شارك المقال
  • تم النسخ

مناقشة أطروحة جامعية حول ظاهرة التطرف في المجتمعين الهولندي والبلجيكي

نوقشت برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الرباط، أمس السبت، أطروحة الدكتوراه في تخصص القانون العام والعلوم السياسية بعنوان: ” ظاهرة التطرف السني في المجتمعين الهولندي والبلجيكي دراسة ميدانية تشخيصية للأسباب وهوية المتطرفين والإجراءات المضادة “، تقدم بها الطالب الباحث الحسين برة، في تخصص القانون العام والعلوم السياسية  تحت إشراف الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي، وأمام لجنة مؤلفة من الأساتذة الدكاترة: عبد الرحيم المنار اسليمي رئيسا ومشرفا، وجواد النوحي عضوا، والقاضي السابق في المحكمة الدستورية محمد أتركين، وعبد النبي صبري، ومحمد الغالي، وجميلة العماري، والحسين اعبوشي.

واعتبر الباحث أن التطرف يمثل حالة من التزمت والتمسك بعقيدة ما، والابتعاد عن الاعتدال وتجاوز الحدود المنطقية المعقولة، مما يؤدي إلى الاستخفاف والاستهانة بآراء ومعتقدات وأفكار الآخرين. والتطرف هو موقف سياسي إيديلوجي يرفض معتنقوه أي فرصة للحوار، إذ يتبنون من خلاله الجمود العقائدي والانغلاق،  ويرفضون أي تلميح حول وجود قصور أو خطأ في فهمهم، بل يذهبون في جدلهم إلى أبعد مدى ممكن. وبذلك، فالتطرف هو بمثابة نزعة سياسية واجتماعية تميل إلى استعمال العنف ضد الدولة، أو ضد المجتمع، أو ضد الغير، لاسيما أن المتشددين يريدون تغيير الواقع والعودة إلى الوراء والمماثلة بين الجميع، باللجوء إلى العنف بمختلف أنواعه.

وأشار الحسين برة أن هناك مجموعة من المحددات العلمية والواقعية دفعته  لاختيار موضوع التطرف السني بهولندا وبلجيكا، حيث قسم  هذه المحددات إلى دافعين أساسيين: دافع موضوعي وآخر ذاتي:

بالنسبة للدافع الموضوعي من وراء اختيار البحث في موضوع التطرف والتركيز بشكل أساسي في بلدين أوروبيين هما -هولندا وبلجيكا- يتجلى في كون هذا الموضوع بات يشكل مصدر قلق في أوساط هذين المجتمعين، مما حذا به إلى تناول هذا الموضوع وفتح مدارات أخرى للإحاطة به من زوايا تتكامل مع معظم الدراسات السابقة، مع تميز هذه الدراسة بالتركيز على الجانب الميداني-التطبيقي في تحليل الظاهرة. ، وذلك بالاعتماد أساسا على عدد من المقابلات المباشرة وغير المباشرة، مع عدد من المتطرفين وأُسَرهم، خصوصا منهم من التحقوا بالتنظيمات المتطرفة والجماعات الجهادية بمناطق الصراع بسوريا والعراق ممن بات يطلق عليهم اليوم “المقاتلون الأجانب.

ففي إطار تجديد طرائق العمل والتأطير وتحسين الجاذبية، لجأت الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تعمل في الديار الأوروبية إلى توسيع دائرة الاستقطاب واعتماد تكتيك جديد قائم أساسا على استجلاب شباب من ذوي الأصول الأوروبية من أجل الالتحاق بسوريا وتصوير العديد من الفيديوهات التي تقدمهم كأبطال تستعملهم في الدعاية الجهادية. مما طرح مجموعة من الاستفهامات أمام الشباب العربي من أصول مسلمة حول من الأحق بنصرة الإسلام نحن أم الأوروبيون؟

