شارك المقال
  • تم النسخ

ملف: التّطرف العنيف يرهب المدنيين الأبرياء ويغرّر بالمهمشين الفقراء

استشراف التطرف العنيف في العالم أضحى من أهم التحديات التي تهدد السلم والأمن الدوليين، فالخوف من الآخر المختلف بات أمرا اعتياديا في عصرنا الحالي، وذلك بسبب التهديدات والأفعال العنيفة الصادرة من بعض المتطرفين اتجاه من لا يتشارك معهم العرق أو اللون أو الدين، وفي أحيان أخرى يعطي المتطرف لنفسه أحقية استلاب أفراد أو حتى مجتمعات من هويتهم ونعتهم بنعوت من قبيل “كفار” و “مرتدين” لمجرد أنهم لا يتبعون أفكاره.

وغالبا ما يتأخذ المتطرفون المتبنيون للعنف من التأويلات لبعض التعاليم الدينية المحرضة على الكراهية والعنف، أو من إعلاء صوت القومية أو العرق، ذريعة لترصد ضحاياهم الذين يكونون في غالب الأحيان من المواطنين العزل الأبرياء، مما يحرض أطرافا أخرى على تبني العنف المضاد ويكونون عرضة لتبني أيديولوجيات عنيفة مضادة.

“الكراهية لا تنتهي بالكراهية بل بالمحبة” كانت أبرز الحكم التي سقطت في عقل بوذا وهو يتأمل أسباب معاناة البشر تحت شجرته المفضلة، ولعل هذه الحكمة تساوي قيمة التفاحة التي أخبرت العالم نيوتن بسر جاذبية الأرض، فالمحبة هي سر السلام العالمي، وهي المشترك الإنساني الذي رجحه خبراء العصر الحالي لنبذ الكراهية والتطرف العنيف، وتقبل التعددية والتنوع والاختلاف.

من جهة أخرى، الراديكالية لا تشكل تهديدا للمجتمع إن لم ترتبط بالكراهية والتحريض وأعمال العنف، بل أنها قد تكون قوة للتغيير الإيجابي، فعلى سبيل المثال الناشطون الذين حرصوا على إزالة الرق و العبودية أو أولئك الذين دعوا إلى اقتراع عام كانوا ينعتون في وقت من الأوقات بالراديكاليين لأنهم وقفوا ضد المواقف السائدة في مجتمعاتهم آنذاك، لذلك يجب تجنب الخلط بين التطرف العنيف و الراديكالية.

ومن أجل تدقيق أكبر لمفهوم التطرف العنيف استعنا بأستاذ علم الاجتماع والباحث في سوسيولوجيا الأديان، رشيد الجرموني، الذي عرفه في تصريحه لـ”بناصا”، بأنه: “هو كل فعل أو سلوك عنيف يقوم به شخص أو اشخاص باسم الدين أو باسم الأيديولوجيا أو المصالح الاقتصادية والسياسية والبيئة حتى لإرغام الاخرين على القبول. وبهذا المفهوم تزول كل تلك الكليشيهات التي تلتصق بالدين الاسلامي أو بالأديان فقط، فرغم أن الإعلام قد سوق لفكرة الربط بين الاسلام والارهاب والعنف، فإن البحث العلمي لا يتماهى مطلقا مع هذه الموجة، وبالتالي فعلى الباحث أن يكون حذرا في التعاطي مع المفاهيم التي يستعملها الحسن المشرك ومنه بطبيعة الحال الإعلام”.

تأويل سيء

في الجانب الإسلامي لعب التأويل دوراً بارزاً في مفاهيم الناس، وكانت له نتائج خطيرة في حياتهم، خصوصاً تلك التأويلات التي جرت على المسلمين محناً شتى بسبب سوء الفهم لكثير من القضايا الإسلامية.

في هذا الخصوص، يرى الباحث في الدراسات الإسلامية، محمد عبد الوهاب رفيقي، أن التأويل السيء للدين يساهم بشكل كبير في نشر التطرف وفي تعزيز الكراهية بين الأمم و الشعوب، ويقول في حديثه لـ”بناصا”: “الفكر الإسلامي والعقل الإسلامي في حاجة إلى أن يبدل طريقة تعامله مع هذه النصوص، وإشاعة التأويلات التي تعزز قيم التسامح والتعايش والتنوع، هي التي يجب أن يكون لها مكان في الإعلام، ويجب أن تسوق للمجتمعات الإسلامية على أنها هي المتوافقة مع مقاصد الدين و غاياته، الكثير من الإشكالات التي نعانيها اليوم مرتبطة بشكل كبير بالفهم المغلوط وبهذه التأويلات السيئة”.

ويسانده في ذلك الأستاذ و الباحث في علم الاجتماع، عزيز حلاوى، الذي يقول لـ”بناصا”، إن الخطاب المتطرف لا يعترف بالاختلاف والعيش المشترك، وإن هذا النوع من الخطاب يأدي إلى مزيد من التمزق وفرض رأي الأقلية على الأغلبية بدعوى تأويل ديني خالص، ويضيف: “فسر الباحث البحريني أحمد البديري في كتابه نصوص متوحشة السياق التاريخي والسياسي الذي مكن نصوص التوحش من شرعيتها الدينية، فنصوص ابن تيمية لازالت تدرس في الجامعات والمدارس الدينية وبعض السياسيين يعتبرونها دستورهم، لا تتردد هذه النصوص في تكفير المخالفين بل تحت على قتلهم باعتبارها أحكاما شرعية”.

مواجهة التطرف

في الوقت الراهن، يعتبر التطرف العنيف من أبرز الآفات التي يعاني منها العالمي الإسلامي والعربي خاصة، مما أضحى يتطلب الوقوف في وجهه واجتثاثه من مجتمعاتنا.

ومن الحلول التي يقترحها حليم المذكوري، خبير في قضايا التطرف، هي المواجهة الأمنية، فهو يرى وفق ما قاله لـ”بناصا”، أن: “من وصل مرحلة التطرف والاقتناع باستعمال العنف لا تصلح في مواجهته إلا الأدوات الأمنية والقانونية، فالتجربة علمتنا أن اعتقال هؤلاء يكون فرصة لهم لمراجعة أنفسهم وأعمالهم داخل السجون، حيث أن الضغط الذي كان يمارسه محيطهم المتطرف يختفي، وبعد تفكير طويل يصبح المتطرف على استعداد للانفتاح الذهني واستقبال أفكار جديدة، وفي هذه اللحظة يأتي دور الجهات المسؤولة للتواصل معه وحثه على تبني أفكار جديدة أكثر اعتدالا”.

ومن جهته، يقول محمد عبد الوهاب رفيقي في التصريح ذاته: “يمكن توظيف الخطاب الديني بشكل كبير جدا ضد التطرف، لما يملكه من قدرة وتأثير في المجتمعات الإسلامية، ولما يملك من عمق في هذه المجتمعات برجوع الناس له و الثقة به، كما أن له قدرة كبيرة على توجيه الرأي العام نحو قيم التسامح والتعايش والتعددية”.

عوامل اقتصادية واجتماعية وتربوية

في دراسة أجراها الأستاذ والباحث رشيد الجرموني يؤكد أن واقع الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية، يؤدي إلى بروز العديد من المظاهر والظواهر، ليس آخرها ظاهرة الإرهاب. ففي ظل ظروف التهميش التي تطال العديد من أحزمة المدن العربية والإسلامية، بل وحتى الأوربية، نجد أن الأفراد يعيشون أزمة مزدوجة; تتمثل في كونهم يعيشون في مجتمعات تسير بوتائر تنموية متعددة المسارات. إذ في الوقف الذي لا يجد فيه الشاب العاطل عن العمل والذي لا يتوفر على مؤهل مهني ومعرفي يساعده على الاندماج في سوق الشغل والحياة الاجتماعية، تتوفر لديه عبر التدفق الاعلامي الالكتروني، العديد من المغريات والإغراءات التي تحفزه على الانخراط في مغامرة البحث عن تحقيق الأمن المادي والاجتماعي والنفسي والعاطفي حتى.

وفي نفس السياق، يقول الأستاذ والباحث عزيز حلاوى في التصريح نفسه: “في كتابيه سكن الجنس والإسلام، وتطرف و إرهاب يربط الباحث السوسيولوجي عبد الصمد الديالمي بين ظاهرة الاكتظاظ في الأحياء الشعبية والتطرف والإرهاب، الناتجين عن عدة عقد وإشكالات نفسية واجتماعية، يغذيها في الغالب انتشار التدين المتطرف وأماكن العبادة غير رسمية التي يتم فيها تسريب خطاب التطرف بعيدا عن المؤسسات الدينية الرسمية، كما أن الحرمان الجنسي بسبب مشكل السكن يزيد من تغذية التطرف و الكراهية”.

ويضيف إلى ذلك الباحث حليم المذكوري أنه: “ليس من السلبي دائما أن يحمل الشباب هم دينه ومجتمعه، بالعكس نحن في حاجة لمثل هذا الشباب ولكن حتى لا يتم استغلال حماسهم في اتجاه سلبي، يجب توجيههم عبر نظام تربوي وبيداغوجي إلى التعبير عن أنفسهم في اطار قانوني بدون عنف، ويجب على الأساتذة في المدارس فتح النقاش مع الطلبة لكشف مواقفه وأفكاره وتتبعها وتوجيهها، أحسن من أن تتم مناقشته في أماكن قد تفرخ الإرهاب، كما أن دور الآباء أيضا ضروري لأنهم أول من يجب أن يلاحظ التغيير وأن يحاولوا تصويبه”.

