يأتي خطاب الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة، والذي وجهه يوم الجمعة، انطلاقا من القصر الملكي بالرباط إلى أعضاء البرلمان، ليؤكد ما جاء في خطاب العرش من تعميم للتغطية الصحية، وخطة إنعاش الاقتصاد، وفي سياق تجاوز آثار الأزمة الصحية والاقتصادية، وتوفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي للمملكة. حيث شكلت التنمية الاقتصادية والاجتماعية أهم محور في الخطاب. ويكون بذلك، قد قدم أحد المعالم المهمة للنموذج التنموي الجديد للمملكة، التي يمكن إجمالها في:
ـ إعطاء الأولوية لإنعاش الاقتصاد الوطني، والذي كان المغرب قد أعلن عن هذا الإنعاش في خطاب الذكرى الواحدة والعشرين لجلوس الملك على العرش، لمواجهة التداعيات الاقتصادية السلبية الناجمة عن تفشي وباء كورونا. ومن المرجح غالبا أن إنعاش الاقتصاد الوطني ستعتمد بشكل كبير على الإمكانيات الداخلية.
ـاختيار نهج الدولة الاجتماعية الراعية، عبر تعزيز المجال الاجتماعي من خلال ربط التنمية الاقتصادية بالمجال الاجتماعي، عبر تعميم التغطية الصحية الذي أعلن عنه الملك بمناسبة عيد العرش، والذي أملته الأزمة الصحية التي عرفها المغرب والعالم هذه السنة، والتي أظهرت الهشاشة في القطاع الصحي، إلى جانب توسيع الانخراط في نظام التقاعد، لحوالي خمسة ملايين من المغاربة، الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش، وتعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل، بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار.
ويأتي هذا المشروع المجتمعي في سياق تنامي الطلب الاجتماعي على الدولة الراعية، وفي سياق مختلف الهشاشات الاجتماعية التي عبرت عنها بعض المهن المتضررة من تداعيات كوفيد 19، وفي سياق الهشاشة التي يعرفها قطاع الصحة، حيث ثلثي السكان النشطين (60 في المائة) لا يشملهم نظام التقاعد، وحوالي النصف (46 في المائة) لا يستفيدون من التغطية الصحية، وغالبية السكان النشطين (باستثناء أقلية من العاملين في القطاع الخاص المهيكل) لا يستفيدون من تأمين اجتماعي خاص ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية، وذلك بحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2018 .
أولا: أسبقية إنعاش الاقتصاد الوطني
في مواجهة التأثيرات السلبية لأزمة الوباء على الاقتصاد الوطني والتشغيل، تم وضع خطة إنعاش الاقتصاد في مقدمة أسبقيات هذه المرحلة، التي يسعى المغرب من خلالها إلى تجاوز الاختلالات ومظاهر العجز، وذلك بهدف تجاوز آثار الأزمة، وتوفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي. وتهدف هذه الخطة لدعم القطاعات الإنتاجية، خاصة نسيج المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والرفع من قدرتها على الاستثمار، وخلق فرص الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل.
وترتكز خطة إنعاش الاقتصاد على صندوق الاستثمار الاستراتيجي، الذي كان قد دعا الملك لإحداثه بإسم ” صندوق محمد السادس للاستثمار “. ويتطلع المغرب، عبر هذا الصندوق، إلى النهوض بالإستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص، مع تخويل الصندوق الشخصية المعنوية. وقد رصدت للصندوق 15 مليار درهم، من ميزانية الدولة، بما يشكل حافزا للشركاء المغاربة والدوليين، لمواكبة تدخلاته، والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، دعما لخطة الإنعاش، وتوسيع أثرها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وسيرتكز في تدخلاته على صناديق قطاعية متخصصة، تابعة له، حسب المجالات ذات الأولوية، التي تقتضيها كل مرحلة، وحسب حاجيات كل قطاع. ومن بين هذه المجالات، إعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية، والفلاحة والسياحة. تشمل خطة الإنعاش الاقتصادي كذلك، إعطاء أهمية للفلاحة والتنمية القروية، عبر دعم صمود هذا القطاع، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية، و تعبئة مليون هكتار من الأراضي الفلاحية الجماعية، لفائدة المستثمرين وذوي الحقوق. وهو ما سيمكن من إحداث عدد هام من مناصب الشغل، خلال السنوات القادمة. مما يتطلب العمل على تحفيز الشباب في العالم القروي، عن طريق خلق المقاولات، ودعم التكوين، لاسيما في المهن والخدمات، المرتبطة بالفلاحة.
ثانيا: المجال الاجتماعي
في إطار الحرص على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين، كان الملك قد دعا إلى تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة. وهو مشروع يرتكز على أربعة مكونات أساسية:
ـ تعميم التغطية الصحية الإجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022، لصالح 22 مليون مستفيد إضافي، من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج.
ـ تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة.
ـ توسيع الانخراط في نظام التقاعد، لحوالي خمسة ملايين من المغاربة الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش.
ـ تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار.
وما يميز هذا المشروع المجتمعي هو إخضاعه للتشاور الواسع، مع جميع الشركاء.
تدعو هذه المعطيات إلى استحضار مدى قدرة الاقتصاد الوطني على الاعتماد على الإمكانيات الداخلية في الإنعاش، وهل ستكون له تأثيرات اجتماعية، بسبب ضعف المداخيل مثل رفع الأسعار، وأمام ارتفاع الدين العام الخارجي، سيما أمام توقعات الاقتصاديين المغاربة من احتمالية موجة ثانية، سيتضرر من خلالها الاقتصاد. حيث سبق للخبير الاقتصادي المغربي، إدريس الفينة، أن اعتبر أنه “ستأتي فيما بعد، موجة ارتدادية ثانية اقتصادية، وكل القطاعات التي لم تتضرر اليوم في الموجة الأولى، كالأبناك مثلا، سيأتي دورها في هذه الموجة، التي ستكون ذات ارتداد أكبر. وإذا لم يكن مخطط الانطلاق من أجل إعادة إنعاش الاقتصاد، في المستوى، ولم يتمكن من إعادة إنعاش الاقتصاد بالشكل المطلوب، فإن ارتدادية الموجة الثانية، ستكون كبيرة جدا، وسيكون لها آثار جد سلبية”.
تعليقات الزوار ( 0 )