كما ترتكز أهمية اختيار هذا الموضوع في جانبه العلمي على كونه موضوعا لم ينل القسط الكافي من الدراسة والتحليل على المستوى الأكاديمي، بموازاة الأساليب والاستراتيجيات الحديثة التي أصبحت تنتهجها الجماعات المتطرفة السنية في نشر أفكارها واستقطاب أبناء الجالية المسلمة وتجنيدهم، بالإضافة إلى أبناء البلد الأصليين وذلك باستغلالها لمواقع التواصل الحديث والتكنولوجيا المتطورة وامتداد نشاطها إلى فضاءات لهذه الغاية، وذلك من خلال منهجية متكاملة تنقسم لعدة مراحل هي المعاينة والرصد والانتقاء والتقرب للاستقطاب، التجنيد والالتحاق بمناطق الصراع. مما فرض على الباحث محاولة بلورة خطاطات تفسيرية لفهم ظاهرة التطرف المرتبط بالجماعات السنية بكل من هولندا وبلجيكا، من خلال الوقوف عند مختلف أسبابها ومظاهرها من جهة، ثم تحليل أهم الإجراءات والتدابير المعتمدة لمكافحتها من جهة ثانية.

وأشار برة إلى أنه اختلفت الموجة الحالية لظاهرة التطرف عن سابقتها في السنوات الماضية (2004- 2005) التي عرفت مجموعة من الأحداث الإرهابية خصوصا منها هجمات لندن ومدريد التي اعتمد فيها على عناصر متطرفة مستوردة، والتي أصبحت الجماعات المتطرفة تعتمد فيها حاليا على المتطرفين محليين، من أصول أوروبية وعربية مسلمة

وأما بخصوص الدافع الذاتي يقوم على كون الباحث، كما ألمع إلى ذلك ، تابع دراسته وتخرج من الجامعة بالديار الهولندية،

وقد مكث هناك لمدة ليست بقصيرة بالديار البلجيكية، خلال إقامته حيث تعرض لمحاولة الاستقطاب من طرف إحدى الجماعات المتطرفة، تكون لديه تصور عن طريقة التأثير والتأثر التي تمارسها في استقطاب الشباب المسلم والغير مسلم، مما سهل تواصله هناك ويسَّر لي جمع المعطيات الكافية للإحاطة بالموضوع.

وقد واكب السيد الحسين برة بذلك بعض الأحداث التي زعزعت الاستقرار الأمني و النفسي للمواطن الأوروبي، منها على سبيل المثال مقتل “بيم فروتناين” “Moordpimfortuyn” سنة 2002 المعروف بمواقفه المتطرفة تجاه هجرة الأجانب وتدفقهم إلى هولندا، ثم مقتل المخرج والرسام الهولندي “ثيو فان خوخ” “Theo van Gogh” سنة 2004 على يد شاب هولندي من أصول عربية إسلامية يدعى “محمد بويري”، وهجمات باريس في نونبر سنة 2015،  وما رافق ذلك من استنفار أمني قوي رفع درجة التأهب إلى مستوياتها العليا، وماترتب عنها من مخلفات على المستوى التشريعي والأمني والاقتصادي، وحتى الاجتماعي، وهو ما جعل التنظيمات المتطرفة والجماعات الجهادية التي تنشط بهولندا تستغل هذه الظروف لنشر الفكر المتطرف وحث الشباب على الانضمام إليها.

وخلال فترة تحضير الموضوع تمكن الباحث من الاشتغال بإحدى المراكز المتعلقة بالمساعدة الاجتماعية لمدة ثمانية أشهر، ساهمت في تكوين تصور أولي حول المشاكل التي كانت تعترض مسيرة الشباب من الجاليات المغربية بهولندا، ومنها مشاكل الاندماج والهُوية والعنصرية والتهميش، والجريمة والمشاكل الأسرية والمخدرات.

ومن خلال تجربة الباحث الشخصية بهذين البلدين تكونت لديه العديد من الأسئلة حول موضوع التطرف وتحديدا بارتباط هذا المفهوم بالأوساط السنية خصوصا داخل الأقلية المسلمة المقيمية بهذين البلدين، سواء من حيث العوامل والأسباب المؤدية إلى التطرف، وطرق الاستقطاب والدعاية التي تمارسها الجماعات المتطرفة.

