى خيبر، وقد أعلن المجرم نتنياهو بأنه بصدد إنشاء شرق أوسط جديد.
هذه الدول والجهات التوسعية لم تظهر للشيخ بنحمزة، ولم ير منها إلا واحدة، وغلف صراعه معها بغلاف ديني، ليضفي عليه مسحة من الشرعية.
هذا لعب بالنار، وعلى الشيخ بنحمزة وأمثاله أن يتفرغوا نسبيا لقراءة التحاليل الاستراتيجية التي تصدر عن مراكز البحث الدولية، وكذا قراءة التحليلات التي تصدر في الصحف الأمريكية والبريطانية وغيرها ليدركوا حجم الكارثة التي تعمل المقاومة الإسلامية اليوم على وقفها والحد منها، وأن يبتعدوا عن النظرة الضيقة لمقاربة القضايا المعقربة، وأن يوسعوا أفقهم، وأن يعلموا أن إيران وتركيا التوسعيتين أقل خطرا من إسرائيل والسعودية، وأن يتعاملوا مع الجميع بمقاربة سياسية لا كلامية، في أفق بناء الأمة (الواحدة المتنوعة)، وأن أي خروج عن هذه الخارطة فإنه يصب في المصلحة الذاتية حالا، وفي المصلحة الصهيونية مآلا.
سابعا: ما قاله الشيخ بنحمزة عن نفي محمد الخامس، وقياس العلماء لا السياسيين على نازلة عثمان بن عفان.
أ ــ شخصيا، لم يسبق لي أن اطلعت على هذه الفتوى، وهل كانت القضية تحتاج فتوى أصلا؟ ولو كان عرضُ الأستاذ علميا أكاديميا لكان معززا بتوثيق المعلومة من مصدرها.
ب ــ في فترة محمد الخامس رحمه الله، لم يكن السياسيون في واد والعلماء في واد، بل كان السياسيون علماء، ومنهم الزعيم علال الفاسي والفقيه البصري وعبد الحي الكتاني وغيرهم، لذا، فإن الفتوى إن صدرت فهي صادرة عن علماء سياسيين.
ج ــ ما نعرفه في محنة محمد الخامس أن ثلة من الوطنيين انتفضوا ضد نفيه، وساندهم في ذلك عامة الشعب من باعة الخضر والنعناع والفلاحين والمزارعين والحرفيين، أما جمهور العلماء فتحالفوا مع جمهور الباشوات والقياد، وأعلنوا بيعتهم للسلطان الدمية الذي كان من العائلة الملكية، والسؤال هو: هل أعادوا بيعة محمد الخامس بعد عودته؟ أم أنهم بقوا تحت لوائه دون بيعة ناسخة لبيعتهم للدمية؟ وما هي تنظيراتهم الكلامية التي استندوا عليها لخلع محمد الخامس؟ ألم يروجوا أمام الشعب أنه صار فاسقا وأنه يؤيد الشيوعيين وأنه يؤيد خروج المرأة عارية لشرعنة خلعه ونفيه؟ وهذا السؤال الأخير يؤيد ما قاله وزير الأوقاف أحمد التوفيق في مستهل ندوة دار الحديث الحسنية، حيث قال بأن علم الكلام هو علم سياسي، وها نحن أمام رأي كلامي لعلماء الوطنية دلّنا عليه الشيخ بنحمزة، وأمام رأي كلامي آخر لعلماء فرنسا بقيادة عبد الحي الكتاني.
ثامنا: أختم بفقرة من كلام الشيخ بنحمزة، وهي ليست دالة على أن علم الكلام علمُ سياسي، بل تدل بوضوح على أنه علم غير مبدئي (مصلحجي) يؤمن بقاعدة ميكيافيلي: الغاية تبرر الوسيلة.
إذا أُخذ رئيس الدولة أو سُجن، فهل يبقى إماما أو تسقط إمامته؟
أجاب الشيخ بنحمزة بأنه إن كانت له القدرة على التأثير في الناس يبقى إماما ولو سُجن.
لنُخضع هذا الجواب لمبضع التشريح الدقيق، ونقرأه من زاوية أخرى، إن الشيخ يقول بأن الإمام المسجون لا تسقط إمامته إن كان له تأثير، ومعنى هذا أنه إن لم يكن له تأثير، فإن إمامته تسقط، وهكذا يمكن لنا أن نتخلى عن الإمام بسرعة البرق !!
ولنقدم مثالا توضيحيا، لو أن العسكريين نجحوا في انقلابهم على الملك الحسن الثاني رحمه الله، وحيل بينه وبين الشعب ولم يقو على التاثير فيه، فهل تسقط إمامته في نظر الشيخ بنحمزة أو لا تسقط؟ وهل سيعطينا علم الكلام الذي يبشر به الشيخ بنحمزة شرعيةً للانقلابيين بدعوى [عدم تأثير الإمام]؟
إن الشيخ بنحمزة وأمثاله لا يدركون أن العقيدة الأشعرية لا تخلو من خرافات وعجائبيات لا تقل عن نظيرتها الموجودة في العقيدة الإمامية، ويبشرون بهذه الأشعرية وكأنها المخلص والمنقذ أو عقيدة المهدي المنتظر، دون أن يتسلحوا بالعلم والمعرفة وقدسيتهما لنشر الوعي الحقيقي في المجتمع، ومن عجائبيات العقيدة الأشعرية ما قاله الإمام الجويني رحمه الله: “لو نصبنا من ليس قرشيا، إذ لم نجد منتسبا إلى قريش، ثم نشأ في الزمان قرشي على الشرائط المطلوبة، فإن عسر خلْعُ من ليس نسيباً أقررناه، وإن لم يتعذر خلعه، فالوجه عندي تسليم الأمر إلى القرشي، فإن هذا المنصب في حكم المستحق للمعتزين إلى شجرة النبوة، والذي قدّمنا نصبه في منزلة المستناب عمن يجمع إلى فضائل الأسباب شرف الانتساب، فإذا تمكنا من رد الأمر إلى النصاب، ابتدرناه بلا ارتياب”. وهذا عين التلاعب بمنصب الإمامة، وهو متوافق مع نظرة الإمامية، لأنهم يقولون بحصر الإمامة في ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والجويني يريدها أن تبقى في “المُعْتَزِين إلى شجرة النبوة”، فما الفرق؟
خاتمة: إن عرض الشيخ بنحمزة الذي دام ما يناهز أربعين دقيقة مليء بالتناقضات والأخطاء المعرفية، وقد كشفنا بعضها استنادا على فقرة من فقراته لا غير، ولو أخضعنا عرضه كله لخرجنا بكتيب في الموضوع.
وهذه المناقشة تبين بالملموس أن الشيخ بنحمزة لا يتردد في الحديث عن التراث الشيعي رغم أنه غير مطلع عليه، كما أنه غير مطلع على أقوال مذهبه الأشعري، أو أنه مطلع عليه ويدلسها على المتلقي، ولو ألزم نفسه بالصرامة العلمية والرجوع إلى المظان لإنجاز عرض في المستوى لما وقع فيما نبهنا إليه.
وبما أن المناسبة شرط، فإن بعض المطلعين على مقالي قد لا يترددون استنادا إلى بعض فقراته في نسبتي إلى التشيع، ولست أدري، هل سينسبونني إلى الإمامية أم إلى الزيدية، ورفعا للبس ودفعا للغموض، فإنني أصرح بأنني لست شيعيا ولا أشعريا ولله الحمد والمنة، وأعترف بأن في كلٍّ خير، وليس هذا بأفضل من ذاك. كما أصرح بأن مبحث الإمامة قد يكون حصرُ نقاشه في الرحاب الفقهية أو الكلامية مستساغا في سياق تاريخي معين، أما اعتباره مبحثا كلاميا صرفا في عصرنا [سواء من قبل الشيعة أو السنة] فهو مجرد عبث، ومجرد ماضوية في الفكر، والأنسب في مناقشة مبحث رئاسة الدولة [لا الإمامة] هو الفلسفة والقانون الدستوري والعلوم السياسية والعلوم الشرعية عموما، وقد عجبت غاية العجب من الشيخ سعيد فودة الذي صرح في ندوة دار الحديث الحسنية ذاتها أن قضايا الدولة المدنية والدولة الدينية والديمقراطية مما يجب بحثه، وأن بحثه يجب ألا يكون من قبل الفقيه أو الصوفي، بل هي من صميم دراسة المتكلمين حصراً. ولست أدري ماذا عسى المشهورين بعلم الكلام المعاصر أن يقولوا حول هذه الإشكاليات، وهم الذين ما فتئنا نسمعهم صباح مساء ينظرون للاستبداد ويباركون خطواته ويستفيدون من نعمه.
تعليقات الزوار ( 0 )