Share
  • Link copied

مقالة أحمد الشرعي المتوحشة ومحاولة طمس مكاسب الشخصية المغربية في واقعة أمستردام!

قد تكون من بين الأسباب التي دفعت أحمد الشرعي إلى كتابة مقالته المستميتة في الدفاع عن الصهيونية القاتلة، هو ضغوط اسرائيلية لطمس ما أنجزه مغاربة امستردام ضد الصهاينة، الذين اعتدوا بدون سابق إنذار، على الملكية الخاصة للمواطنين وعلى كل من يدافع عن القضية الفلسطينية ضد إبادة الشعب الفلسطيني في غزة.

وقد نصنف مقالة الشرعي، الذي ينشط على مستوى تقاطع بين المجتمع من خلال الإعلام وبين الدولة والمخزن، مقالة لارضاء اسرائيل ولأداء مهمة التوازن باستعمال صفة ثابتة غير مفندة في مخيال المغاربة عنه، وهي صفة الرسمية الكامنة في شخصه وفي علاقاته وفي الدعم الذي تحصل عليه مؤسساته أو مقاولاته الإعلامية، يهدف استفزازي واضح، هو التشويش على صورة اصطفاف معظم المغاربة مع الحق الفلسطيني ومع ضرورة تمتيع الفلسطينيين من حقوقهم التي أقرها لهم التاريخ والقانون والحق. قد تكون مقالة للاستهلاك داخل اسرائيل، لكنها بمثابة طعنة في ظهر المغاربة، الذين يدافعون ليل نهار عن مغربهم، ضد الذين يريدون أن يرسموا صورة تطبيع موغلة في لون التطبيع الأسود مع اسرائيل.

وبالتالي فإن منشوره هذا، قد ينزله البعض منزلة الحديث باسم تيار مخزني يساير اسرائيل، في توجهات معينة أو على الأقل يلبي بعض طلباتها ويستجيب لضغوطها، لاسيما أن المغاربة لم يتوقفوا عن التعبير عن الغضب ضد ما يقع للفلسطينين، من خرق جلي لكل القواعد القانونية الدولية أو الإنسانية أو الأخلاقية. وهو أيضا مقال يدخل في خانة مقالات مدرسة التوحش، التي ترسم القوي صورة البطل الاسطوري الذي لا يقهره الزمن، والتي تتطابق كثيرا مع صورة تيارات دينية متطرفة هنا وهناك.

فالمقالة تحمل جينات زمن الإنسان المتوحش، الذي لم يعش الزمن التاريخي الاجتماعي أي زمن صناعة القانون والحق، زمن عاش فيه البشر تحت تأثير الأساطير والشعائر الغريبة، زمن لا يعرف الأخلاق أو الذوق الانساني في التمييز بين العنف واللاعنف. وبذلك فهي مقالة تستفز المغاربة وتثير عصبيتهم وحميتهم، التي قد تدفع البعض في التفكير في سلوك عنيف أقله سب الدولة التي احتضنت مثل هذه العينة من البشر، الذين خانوا ثوابتها التي رسخها ملك الملك لاسيما عندما ربط فلسطين بالقضية الوطنية. الغرابة أن يخرج من بطن الدولة من ينقلب على هذه الثوابت، مدعيا أن إسرائيل تملك قضاء دولة ديمقراطية لا يحق للقضاء الدولي أن يتدخل فيها، ويا ليت الشرعي يكون بهذه الشراسة والتوحش متحدثا باللغة الانجليزية، عندما يتصدى المغرب لمحاكمات دولية في محاكم أوروبا بخصوص حقوق الانسان أو فيما يتعلق بالاتفاقيات الفلاحية التي تشمل الصحراء المغربيه!

ليس المهم عند الشرعي أو من دفعه، في سبيل تصفية الحسابات مع مغاربة امستردام، أن يستغل مخرجات النزاع أمام محكمة الجنايات الدولية بخصوص إبادة الشعب الفلسطيني في غزة، والتي افرزت قرارا باعتقال مجرمي الحرب نتنياهو ومن معه، وإنما المهم هو استغلال الفرصة لطمس الرصيد الرمزي الذي حققته الشخصية المغربية، في دفاعها السلمي عن تحرير فلسطين والقدس، وبالتالي المهم هو عودة سردية المغرب المطبع صديق اسرائيل!

لم يترك الشرعي لكليات وفقهاء الحق والقانون ولطلبة هذه التخصصات، أي أمل في أن يستمتعوا فكريا بالقدرات الخارقة للقضاء الدولي في تعليل القرارات، أو في صناعة القاعدة الفقهية والقانونية، أو أن يتعلموا هذه الصنعة من جهاذبة القضاء الدولي، بل يقول لهم الشرعي، أن قضاء اسرائيل هو أرقى فكرا وأكثر استقلالية من هذه المحاكم الدولية، لأنه قضاء دولة ديمقراطية، مع مفارقة عظيمة أنه قضاء أبكم لكنه يرى ويسمع ويعاين خروقات اسرائيل في التعامل مع الأسرى، ومع قواعد الحرب دون أي رد فعل يليق بالقضاء، فهذا أمر طبيعي، لأن هذا القضاء الاسرائيلي هو جزء من الاحتلال ويعيش على أرض مغتصبة، وهو أحد اذرع الكيان الصهيوني في التبرير القانوني والقضائي للاغتصاب وفي الوجود بعنف. بذلك فهل يمكن أصلا ومبدئيا، أن نفكر في وضع مقارنة بين قضاء محايد ومستقل، وبين قضاء شريك في الجريمة، فمتى وأين كان الخصم هو نفسه الحكم؟!

وإذا ما حاولنا قراءة التاريخ بالمقلوب، كما يقول عدد من المؤرخين والفلاسفة، أي قراءة الماضي انطلاقا من الحاضر، فإننا حتما سنصل إلى خلاصة كبرى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بحيث أن الماضي لم ينقطع عن الحياة وسطنا، وعن التحول إلى حاضر متجدد. فللماضي وظيفة اجتماعية لأنه تلك الحقبة الزمنية التي أسست لحاضر نتذكره بشكل فردي ومباشر ولا نحتاج لمن يذكرنا به.

هذه القراءة بالمقلوب ستوصلنا إلى الوقائع التي أدت إلى طوفان الأقصى. وعلى رأس هذه وقائع الماضي هاته، سنجد رفض اسرائيل لجميع مقترحات الحلول، رفض حل الدولتين التي يدعو إليها المغرب والعرب والمجتمع الدولي، استمرار محاولات تهويد القدس، هدم البيوت وتهجير الشعب الفلسطيني إلى آخره من فصول قاموس العلو والغطرسة الصهيونية..

فأتساءل ماذ لو عاش أحمد الشرعي زمن الاستعمار الفرنسي للمغرب، هل كان سيساند المقاومة المغربية التي نكلت في فصول كثيرة بالفرنسيين، أم كان سيكون ضمن لائحة المحميين، رفقة الكلاوي، الذين نقلوا المغرب من حماية ب”التقسيط” خلال القرن 19 مع إرتفاع عدد المحميين، إلى حماية ب “الجملة” مع معاهدة الاستعمار 1912؟!

لذلك فإنه ربما يتعين استنطاق الشرعي قضائيا، فقد تكون هناك من العناصر المادية والمعنوية والقانونية ما يؤسس لمتابعته قضائيا، لأنه بمقالته هاته، تجاوز حدود الانتماء إلى ثوابت المملكة المغربية، وصار يشيد بالعنف وبالقتل والإبادة ويحرض على الكراهية وهي كلها مواد تحدث عنها القانون الجنائي المغربي، بل و توبع عدد كبير إلى حد الآن بواسطتها، فأصبح يمشي على خط رفيع، بين خيانة القيم والحقوق الإنسانية التي عبرت عنها محكمة الجنايات الدولية، وقواعد القانون المغربي الذي يرفض الإشادة بالعنف والقتل، وبين فرضية خدمة أجندات، وصفها كثيرون بأنها خبيثة، تفرق بين المغاربة، ولا تخدم المجتمع المغربي، وبالتالي لا تخدم الدولة المغربية ككل.

Share
  • Link copied
المقال التالي