وارتأى معالجة هذا الموضوع معالجة أكاديمية تحليلية، وفق طرق ومقاربات ميدانية، في التزام تام بما تفرضه ضرورة التقيد بمناهج البحث العلمي.

أهمية البحث

ويكتسي الموضوع أهمية بالغة في مضمونه، ذلك لأنه يحاول تفكيك مفهوم التطرف بوصفها عملا يؤدي حتما إلى أفعال تُوصَف بكونها إرهابية، مما يهدد مصالح الدول والأفراد معا؛ ومن ثم فقد فرض هذا الموضوع على الباحث البحث في الوسائل والآليات التي يمكن اعتمادها من أجل مكافحته.

كذلك تكمن أهمية هذا الموضوع الشائك في كون التطرف يعكس في الواقع صراعا بين الأطراف المتضادة، تؤدي حتما إلى التصادم الذي قد ينجم عنه اللجوء إلى العنف، لهذا فهو لا يشكل خطرا على دولة أو دول معينة ويمثل تهديدا على مصالحها فحسب، بل إن خطره قد يمتد ليشمل المجتمع الدولي بأسره.

 إشكالية الدراسة

تكمن الإشكالية التي يطرحها الموضوع في: محاولة دراسة ظاهرة التطرف وتحليلها ومرجعياتها الإيديولوجية والفكرية وأدواتها التواصلية في استقطاب فئات عريضة من شباب المجتمعين الهولندي والبلجيكي، وذلك من خلال البحث عن أسباب ودوافع التطرف السني مع الوقوف على مختلف التدابير والإجراءات والمقاربات المعتمدة من طرف الحكومتين الهولندية والبلجيكية في مواجهة ظاهرة التطرف.

وتفرض الإشكالية الرئيسية لموضوع الدراسة جملة من التساؤلات الفرعية، حددها الباحث في أكثر من عشرة أسئلة.

 النظرية المعتمدة في الأطروحة

 استعان الباحث بنظرية الإحباط وهي من النظريات النزوعية التي أسس لها جون دولارد John Dollard في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، والتي تنتمي لحقل علم النفس، وهي نظرية تقوم على فكرة أن الإحباط يؤدي الى العنف، ساعدت الباحث في تفسير ظاهرة التطرف خاصة عندما لا يتيح النظام السياسي في دولة مثل هولندا وبلجيكا مخارج اجتماعية وسياسية وثقافية ودينية لفئات عريضة من الجالية.

أما بخصوص تقنية المقابلات، فقد اعتمد الباحث، كما أشار إلى ذلك على المقابلة السردية. فقد اختار تقنية المقابلة السردية التي تطلبت أن يكون دور المقابل عاديا وغير رسمي، والسردية هي شكل من أشكال التواصل مع هذه الفئات التي تطرفت داخل المجتمع الهولندي والبلجيكي، فالتواصل هنا في هذا النوع من المقابلات يكون بمثابة عملية تواصل طبيعية مبنية على مواقف وخبرات الحياة اليومية.

ولهذه الغاية، تمت الاستعانة من أجل الوقوف على الظاهرة بشكل واقعي ورصد مختلف جوانبها على إجراء مقابلات مع مقاتلين عائدين من سوريا والعراق، وبعض المقربين من المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى الداعمين للجهادية عبر الإنترنت والحاملين للفكر المتطرف.

وقد جرت معظم هذه المقابلات وجها لوجه أو عبر الهاتف، إلا في حالة المقابلات التي جرت مع المقاتلين العائدين من سوريا والعراق، التي تمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتركز المقابلات على خلفيات المتطرفين وبعض المقاتلين الأجانب، وسبل ميلهم نحو التطرف، وتجاربهم وتصوراتهم. ولأسباب قانونية وأخلاقية، لم يتم جمع أية بيانات حول الأبعاد العملية لنشاطهم مع الجماعات والتنظيمات المتطرفة سواء كان ذلك داخل هولندا وبلجيكا أو خارجهما.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي