شارك المقال
  • تم النسخ

محاولة الاقتحام الجماعي لباب سبتة: مؤامرة أم حتمية؟

شهدت مدينة الفنيدق خلال اليومين الماضيين أحداث خطيرة وغير مسبوقة ، تجسدت في زحف آلاف الشبان والقاصرين المغاربة على بوابة باب سبتة وذلك استجابة لدعوات مجهولة المصدر.

يعلم الجميع أن أخبار محاولات الهجرة السرية للديار الأوروبية أصبحت مألوفة مثلها مثل حوادث السير أو تبادل الضرب والجرح، بيد أن الذي جرى يوم 15 سبتمبر كان حدثا خطيرا وفريدا من نوعه لثلاثة أسباب رئيسة:

أولا: جرت العادة أن يحرص المنظمون والمشاركون في عمليات الهجرة غير الشرعية على إحاطة محاولاتهم بالكتمان، واعتماد عامل المفاجأة لتقليص فرص إحباط محاولاتهم من قوات الأمن المغربية والاسبانية . بيد أن ما جرى أمس كان تلبية لدعوة مفتوحة وعلانية، وتعبئة جماهيرية للهجرة، واقتحام السياج الفاصل ما بين سبتة المحتلة ومدينة الفنيدق في تاريخ محدد يعرفه الجميع وكأن الأمر يتعلق بموعد لتنظيم رحلة ترفيهية جماعية وليس بعمل يعاقب عليه القانون، ويحمل في طياته خطرا أكيدا على حياة وسلامة المشاركين.

ثانيا: أبدى عدد كبير من المشاركين في هذه المحاولة تحديا غير مسبوق لمختلف تشكيلات القوات العمومية التي تمركزت في الفنيدق وخاصة قرب السياج الحدودي. فقد كان من المتوقع أن يشكل التواجد المكثف لقوى الأمن رادعا لأية محاولة للهجرة السرية، بيد أن آلاف الشبان القادمين لم يبالوا بتواجد تلك القوات، بل أصروا مرارا وتكرارا على محاولة الاقتحام رغم اعتقال المئات منهم، كما أن العديد منهم عبر علانية عن عزمه الرجوع لتلك الغاية في فرصة قادمة.

تعكس ردة الفعل هاته مؤشرا خطيرا يتجلى في بداية سقوط هيبة الدولة: فرغم التواجد العلني والمكثف لمختلف التشكيلات الأمنية، لم يستبدل أولئك الشبان خططهم ويغيروا وجهتهم. الأدهى من ذلك، تسلح العديد منهم بقطع حديدية ورشق قوات الأمن بالحجارة.

من جهة ثانية جسد سلوك أولئك الشبان عمق مشاعرالإحباط، وانسداد الأفق لدى شريحة واسعة من المجتمع المغربي، الأمر الذي قد يحولها إلى قنبلة بشرية موقوتة إذا لم تلتفت السلطات العمومية، عمليا وليس لفظيا، إلى وضعيتها ومعاناتها.

ثالثا: أبانت القوى الأمنية الاسبانية عن شراسة غير مسبوقة في مواجهة محاولة اقتحام السياج الحدودي أو الشبان الذي تمكنوا من ولوج مدينة سبتة المحتلة، إذ أكدت عدة شهادات تعرضهم لضرب مبرح ولاستعمال الغاز المسيل للدموع وأحيانا للرصاص المطاطي، ناهيك عن تركهم معرضين للبرد وبدون طعام ساعات طويلة، وهو سلوك يتضمن رسالة واضحة عما ينتظر الذين يفكرون مستقبلا في الهجرة السرية عبر اقتحام السياج أوعبر السباحة.

أية مؤامرة؟

راج في الآونة الأخيرة عبر منصات إعلامية أو وسائط التواصل الاجتماعي عن وجود مؤامرة مدبرة من طرف جهات خارجية معادية للمغرب، وربما أيضا داخلية، تقف خلف التحريض على المشاركة الجماعية والمكثفة والعلنية لاقتحام معبر باب سبتة بغية معانقة الحلم الأوروبي، وبأن أجهزة الأمن المختصة باشرت تحقيقاتها للوقوف على الجهة أو الجهات التي خططت لهذا الحدث غير المسبوق.

ما هو أكيد في نظري، ستتمكن الأجهزة الأمنية المختصة التي أبانت عن علو كعبها واحترافيتها في إحباط العديد من التهديدات الإرهابية، من كشف الخيوط المتشابكة لهذا الملف، وبذلك ستكون قد قامت بواجبها المتمثل في تقديم الجواب الأمني على الموضوع. بالمقابل، فإن الجواب والحل الحقيقي والجذري ل “الشوهة العالمية” ليوم 15 شتنبر يكتسي طبيعة سياسية، وتقع مسؤولية تقديمه على حكومة أخنوش التي فيما عدا التضييق على الحريات العامة وتقييد حرية الصحافة، فإن وعودها الانتخابية ظلت حبرا على ورق.

فاستنادا على مذكرة صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط شهر غشت 2021، فإن فئة الشباب التي يتراوح عمرها ما بين 15 و24 سنة (أي حوالي مليون ونصف مواطن ومواطنة) والتي تمثل 16.2 في المائة من مجموع ساكنة المغرب خلال 2021، لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين. إضافة للواقع المر لهاته الشريحة الواسعة من الشباب المغربي التي تعاني من الهشاشة الاجتماعية وانعدام التأطير الذي تطرق إليه تقرير صدر عن منظمة “الشفافية الدولية”، فقد احتل المغرب الرتبة 97 عالميا، ويتعلق الأمر بمؤشرات انتشار الرشوة وتحويل الأموال العامة واستغلال مواقع المسؤولية للإثراء غير المشروع.

أما ضمن مؤشر التنمية البشرية للعام 2024/2023، فقد حل المغرب في الرتبة 129 من أصل 189 دولة. أما في مؤشر التعليم العالمي، فقد جاء في المركز 154 من أصل 199 دولة، وفي مؤشر الرعاية الصحية لعام 2023، احتل المغرب المرتبة 90 عالمياً، مما يطرح إشكالات عميقة تتعلق بالعدالة المجالية، وجودة الخدمات المرتبطة بالصحة والتعليم ما هو أكيد، فإن المغرب الذي يواجه رهانات كبيرة (ديبلوماسية، تنظيم تظاهرات رياضية عالمية) مطالب بأن تبذل حكومته مجهودات حثيثة قصد تقديم حلول وأجوبة عملية لهاته الفئة الواسعة من الشباب المغربي المهمش واليائس، وألا تنقاد وراء البحث عن شماعة ما تلقي عليها مسؤولية فشلها لأن “القط عمرو ما كيهرب من دار العرس”.

صحفي وباحث

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي