رأت صحيفة “أوبزيرفر” أن المشادة الحادة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس من جهة، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهة أخرى، قدمت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصارًا أكبر من أي معركة عسكرية.
وتشعر روسيا بالفرح بعد مواجهة ترامب- زيلينسكي، ورغم صمت بوتين على ما حدث، إلا أن الساسة الروس والإعلام عبّروا عن فرحهم بالكمين الذي نُصب لزيلينسكي.
وفي تقرير أعده بيوتر سوير، قال إن المسؤولين الروس نشروا على منصات التواصل الاجتماعي تعليقات أشاروا فيها إلى “التعنيف الشديد في المكتب البيضاوي”، كما كتب ديمتري ميدفيديف، نائب مستشار الأمن القومي الروسي.
وجاء في كلام ميدفيديف: “قال ترامب للمهرج [زيلينسكي] الحقيقة في وجهه: نظام كييف يلعب بحرب عالمية ثالثة، وهذا مفيد، ولكنه ليس كافيًا، فنحن بحاجة لوقف الدعم العسكري” لأوكرانيا.
رأت “أوبزيرفر” أن المشادة في البيت الأبيض كانت لحظة حساب مظلمة، وأنه بدعم من الولايات المتحدة أو بدونه، تستطيع أوروبا تعلم الدفاع عن نفسها وعن أوكرانيا ضد العدوان الروسي
وتقول الصحيفة إن موسكو بدت في الأيام الأخيرة قلقة من إمكانية تغير موقف ترامب من أوكرانيا، وبخاصة بعد زيارة رؤساء كل من بولندا وفرنسا ورئيس وزراء بريطانيا إلى واشنطن، والذين حثوا الرئيس الأمريكي على مواصلة الدعم لأوكرانيا.
وألمح ترامب إلى إمكانية دعم قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا، وهي خطوة رأت كييف وقادة أوروبا أنها مهمة لمنع روسيا من إشعال الحرب مرة أخرى، بعد فشل اتفاقيات وقف إطلاق نار سابقة.
لكن مخاوف موسكو تلاشت عندما وجد زيلينسكي نفسه في كمين ترامب وفانس. وقالت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية: “ضبط ترامب وفانس نفسيهما وعدم صفعهما لزيلينسكي يُعتبر معجزة”. ولم تصدر تصريحات عن بوتين، الذي اتخذ على ما يبدو المقعد الخلفي، مراقبًا الأحداث تتكشف أمامه بشعور من الرضا.
وقال مصدر مطلع على تفكير الكرملين: “لا يحتاج بوتين لأن يعلّق الآن”.
وأضاف: “من الواضح أنه استمتع بمشاهدة العرض، ويعتقد أنه قادر على الدفع بمزيد من المطالب في أوكرانيا. وكان اللقاء أكبر انتصار لبوتين من أي معركة من معاركه العسكرية منذ بداية الحرب”.
وتوقع المصدر مكالمة من بوتين لترامب في الأيام المقبلة، يناقش فيها أن زيلينسكي ليس شخصًا يمكن الحديث معه بعقلانية، ويجب استبداله، وهو شعور تردد في موسكو وبين البعض في واشنطن.
وكتب أليكسي بوشكوف، عضو الغرفة العليا في البرلمان الروسي، على منصة “تلغرام”: “سيبدأ البيت الأبيض الآن بالنظر، وبشكل قريب، إلى مرشحين آخرين للرئاسة الأوكرانية”.
وتعلق الصحيفة بأن تغيير النظام كان دائمًا هدفًا لبوتين، الذي لم يخفِ رغبته أبدًا في تنصيب قيادة جديدة مؤيدة له في كييف. وردّد عددٌ من مؤيدي الحرب الروس على منصة تلغرام ما قالته الدائرة المقربة من أن زيلينسكي “وُلد جاحدًا”.
وكتب “ريبار”، وهو حساب شهير له روابط بوزارة الدفاع الروسية: “بشكل عام، كشف الاجتماع في المكتب البيضاوي مرة أخرى عن الوجه الحقيقي لزيلينسكي: جاحد، ومتغطرس، ووقح، ولا حدود له”.
وبالنسبة للمطلعين على شؤون الكرملين، فإن الحادث يشير أيضًا إلى تحول جوهري في النظام العالمي، حيث لم يعد يُنظر إلى البيت الأبيض باعتباره عدوًا، بل شريكًا لموسكو، الشريك الذي يمكن عقد الصفقات والتفاوض السياسي معه.
وعلّق فيودور لوكيانوف، وهو محلل بارز في السياسة الخارجية الروسية يرأس مجلسًا يقدم المشورة للكرملين، قائلًا: “لقد قلل فولوديمير زيلينسكي من تقدير حجم التحول الذي حدث في السياسة الأمريكية بعد وصول دونالد ترامب”.
وأشار لوكيانوف إلى لحظة الجمعة التي أعلن فيها ترامب أنه لا يقف مع أوكرانيا، بل كوسيط في النزاع، وقال: “هذا تحول أساسي”. ومع ذلك، فمن الباكر إعلان موسكو النصر، نظرًا لطبيعة ترامب المتقلبة.
وعلق أنطون غريشانوف، الباحث في مركز دراسات تابع لوزارة الخارجية الروسية: “في الأمد القريب، من المؤكد أن يضعف هذا التبادل المأساوي الكوميدي موقف زيلينسكي داخل أوكرانيا، ويعطي الدبلوماسية الروسية نفوذًا إضافيًا في تعاملاتها مع الولايات المتحدة”.
وأضاف: “ومع ذلك، لا يزال لدى كل من موسكو وواشنطن وجهات نظر متباينة بشأن عملية التسوية، وقد يجلب مزاج ترامب غير المتوقع الكثير من المفاجآت على الطريق إلى إنهاء الصراع”.
أوروبا أمام امتحان الدفاع عن نفسها
ومع انجلاء الغبار، من الواضح أن اجتماع يوم الجمعة وجّه ضربة قوية لجهود ترامب للتفاوض على اتفاق سلام بين كييف وموسكو، بينما تستعد روسيا لتصعيد هجومها ضد أوكرانيا، التي على وشك فقدان دعمها العسكري الأكثر أهمية.
واختتم لوكيانوف حديثه قائلًا: “الحرب مستمرة”.
ورأت صحيفة “أوبزيرفر” في افتتاحيتها أن المشادة في البيت الأبيض كانت لحظة حساب مظلمة، وقالت إنه بدعم من الولايات المتحدة أو بدونه، تستطيع أوروبا تعلم الدفاع عن نفسها وعن أوكرانيا ضد العدوان الروسي.
استيقظ العالم، وأوروبا تحديدًا، على أكثر الحقائق إزعاجًا. فالولايات المتحدة، التي قدمت نفسها بأنها أمة لا غنى عنها، اصطفت مع أعداء السلام والديمقراطية
وتعتقد الصحيفة أن معاملة زيلينسكي في البيت الأبيض وأمام العالم كانت مدبّرة، وتعبّر عن أكثر اللحظات الدبلوماسية الصادمة في الدبلوماسية الأمريكية منذ عقود.
وفي هذا الأداء الفظ والمزعج للغاية، تعرّض الزعيم الحربي لدولة أوروبية ديمقراطية، تقاتل ضد غزو غير قانوني من قبل روسيا، والذي أدى إلى مقتل مواطني البلد وقصف مدنه دون تمييز، لهجوم شرس وجاهل وكاذب كان مصممًا لإذلاله.
وأشارت الصحيفة إلى أن مشاهدة الرئيس ترامب ونائبه فانس، والهتافات التي أعقبت ذلك والتي أطلقها حلفاؤهم السياسيون من أقصى اليمين، لا بد أن أدت إلى اشمئزاز من رأوها: رئيس أمريكي يستحضر كلمات بوتين والكرملين.
وفي ضوء النهار البارد الذي أعقب ذلك، استيقظ العالم، وأوروبا تحديدًا، على أكثر الحقائق إزعاجًا. فالولايات المتحدة، التي قدمت نفسها بأنها أمة لا غنى عنها، اصطفت مع أعداء السلام والديمقراطية.
وإذا كان شعار “أمريكا أولًا” يمثل ببساطة لحظة محطّمة من العزلة الأمريكية التي لم نشهد مثلها منذ الفترة التي سبقت دخول الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الثانية، فإن هذا سيكون مدمرًا بما فيه الكفاية.
وبينما يجتمعون في لندن غدًا، يجب على الزعماء الأوروبيين، ومن بينهم كير ستارمر، أن يدركوا أن ملامح الأمن الأوروبي والعالمي قد تغيرت.
استجابة أوروبية سريعة مطلوبة
فالدرس الأول الواجب تعلمه، هو أن أمريكا، ومنذ دخول ترامب للبيت الأبيض، لا يمكن الاعتماد عليها في الأمن والاستخبارات وكشريك تجاري. ولم تعد واشنطن الضامن للناتو والأمن الدولي.
ومن خلال تقديم المساعدة لروسيا، التي تقوم بالفعل بأعمال عدائية ضد الدول الأوروبية خارج أوكرانيا، بما فيها بريطانيا، فقد نجح ترامب في توحيد جهوده مع أكبر تهديد يواجه أوروبا اليوم.
وقد انعكس هذا في تعليق كايا كالاس، رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بعد المشهد المهين الذي شهده البيت الأبيض يوم الجمعة، حيث قالت: “العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد”.
وتقول صحيفة “أوبزيرفر” إن هذا يعني أن وقت القرارات الصعبة قد حان، ويجب اتخاذها في العواصم الأوروبية وبسرعة، ليس فقط فيما يتصل بالإنفاق الدفاعي، ولكن أيضًا فيما يتصل بالاعتراف والتواصل مع الجمهور بأن الصراع الأوسع مع روسيا، وبدون دعم الولايات المتحدة، ليس أمرًا لا يمكن تصوره، بل لا بد من الاستعداد له بنشاط.
وتعلق الصحيفة بأن من السهل النظر إلى تصرفات ترامب باعتبارها رد فعل عنيدًا ومسرحيًا ونرجسيًا من فرد غير آمن إلى حد كبير، إلا أن التداعيات أكبر من ذلك بكثير. فتنازل واشنطن عن الزعامة والدعم لأوكرانيا يتطلب استجابة أوروبية سريعة وموحدة دون تحفظات.
تعليقات الزوار ( 0 )