أحداث فرنسا

واجهت فرنسا، مؤخرا، موجة غضب شديدة من المسلمين في جميع أرجاء العالم، وذلك بسبب عرض أستاذ تاريخ فرنسي لرسوم مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث عبر المواطنون وحكومات الدول الإسلامية عن إدانتهم لهذه الإساءة بطرق سلمية اقتداء برسول الإسلام في تعامله مع المسيئين إليه، لكن أصحاب الفكر المتطرف العنيف كان لهم توجه آخر وهو استهداف أشخاص أبرياء لا دخل لهم في هذه الإساءة لا من قريب ولا من بعيد.

وقد اختلفت ردود الفعل حول طريقة تعامل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع حدث مقتل الأستاذ الفرنسي بين متفهم ورافض لها، حيث يعتبر حسان القبي، الباحث التونسي في الاقتصاد السياسي بالجامعات الفرنسية، أن ماكرون من خلال حفل تأبين الأستاذ الفرنسي أراد الإظهار للعالم أن فرنسا مازالت متواصلة في قيمها الأممية المعروفة مثل الحرية والعدالة، و يضيف: “لكن هذه المرة تصادفت حرية التعبير في اختلاف رأى مع ضرورة احترام الأديان السماوية، لذلك كانت هناك موجة غضب في العالم العربي كبيرة جدا، وماكرون فهم جيدا هذا الغضب، لكن هذا لا يبرر الأعمال الإرهابية التي ذهب ضحيتها الأبرياء”.

أما سعيد ادا حسن، الباحث في جامعة كومبلوتنسي والمتخصص في الجماعات الجهادية، فيرى أن تصريحات ماكرون عنصرية ضد المسلمين يجب وضعها في سياقها السياسي. ويقول لـ”بناصا”، إن: ” الوضعية السياسية الحرجة، دفعت ماكرون إلى البحث عن الخلاص، فوقع اختياره على سياسة التصعيد والتطرف نحو اليمين من أجل تفويت الفرصة على اليمين المطرف، أي حزب “الجبهة الوطنية” بقيادة مارين لوبن، الذي يسعى إلى إزاحته من المشهد والاستفراد بريادة اليمين الجمهوري”.

اختلال علاقات

تشير الأزمة الحالية التي أثارتها الرسوم المسيئة للرسول الكريم، إلى سلسلة من الملفات التي تتصادم فيها أنقرة مع باريس، تبدأ من قانون إبادة الأرمن إلى رفض فرنسي قطعي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مرورا بالصدام في ملفات ليبيا وشرق المتوسط وسوريا، وصولا لأفريقيا التي باتت تركيا تهتم بها.

هذا ما جعل محلل الاقتصاد السياسي حسان القبي يتهم الرئيس التركي، الطيب أردوغان، بشخصنة قضية الرسوم المسيئة بينه وبين ماكرون، وذكر لـ”بناصا”، أن: “أردوغان استعمل تصريحات الرئيس الفرنسي من أجل تجييش العالم العربي والاسلامي، وأعتقد أنه نجح في ذلك، جر الرئيس ماكرون إلى ميدانه الذي يصعب اللعب فيه وهو الدين، ونعتقد أن خطاب الكراهية الذي يأتي من تركيا حتى ولو لم يكن له علاقة مباشرة بالأحداث الأخيرة، فإن من شأنه أن يحرض بطريقة أو بأخرى”.

ويخالفه في ذلك الباحث سعيد ادا حسن، حيث يرى أن الرئيس ماكرون فشل في ثني عزيمة الزعيم التركي رجب طيب أردوغان عن المضي قدما في توسيع النفوذ الاستراتيجي لتركيا شرقا وجنوبا، “مما دفع ماكرون إلى صب جام غضبه على مسلمي فرنسا وعلى الإسلام عموما وهو بهذه السياسة الرعناء يحول، من حيث لا يدري، الرئيس أردوغان إلى وصي على المسلمين أو كما تسميه الصحافة الفرنسية تهكما وتهجما وتخوفا: خليفة للمسلمين”، حسب ما قاله لـ”بناصا”.

و من جهته، فإن الأستاذ و الباحث في علم الاجتماع، عزيز حلاوى، يرى أن اختلال العلاقات الدولية يزيد من خطاب الكراهية والتطرف و التكفير، حيث يقول إن: ” الصراع في سوريا واليمن ولبنان وليبيا هو في جوهره صراع طائفي ديني، فالعلاقات الديبلوماسية المعقدة غالبا ما تكون مبررا لتدخل الدول الغربية في هذه الصراعات، وبالتالي ننظر إلى الغرب مرة أخرى أنه وراء إشعال فتيل هذه الحروب، ويشار إليه بأنه عدو بغيض فتتغذى روح الكراهية و التطرف إزاءه”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي