Share
  • Link copied

معهد واشنطن: الظروف تغيرت في ليبيا.. وإعلان القاهرة نهاية لحفتر

نشر معهد واشنطن ورقة سياسية حول ليبيا لـ“بين فيشمان” المدير السابق لشؤون شمال إفريقيا في “مجلس الأمن القومي” الأمريكي يقول فيها إن الحرب الأهلية في ليبيا اتخدت منعطفا حاداً لكنها لا تزال بعيدة عن نهايتها. فخلال الأيام القليلة الماضية، تمّ أخيراً رد الهجوم الذي دام 14 شهراً بقيادة اللواء خليفة حفتر، حيث استردت قوات متحالفة مع “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها من قبل الأمم المتحدة السيطرة على طرابلس بأكملها، واجتاحت أيضاً معاقل حفتر في بني وليد وترهونة بمقاومة أقل بكثير مما كان متوقعاً.

ويقول “بين فيشمان “ إنه في 6 يونيو، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اللواء حفتر إلى القاهرة إلى جانب عقيلة صالح الذي كان خصماً له في وقت ما ويشغل حالياً منصب رئيس “مجلس النواب” في شرق ليبيا الذي لا يزال إسمياً جزءاً من المؤسسات المعترف بها في إطار “الاتفاق السياسي الليبي” إتفاق الصخيرات لعام 2015. وهناك كشف السيسي عن “إعلان القاهرة” الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار ووضع خطة انتقالية سياسية معقدة.

وتفصّل الخطة المتعددة الأجزاء اقتراحاً قدمه صالح في أبريل الماضي يقضي بإجراء انتخابات “المجلس الرئاسي” (الهيئة الحاكمة المشرفة على “حكومة الوفاق الوطني”) على أساس المناطق التاريخية في ليبيا الشرق والغرب والجنوب.

ويُعتبر “إعلان القاهرة”، حسب “بين فيشمان” هزيمة سياسية لحفتر تُضاعف من خسائره العسكرية. فقبل بضعة أسابيع فقط، كان يندّد علناً بالاتفاق الذي أفضى إلى إنشاء “حكومة الوفاق الوطني” قبل خمس سنوات. لكن السيسي أرغمه الآن دعم الحوار الوطني الذي أعاقت حملته التي دامت لأشهر ضد طرابلس قيام هذا الحوار. وأفادت بعض وسائل الإعلام المصرية بأن حفتر مُحتجز في القاهرة إلى أن يحل محله زعيم شرقي بديل. وقد تعتمد قدرة حفتر على الصمود الآن على نظرة الإمارات إليه بعد الهزائم الأخيرة التي مني بها في أرض المعركة.

ويضيف “بين فيشمان” أنه على أي حال، رفض رئيس وزراء “حكومة الوفاق” فايز السراج وقف إطلاق النار المقترح من قبل مصر، في حين أشار وزير الداخلية فتحي باشاغا إلى أن قوات “حكومة الوفاق” ستوقف هجماتها بعد أن استولت على سرت، ومنشآتها النفطية المجاورة، والجفرة، وعندئذ فقط ستتفاوض مع “الجيش الوطني الليبي”. وتعكس هذه التصريحات التوازن الصعب لتحالف “حكومة الوفاق” بين الضغوط الداخلية لمواصلة التقدم والضغوط الدولية لوقف القتال.

وتقول ورقة “بين فيشمان” أن تركيا أثبتث نفسها كالجهة العسكرية الفاعلة الرئيسية في ليبيا بعد أن ساعدت “حكومة الوفاق الوطني” على إلحاق الهزيمة بحفتر والمئات من شركة “فاغنر” الروسية، والطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي الإماراتية. ويبقى حجم الاستثمارات العسكرية الإضافية التي ستقوم بها أنقرة في طرابلس رهناً بالمراحل التالية من الحرب. وهناك خطر من الانجرار إلى صراع مكلف إذا اختارت روسيا الدفاع عن مراكزها.

ومع ذلك، من المرجح أن يتطلع أردوغان والرئيس فلاديمير بوتين إلى تكرار تاريخهما الحافل بالتكيف التاكتيكي كما تبيّن في كل من سوريا وليبيا، وآخرها انسحاب قوات “فاغنر” من طرابلس دون عوائق. أما فيما يتعلق باحتمالات التوصل إلى ترتيب تركي-روسي أكثر استراتيجية مماثل لـ “عملية أستانا” السورية، فإن أي جهد من هذا القبيل سيواجه مقاومة من كل من الليبيين (بالنظر إلى دوافعهم المناهضة للاستعمار) والقوى الغربية (التي لها مصالحها الخاصة في الحد من النفوذ التركي والروسي في شمال أفريقيا).

ويقول “بين فيشمان” أنه في الأسابيع الأخيرة، قامت إدارة ترامب بنشاط دبلوماسي رفيع المستوى بشأن ليبيا أكثر مما قامت به في الأشهر الثلاثة عشر السابقة. ففي أواخر مايو، وقبل التقدّم الذي أحرزته “حكومة الوفاق الوطني”، ناقش الرئيس ترامب مسألة ليبيا مع كل من أردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واتفقوا جميعاً على ضرورة “تخفيف حدّة التصعيد”. ثم اتصل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو برئيس الوزراء الليبي سراج للمرة الأولى منذ أكثر من عام، وغرّد قائلاً: “وقف إطلاق النار الذي يؤدي إلى حل سياسي هو الخيار الوحيد للشعب الليبي” . وجاءت المكالمة الثانية للرئيس ترامب حول ليبيا مع أردوغان في اليوم التالي.

وتتمثل الخطوة التالية حسب “بين فيشمان” في تعزيز واشنطن انخراطها بثلاثة سبل رئيسية: تشجيع تنوّع الأصوات السياسية في الشرق وعدم الاكتفاء بالمشاهدة، وفضح انتهاكات قرار حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، والتواصل مع تركيا وروسيا للمساعدة على إدارة انسحاب قواتهما من ليبيا.

ويقول “بين فيشمان” أن حفتر تعرّض لانتكاسة عسكرية وسياسية، ومن غير المرجح أن يتمكن صالح من الوصول إلى مستويات مماثلة من السلطة (إلى جانب التنافس مع شخصيات أخرى في الشرق، لا يزال يخضع لعقوبات أمريكية لدوره السابق في زعزعة الاستقرار في ليبيا). لكن ذلك لا يعني أن على واشنطن الاكتفاء بـ”تتبع التطورات باهتمام وسط بحث الأصوات السياسية في شرق ليبيا عن طريقة للتعبير عن نفسها”، كما غردت السفارة الأمريكية في السادس من يونيو على موقع “تويتر”. بدلاً من ذلك، يوصي “بين فيشمان” المسؤولين في الولايات المتحدة والدول الحليفة بالعمل بشكل منتظم على إشراك القادة المحليين من قطاع السياسة والأعمال والمجتمع المدني في الشرق، تماماً كما أشادوا مؤخراً بالحديث الذي أجراه السفير ريتشارد نورلاند مع رئيس بلدية في الغرب. ومن شأن مساعٍ مماثلة أن تشجع مشاركة شرق ليبيا في حوار وطني وتوضح أن الولايات المتحدة لا تؤيد أي شخصية معيّنة.

ويطلب “بين فيشمان” من واشنطن تسليط المزيد من الضوء على التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، على غرار المثال الذي فرضته “القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” (“أفريكوم”) من خلال عرض صور التُقطت عبر الأقمار الصناعية لنشر مقاتلات روسية. ويشمل ذلك تسليط الضوء على العمل الهام الذي يقوم به “فريق خبراء الأمم المتحدة” في تفصيل جميع انتهاكات العقوبات. وحتى لو لم يفعل مجلس الأمن الدولي المنقسم أي شيء رداً على ذلك، على الولايات المتحدة أن تواصل مساعدة فريق الخبراء على فضح الانتهاكات الإضافية وفرض عقوبات من جانب واحد على الكيانات المسيئة (مثل المقاولين العسكريين الخاصين، وتجار الأسلحة، وشركات الشحن). ومن شأن التركيز على وسائل أخرى لنقل الأسلحة أن يعزز أيضاً البعثة البحرية لـ “الاتحاد الأوروبي” في المنطقة، “عملية إيريني”، ذات الموارد الضعيفة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على واشنطن دعم تصويتها لصالح قرار مجلس الأمن رقم 2510 ودعمها البلاغي لوقف إطلاق النار من خلال تحديد الكيفية التي ستسهّل بموجبها آلية منسقة من قبل الأمم المتحدة تحقيق هذه الغاية.

ويدعو “بين فيشمان” في ورقته التي نشرها معهد واشنطن للشرق الأذنى إلى منع إبرام اتفاق روسي-تركي،حيث يرى أن موسكو وأنقرة تستفيدان من سعيهما بشكل مشترك إلى إضفاء الطابع الرسمي على مراكزهما في ليبيا. وقد تكسب تركيا دعم روسيا ضد المعارضة الأوروبية لوجودها في طرابلس وترتيبها البحري المثير للجدل مع ليبيا. وقد تعزز روسيا مكانتها في النصف الشرقي من البلاد، وتعزز مصالحها الاقتصادية المحلية، وتوسع قاعدتها العسكرية في المنطقة، وهي الخطوة الأكثر إثارة للقلق. ومع ذلك، لن يحصل مثل هذا التفاهم بشكل طبيعي، لذا أمام المسؤولين الأمريكيين فرصة لمنعه.

وحسب رأيه ، فإن واشنطن تجنبت حتى الأن فكرة إجراء حوار مع موسكو بشأن ليبيا، على الرغم من اقتراح لافروف على وزير الخارجية الأمريكي بومبيو إجراء حوار، خلال زيارة لافروف إلى واشنطن في ديسمبر الماضي. لقد حان الوقت لعكس مسار تلك السياسة. يتعين على المسؤولين الأمريكيين البدء في التحدث مع روسيا وتركيا لتحديد شروط مقبولة للطرفين لإنهاء الحرب، وسحب أصولهما العسكرية المتقدمة، وحث شركائهما في ليبيا على العودة إلى الحوار الوطني برعاية الأمم المتحدة. يجب إشراك ألمانيا في هذه المحادثات باعتبارها أحد الأصوات المتحدثة باسم المصالح الأوروبية. وحسب اعتقاد “بين فيشمان” فإنه في غياب مثل هذا الانخراط الأمريكي المباشر، سيترسخ الوجود الروسي والتركي بشكل كبير بطريقة تتعارض مع المصالح الأمريكية وتضع ليبيا على طريق التقسيم والصراع المستمر.

Share
  • Link copied
المقال التالي