نظم مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني المجلس الثالث من “مجالس مغارب”، وذلك يوم الأربعاء الماضي، حول موضوع ” في الحاجة إلى الفنون.. في الحاجة إلى الجماليات”، أطره الدكتور الحبيب الناصري، الأكاديمي والمؤلف والناقد السينمائي، والأستاذ الباحث بالمركز الجهوي للتربية والتكوين بالدار البيضاء.
تضمن حديث الدكتور الناصري ثلاثة محاور رئيسية:
ـ التحديدات المفهومية للفنون والجماليات
ـ غائية الفنون والجماليات
ـ آفاق ترسيخ ثقافة الفنون والجماليات
استهل المحاضر حديثه بالكشف عن دواعي اختيار هذا الموضوع والغاية منه، مشيرا إلى أنه “من الصعب أن نعثر في علوم الإنسان على تعريف محدد للفن، مضيفا أنه من الزاوية التربوية اعتدت أن أحدد بعض المفاهيم كعناصر استئناسية من أجل تبسيط التواصل مع الطلاب”.
وفي معرض محاضرته طرح الدكتور الحبيب الناصري عدة أسئلة تبرز مدى صعوبة إيجاد تعريف شامل للفن قائلا إنه “لا يمكن إيجاد تعريف شامل للفن، فهناك صعوبة شديدة في تعريفه، وتختلف تعاريف الفن عبر التاريخ لأن هناك تعددا في الرؤى والخلفيات المعرفية، مضيفا أن “تعدد الرؤى ظاهرة صحية ثقافيا ومعرفيا وإنسانيا”.
في نفس السياق، أفاد الدكتور أنه” من الممكن القول إن الفنون ضرورة في سياقاتنا الثقافية ومن الصعب أن نعيش خارج شرط الفن و شرط الجمال”. مستنتجا أن الفن له تعاريف متعددة عبر التاريخ، وكلما تطور الزمان تطور تعريف الفن. كما أضاف أن ” مفاهيم الفن ثبتت في حقول معرفية وفكرية متعددة من أبرزها مجال الفلسفة والأدب”.
كما تطرق المحاضر إلى مفهوم الفن في المعجم اللغوي العربي لأنه يقدم العناصر الأولية في طرح السؤال حول مفهوم الفن. وذكر تعريف ابن منظور للفن من خلال معجه “لسان العرب” حيث قال: “سنجد أنه يضع مقابل لفظة الفن لفظة الحال ذات البعد الوجداني و الباطني والداخلي وتحيلنا على عوالم داخلية تخص الإنسان “. وأضاف أن هذا الجانب يحيل على أسئلة أخرى من قبيل.. لماذا الفن ؟ وما علاقته بالإنسان والتربية والتنمية؟.
على غرار لسان العرب لابن المنظور، قال الدكتور إن نفس اللفظة نجدها عند الفارابي حينما يتحدث عن مجموعة من المفاهيم بطريقة داخلية في مؤلفاته، وهو بدوره يربط لفظة الفنون بلفظة الجمال و لفظة الحال.
وأكد المحاضر أن خصائص الفن تختلف من زمن لآخر و تختلف بين النقاد ولذلك من الصعب توحيد رؤية الفن ما دام أن المفاهيم والدلالات تتعدد، وأقر بأن الفن ليس من باب الترف وإنما هو حاجة إنسانية لها أهميتها، بحيث نستطيع من خلال الفن التعرف على أنفسنا، سواء تعلق الأمر بالسينما أو المسرح أو الرسم أو النحت…
كما تساءل د. الناصري حول إمكانية المراهنة على العولمة في فهم الفنون والجماليات، والبحث عن أفق أرحب يذكّر الإنسان ببعده الإنساني، والرهان على مجال خصب يساعدنا في ترسيخ ثقافة الفنون والجمال بصورة أكبر فأكبر.
إن الحديث عن الفنون ـ حسب المحاضر ـ هو حديث وجداني داخلي، والحديث عن الجمال هو أيضا حديث عن الأحاسيس والمشاعر، لدرجة أن بول فاليري يعتبر أن “الجمال هو علم الحساسية”، ويستنتج د. الناصري أن هناك تداخلا في مفاهيم الفن والجمال عند الفلاسفة.
أما فيما يتعلق بحضور الفنون والجماليات في المجال التربوي أكد أنه “يجب ترسيخ ثقافة الفنون والجمال والتذوق، وتفكيك الفنون في الكتب المدرسية، مضيفا أنه يجب خلق ثورة تربوية ومنهجية وبيداغوجية”. من هذا المنطلق، تساءل كالتالي: “كيف نمرر فكرة أن الفن أداة ديداكتيكية للمدرس”؟
وفي الختام، أكد الباحث المغربي أنه من الواجب جعل المدرسة فضاءً خصبا لتعلم فن الحياة وفن العيش.
وقد كان تفاعل المتابعين مهما جدا مع أفكار المحاضرة، وتجسد ذلك في تعليقات وأسئلة تفاعلية، كانت مجالا مهما للتثمين ولمزيد من التوضيحات التي عبر عنها المحاضر بتلقائية وتركيز.
تعليقات الزوار ( 0 )