شارك المقال
  • تم النسخ

مناقشة أطروحة الدكتوراه في علم الاجتماع حول موضوع “الفعل الثقافي والتنمية المحلية ـ حالة منطقة إملشيل” بكلية الآداب بالقنيطرة.. ورئيس اللجنة يُشرك الحضور في المناقشة

نُوقشت برحاب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أطروحة الدكتوراه تقدم بها الطالب يوسف أوقسو حول “الفعل الثقافي والتنمية المحلية ـ حالة منطقة إملشيل” تحت إشراف الدكتورة زبيدة أشهبون.

وتألفت لجنة المناقشة من الدكتور مصطفى المريزق، والدكتورمحمد جحاح من كلية الأداب والعلوم الإنسانية، جامعة المولى إسماعيل بمكناس، والدكتور إبراهيم حمداوي، والدكتور الطيب العيادي، والدكتور محمد السالمي من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة.

ونال يوسف أقشو شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع بميزة مشرف جدا مع تنويه اللجنة والتوصية بالطبع.

وسجلت لجنة المناقشة، وكذا الحضور الذي كان يتشكل في معظمه من أساتذة وطلبة باحثين، تفوق الطالب الباحث يوسف أقسو في العرض والمناقشة والتفاعل مع ملاحظات وتوجيهات أعضاء لجنة المناقشة، وهي الملاحظة عينُها التي أعرب عنها الدكتور محمد جحاح الذي قدم شهادة في حق الطالب الباحث منذ أن عرفه طالبا في سلك الإجازة بكلية مكناس، هي أخلاق لا تتجزأ ولا تتبعض، يوسف يقاوم من أجل التفوق الدراسي ويقاوم أيضا في المساحة الضيقة: يقاوم من أجل إسعاد والديه، عاد من فرنسا حيث كان يعمل أستاذا مكلفا بتدريس أبناء الجالية وفضل الإقامة بالمغرب من أجل رعاية والديه المسنين.

وبالرغم من أن الأطروحة نوقشت في علم الاجتماع، فإن موضوع هذه الأطروحة شمل تقاطعات علمية مهمة مثل الاقتصاد والتاريخ والأنثربولوجيا والسيميائيات والتأويل والفلسفة، وهو ما بدا من خلال المناقشة، حيث انغمس أعضاء اللجنة بشكل كلي في الموضوع، وبدا الدكتور محمد سلمي متحدثا بالأمازيغية، وهو ابن المنطقة، يذكر حكم آيت حديدو، وقصائد آيت مرغاد وآيت عطا، ويترجم بالعربية فيساعده الطالب الباحث في عملية الترجمة، ونفس الملاحظات قدمها الدكتور جحاح وهو ابن الريف الذي اشتغل على الزاوية الخمليشية بالريف، كما وجد الدكتور العيادي نفسه أقرب إلى يوسف حيث اشتغل هو أيضا على تفراوت.

وإن كانت المناقشة تسعى أساسا إلى تكوين الطالب كي يسترشد بالتوجيهات والملاحظات، فإن هذه التوجيهات والاسترشادات موجهة أيضا إلى الحضور ما دام يتشكل في عمومه من الأساتذة والطلبة الباحثين، وهذا ما دفع رئيس اللجنة، الدكتور إبراهيم حمداوي في إشراك الحضور عبر توجيه بعض الأسئلة تتعلق بالثقافة والتمثلات بخصوص ما هو محلي وكيف يمكنه أن يتبوأ العالمية.

هي لفتة مهمة من رئيس اللجنة، كما حسبها الحضور، وربما سلوك بيداغوجي يدخل في نطاق عمل الأستاذ الجامعي، وقد يصبح سنة حسنة لو علم بها رؤساء لجان المناقشة وعملوا بها في سياق ومقام يسمحان بذلك كما فعل الدكتور حمداوي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل، القنيطرة.

التنمية.. ذلك الموضوع الشائك!

اعتبر الطالب الباحث يوسف أقسو، في معرض تقديم أطروحته أمام أعضاء لجنة المناقشة، أن موضوع الثقافة والتنمية المحلية يندرج ضمن القضايا الشائكة التي يطرحها ورش التنمية القروية عموما، والنقاش العام في منطقة إيملشيل بشكل خاص، بين من يعتقد أن مستقبل المنطقة الصغيرة وثقافتها لا يمكن تشكيله إلا وفق منظور يؤمن بالدينامية والتغير الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي تفرضه العولمة وايقاعاتها الاقتصادية العالمية من جهة، وحسب السياق الوطني الذي يتسم بانفراج في سياسات الدولة تجاه المغرب العميق من جهة ثانية، وبين من يعتقد أن التشبث بالثقافة المحلية “الأصيلة” والاعتماد على قدرة السكان على منح الحياة والأمل لمنطقتهم الصغيرة هو الخيار المناسب لتحقيق التنمية. وهي كلها إشكالات عمل الباحث على تأطيرها في بحثه قصد فهم طبيعة العلاقة بين الثقافة والتنمية فهما علميا ينطلق من التقصي الميداني.

ولفهم كيف يمكن أن يكون الفعل الثقافي وسيلة لخلق ظروف مواتية للتنمية المحلية – أو حتى زرع بذورها-، فقد اختار الطالب الباحث إجراء دراسة ميدانية في منطقة “إملشيل” (دائر إملشيل التي تشمل الجزء الأكبر من قبائل “آيت حديدو” – عمالة ميدلت). حيث تمكن من خلال الدراسة الكيفية من ملاحظة الديناميات المحلية التي يخلقها الفعل الثقافي، حيث اعتمد على مقابلات شفهية مع مختلف المبحوثين المشاركين بشكل مباشر أو غير مباشر في مختلف الإجراءات التي يتم تنفيذها على المستوى المحلي.

وما دامت “التنمية المحلية” لم تظهر بشكل جلي ـ من خلال الملاحظة الميدانية والتجربة الشخصية في المنطقة باعتبارها  من فعل الدولة، الفاعل الرئيس (قرى معزولة، طرق هشة، عزلة موسمية، خدمات صحية متواضعة، مؤسسات تعليمية مهترئة، أزمة اقتصادية، إلخ) أو عن طريق مؤسساتها (الجماعات الترابية تحديدا، المندوبيات الجهوية، إلخ)، فقد كان لابد من إبراز دور فاعلين آخرين “حركوا المياه الراكدة” رغم محدودية الجهود في دائرة تتجاوز ثلاثين ألف نسمة.

وعطفا على ذلك، دفع هذا السببُ صاحبَ الدراسةِ/ الأطروحةِ إلى اختيار ثلاثةِ نماذجَ من الفاعلين المحليين لفهم العلاقات البنيوية القائمة بينهم، ودور ذلك في الفعل التنموي المحلي الذي يستثمر الثقافة في التنمية وهم: الفاعل السياسي، والفاعل الاقتصادي والفاعل الثقافي، وقد أكدت العناصر الثقافية التي درسنها ووقف عندها على أنها تعكس تاريخ القبيلة عبر امتدادها التاريخي في المنطقة (موسم، أزياء، فولكلور، إلخ)، وأنها تحمل بعدا ثقافيا قويا وجزْءً من إشكالية التنمية القروية عامة.

خلاصة الدراسة ونتائج الأطروحة

وقد تمكن الطالب من خلال الدراسة الميدانية من التحقق من أن العناصر الثقافية التي لاحظها- وهي ضمن عناصر أخرى، قادته إلى وضع وتحديد العناصر البنيوية التالية:

ـ لقد أدت حالة الأزمة البنيوية وتراجع أهمية القطاع الرعوي والفلاحي التقليدي (اقتصاد الكفاف) في المنطقة إلى ردة فعل الساكنة تمثلت في ظهور الفاعل المحلي الذي بدأ يبحث عن حلول على المستوى المحلي، في ظل “غياب شبه كلي” للدولة ولاستراتيجياتها للنهوض بالمنطقة وتنميتها، لا سيما أنها “شاركت” في “سنوات الرصاص” وما نتج عنها منذ سبعينيات القرن الماضي.

ـ  هذا الفاعل المحلي (لا سيما الجمعوي والسياسي) يوجد في موقع الوسيط بين المجتمع المحلي (الساكنة) والمجتمع العام الخارجي في ظل شراكات متعددة أفقية وعمودية، بحيث يحدد استراتيجية تتوافق مع أداوره الاجتماعية والتضامنية والثقافية والسياسية ومصالحه الاقتصادية أيضا؛ فهو يقود الفعل التنموي ضمن المجتمع المحلي (قرية – جماعة – دائرة – قبيلة) الذي ينتمي إليه، حيث ما زال التضامن ميكانيكيا وثقل الجماعة وثقافتها وقيمها حاضرة بقوة، وهو الفاعل نفسه الذي استفاد ـ على المستوى القانوني على الأقل ـ من “تحول” الدولة نحو “اللامركزية” و”الجهوية الموسعة” والعودة للبعد المحلي والجهوي كرهان تنموي واعد.

ـ هذا الفعل الذي يتم تنفيذه في إطار جماعي مع مجموعة/مجموعات محلية (جمعيات، تعاونيات، جماعات، منظمات…) يحمل بعدا ثقافيا قويا، ويسمح بتأسيس التضامن ويحافظ على القيم المرجعية المشتركة التي تستمد أصولها من التاريخ المشترك لقبيلة “آيت حديدو” كلها، مما يشكل وعيا جماعيا بمشاكل المنطقة (انتخابات 8 شتنبر أفرزت برلمانية من المنطقة لأول مرة، ونائب رئيس جهة “درعة ـ تافيلالت”، وأعضاء في المجلس الإقليمي لعمالة “ميدلت”) وظهور دينامية اجتماعية كبيرة.

ـ كل “مشروع تراثي” يستمد أصوله من ثقافة المنطقة وتاريخها يستمر في الزمن، وهو بهذا يحافظ على موروثها الثقافي ويُديم التراث القافي فيعيد تكوين هوية ثقافية جماعية تستمد مشروعيتها من إحالات الماضي، وتنفتح بها اليوم ومستقبلا على عالَمٍ عَوْلمي لا يعترف بالهويات المحلية ولا بثقافة الشعوب المختلفة (لا سيما الهوية الرأسمالية/هوية الاستهلاك بالدرجة الأولى).

ـ إن التمسك بالتراث الثقافي وتسويقه وتقديمه في حلة جديدة، وترويج صورته التسويقية مع شركاء ثقافيين من داخل الوطن ومن خارجه، ومع شركاء سياسيين وجمعويين واقتصاديين محليين وخارجيين يؤدي إلى خلق ديناميات اقتصادية كبيرة جدا، ترتبط تحديدا بالعوائد المادية التي تنتج عن “تسييح التراث الثقافي”، كما ترتبط بالرواج الذي تَخْلُقه الصورة التسويقية للمنطقة أثناء المناسبات الثقافية أو خارجها، وما يترتب عن ذلك من تسويق المنتوجات المحلية وترويج الحركة الاقتصادية، لا سيما أن المنطقة تزخر بمؤهلات طبيعية كبيرة (بحيرتان، مغارات، جبال، مياه…) تنضاف لغنى ثقافي زاخر.

ويتضح من الدراسة الميدانية أن الفعل الثقافي – فيما يبدو – هو عبارة عن “قنطرة عبور” أو “ممر إلزامي” لتحقيق التنمية المحلية، فمهما كانت استراتيجيات الفاعلين وطبيعة تدخلاتهم والأهداف أو المصالح التي تحركهم (سياسية، اقتصادية، ثقافية، إنسانية، قبلية، رأسمال رمزي، إلخ)، فإن طبيعة تدخلاتهم تسمح بتعزيز التراث الثقافي المحلي للمنطقة، الذي يصبح عاملا بارزا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمجالية والثقافية، وذلك على الرغم من تحفظ/معارضة بعض الشباب من جعل التراث الثقافي تراثا تسييحيا “مبتذلا لا يحافظ على الدلالات التاريخية والأنثروبولوجية والاجتماعية والرمزية التي ميزت المنطقة عن غيرها”، متهمين الفاعلين بـ “تزييف التراث” و”التسييح” و”التسويق” المناقض للسياقات التاريخية الأولى التي أفرزته.

     تحديد النموذج

وعلى طريقة الباحثين المجدين المجتهدين، فقد تمكن الباحث يوسف أقسو من التحقق من أن الفاعلين يقدمون نفس العناصر البنيوية، فإن ذلك دفعه لصياغة نموذج يجعل من الممكن فهم الظروف التي يكون فيها الفعل الثقافي عاملا أساسيا للتنمية المحلية الشاملة، وهذا النموذج يتألف، حسب الباحث يوسف من عناصر هامة:

ـ حالة أزمة عميقة تتطلب إيجاد حلول لها على المستوى المحلي.

ـ.فاعل وسيط ينتمي إلى المجتمع المحلي متطوع ويؤمن بالابتكار وروح المبادرة.

ـ عمل جماعي في ظل إطارات قانونية من قبيل الجمعيات والتعاونيات والجماعات المحلية.

ـ تفكير في مسألة التنمية ومحاولة تجاوز حالة الأزمة وخلق فرص لذلك.

ـ تشكيل هوية ثقافية قوية تجمع الفعل التطوعي وتجعل من الثقافي المشترك قاعدة ينتسب إليها الجميع.

ويؤدي التأليف بين هذه العناصر إلى “توحيد” القوى المحلية ويولد دينامية محلية للتنمية، حيث اعتبر هذا النموذج صالح، على الأقل، في المنطقة الحالية، حيث أن الفاعل المحلي هو استجابة لحالة أزمة “وجودية” (أزمة اقتصادية، أزمة اجتماعية، تراث ثقافي غني أريد له النسيان، إلخ) في المجتمع المحلي، غايته توحيد القوى وخلق الديناميات التنموية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي