شارك المقال
  • تم النسخ

مسجد “تينملال”.. معلمةٌ تاريخيةُ بقيمة رمزية كبيرة في منطقة “كبدانة”

وسط جبالِ كبدانة، بإقليم الناظور، تقع تينملال، المنطقة التي تبعد عن مدينة زايو بحوالي 10 كيلومترات، والتي هجرها العديد من سكانها، بسبب البعد عن الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم، غير أن الانفصال عن الأصل لم يدم طويلاً، حين اختار مجموعةٌ من “الراحلين”، تأسيس جمعية لتنمية القرية الصغيرة، وخاصة، مسجدها التاريخيَّ.

تنتمي تينملال لجماعة أولاد داوود ازخانين بإقليم الناظور، وهي مكونة من عشرات البيوت، التي بني أغلبها من الطين والحجارة، باستثناءات قليلة شيدت في السنوات الماضية. في وسط هذا الدوار، يقع مسجدٌ يرجع تاريخه لبضعة قرون، عُرف في قبيلة كبدانة، بكونه منارةً علمية تستقطب طلاب العلم والأئمة البارزين في المنطقة.

ويعتبر مجموعةٌ من الباحثين بأن منطقة تينملال، تعتبر من أول الأماكن التي عرفت استقراراً للسكان وتشكيل تجمع أشبه بالدوار، قبل أن يقوموا ببناء مسجد، وهي السمة الأساسية، التي ميزت مختلف القبائل المغربية، حيث يعتبر المعبد، أول ما ينشئونه بعد أن يستقروا، وهو ما حدث في تينملال أيضا، في القرن الثامن عشر الميلادي، على أرجح الأقوال.

وعقب التأسيس، أولى سكان المنطقة، اهتماماً كبيراً بالمسجد، وحاولوا استقطاب الأئمة البارزين من الأماكن المجاورة، مع حرصهم على ترميمه، بمرور السنوات، حيث تُرجع الروايات الشفهية التي حكاها أهالي تينملال لـ”بناصا”، آخر ترميمٍ، قبل دخول إحدى الجمعيات مؤخرا على الخط، وجمعها تبرعاتٍ بغيةَ بناء مسجد ثانٍ مجاورٍ، مع جعله داراً لتحفيظ القرآن، للقرن الماضي.

وتوضح الروايات، بأن الترميم ما قبل الأخير للمسجد، كان في القرن الـ 19، ما بين 1830 و1880، حيث عمد مجموعة من سكان تينملال، لبيع بعض من أراضيهم في منطقتي “تيجوت” و”تيمزوجين” في السفح الآخر لجبل “البوتيات” المجاور للقرية، من أجل توفير المبلغ المالي الكافي، لهذه العملية، وهو ما يؤكد، وفق باحثين، الدور المركزي للمسجد في حياة الأهالي.

وعن موضوع المسجد، يقول الحسين أجعير، الباحث في التاريخ، في أحد مقالاته البحثية، إن الروايات الشفهية تُجمع على أن عمره يزيد عن القرنين، مع وجود من يؤكد بأن العمر يناهز الـ 3 قرون، وهذا مقبول، لأن منطقة تينملال، من أقدم المناطق تعميراً، مردفاً: “ونعرف في الثقافة المغربية، أن أول شيء يفعلونه أثناء توطين أي منطقة، هو بناء مسجد”.

ويتابع أجعير، بأنه، بالرغم من “الطابع الشعبي لهذا المسجد، إلا أنه يحمل مخزوناً عمليا ومعرفيا وحضاريا بالغ الدلالة والأهمية، خصوصا أن الطلبة، والشيوخ الذين درسوا في هذا المسجد، الذين درسوا فيه خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، يستحضرون ويتذكرون لحظات التحصيل العلمي ويرونها”.

ويضيف الباحث بأن “المسجد عمل أيضا، على ترسيخ ثقافة الخير والقيم المغربية الأصيلة القائمة على التضامن والتآزر والمحبة”، كما أن “أهالي المنطقة نسجوا مع المسجد، علاقات غرامية وعوفوية، ويعتبرونه جزءاً من طفولتهم وتاريخهم، لم يزدها الزمن إلا رسوخاً”، مسترسلاً في ذكر عدد من الشيوخ والعلماء الذين درَسوا أو درّسوا فيه، من بينهم الشيخ الفقيه “سي محمد بن قدور”، و”حمو الشكري”.

وأشار الباحث إلى أن المسجد، تحول إلى منارة علمية ومعرفية، خلال تولى الشيخ “محمد بن عمر برسول الكبداني”، خريجُ جامعة القرويين بفاس، زمامه، خلال النصف الأول من القرن الماضي، حيث درس العديد من الطلاب، الذين مثلوا لاحقاً الجيل الذهبي لأسرة التعليم في المغرب بعد الاستقلال عن الحماية الفرنسية الإسبانية.

وينبه أجعير إلى أن الكاتب أوجيست مولييريس، صاحب كتاب المغرب المجهول، الذي كتب خلال القرن التاسع عشر، أورد بين ثناياه، مجموعةً من الحقائق، ووقف كثيرا عند قبيلة كبدانة، كما تحدث عن مسجد الزاوية “الزاوخث”، ومسجد “ازخنين”؛ الذي قول شيوخ المنطقة إنه مسجد تينملال، مردفاً بأن الكاتب نبه إلى أن المسجدين كانا الأشهر، وكان الأهالي يقدمون الذبائح بكثرة لجلب الفقهاء المشهورين.

ومن جانبه قال نور الدين شوقي، الباحث في تاريخ منطقة كبدانة، في تصريح لجريدة “بناصا”، إن تاريخ بناء المسجد غير معروف بالتحديد، لكن، بعض المصادر التاريخية، تذكر بأنه كان موجوداً في سنة 1883 ويستقطب الطلبة، الذين كانوا يتوافدون عليه من كافة مناطق كبدانة، إلى جانب بني يزناسن والريف الغربي”.

واسترسل شوقي بأنه من أبرز الشخصيات التاريخية التي درست الطلبة في مسجد تينملال، هناك “الإمام والقاضي حمو الشكري، وهو من قلعية وكان ذلك سنة 1923، ومحمد بن عمرو برسول، وهو والد رئيس المجلس العلمي بالناظور حاليا، وكان ذلك خلال أواسط سنوات الأربعينيات”، مشيراً إلى أن المسجد، كان يُدرس فيه “القرآن، الأجرومية، ألفية بن مالك، إلى جانب الفرائض والدروس الفقهية”.

وأبرز الباحث نفسه، بأن “الطلبة الذين كانوا يدرسون في مسجد تينملال، كان يتم تقسيمهم إلى أفواج، فوج للمتبدئين، وهو بدوره ينقسم لقسمين، صغار السن، وكبار السن، وفوج للمتقدمين”، متابعاً: “بخصوص الطلبة الذين كانوا يأتون من المناطق البعيدة، فقد كانوا يبيتون في المسجد، بجناح خاص للمبيت، وآخرون تتكفل بهم عائلات تابعة للقبيلة، يوفرون لهم المسكن والمأكل والمشرب”.

وذكر شوقي، بأن “المسجد، كان يسير تاريخيا، من قبل الفقيه، وبمساعدة معاونيه من الطلبة الذين أوشكوا على إتمام حفظ القرآن”، مشيراً إلى أن من كان يتم ستين حزباً، كان يطاف به في الدواوير، رفقة زملائه، ويتم ترديد بعض الأمداح، ويقدم السكان هدايا لهم؛ خبز، لحم، دجاج، قمح، زرع، نقود، وهذه كلها، غنائم تعود لخزينة المسجد”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي