Share
  • Link copied

ما ذنب الإخوان، حتى يحاربوا هكذا!

اِعلم أن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر من أكبر الجماعات الإسلامية في العالم، والسباقة إلى العمل بالشكل الذي صارت عليه غالبية التنظيمات الإسلامية، منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي على يد الإمام حسن البنا رحمة الله عليه، بل امتد إشعاعها جميع أنحاء العالم، حتى صار كل بلد إسلامي يضم في أراضيه فرعا من فروع هذه الجماعة، أو قل على أقل تقدير، حركة تتبنى بعض أفكارها إن هي اختارت عدم الانضمام إلى التنظيم العالمي للإخوان.

ولهذا، ليس غريبا أن يظهر في العالم من يعادي هذه الجماعة، لأن سنة الحياة تقتضي ذلك. لكن أن تُصنف جماعة إرهابية من طرف من يشاركها الأصول، بل حتى الفروع، يجعلنا نطرح أكثر من سؤال ونعيد النظر في حال هذه الجماعة، حتى نستخرج قدر الإمكان، ما جعلها من الجماعات الإرهابية في نظر خصومها، وما سبب تحاملهم عليها إلى هذه الدرجة، والتشهير باسمها ورموزها، بل حتى مراجعها الفكرية التي تستمد منها شرعيتها!

بهذه المناسبة، نود التذكير بإحدى أهم مبادئ وقواعد التحكيم، التي تتمثل في التزام الحياد، ومحاولة التجرد من كل المؤثرات وعدم الانسياق مع الحملات الإعلامية التي جعلت من جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا ولا التي خصتها بالتقديس، بيد أن المتحاملين عليها أكثر عددا من غيرهم، حتى رأينا أن وصف الفرد بالإخواني كاف لاعتباره إرهابيا متشددا، ويستحق المعاقبة والسجن، لأن الفكر الإخواني، حسب ظنهم، تهمة تستوجب التحقيق والمحاسبة، بعدما أصبح المطالبة بتجريم الفكر الإخواني عملا بطوليا يترجى صاحبه الترقية والمكافآت.

وعليه، بعد النظر ومحاولة فهم الأهداف العامة لجماعة الإخوان المسلمين، تبين أنها حركة تسعى إلى الإصلاح من خلال اعتقادها أن الدين الإسلامي يشمل جميع نواحي الحياة، ولعل أفضل سبيل لمعرفة هذه الجماعة هو الاطلاع على التعريف الذي تقدمه لنفسها، في موقعها الرسمي، حيث تقول: “الإخوان المسلمون جماعة إصلاحية شاملة تفهم الإسلام فهما شاملا وتشمل فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، فهي دعوة سلفية، وطريقة سُنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية.”.

وبالتالي، فإن حال الإخوان لا يختلف كثيرا عن حال غيرهم من المنظمات، لسبب رئيسي هو إيمانهم بفكرة معينة ومحاولتهم تنزيلها على أرض الواقع من خلال الوسائل المتاحة والممكنة، بيد أن فعلهم هذا، قد لا يخلو أن يطاله التقصير أو الوقوع في تجاوزات، إما مخالفة للمنهج الذي رسموه لأنفسهم، أو للمنهج الذي يعتبره الغير هو المنهج الصحيح. لكن يبقى فعلهم، على العموم، فعلا صحيحا ما لم يثبت العكس، لأن الأصل في المرء أو المنظمة البراءة، وإلا جاز لكل واحد اتهام الغير دون سبب. ولذلك، فإن تساؤلنا عن أسباب تصنيف هذه الجماعة في خانة الجماعات الإرهابية تساؤلا منطقيا، بل يستوجب الإجابة عنه حالا، لأن المنابر المروجة لتهمة الإرهاب وضرورة محاربة جماعة الإخوان انتشرت بشكل سريع في العقدين الأخيرين.

عند النظر في خطاب المتهِمين والمحرضين ضد الإخوان ومحاولة استخراج الأسباب الحقيقية لإصدارهم التهم المعلومة، لا نجد فيه ما يمكن الاعتماد عليه في الوصول إلى ما وصلوا إليه، ذلك أن منهم من يعتبر إيمان جماعة الإخوان المسلمين بفكرة الإسلام والإصلاح من خلال المبادئ والقيم التي أتى بها سببا لاتهامهم. بل لا يكتفون بذلك فقط، وإنما يحاولون بكل ما أوتوا من قوة اصدار حق الإخوان في اعتناق فكرة الإسلام التي تأخذ باستخلاف الإنسان في الأرض وضرورة بناء دولة الخلافة، مع السماح لأنفسهم اعتناق ما يشاؤون من أفكار والعمل على تنزيلها على أرض الواقع، كل حسب اعتقاده، حتى صار اعتناق أي فكرة مقبولا إلا فكرة الإسلام والخلافة الإسلامية وكل ما له صلة بذلك.

ومنهم من يشن هجوما شرسا على الإخوان لمجرد أنهم إخوان، كما حدث مع هيئة كبار علماء السعودية، حتى أصبحوا بفعلهم هذا أضحوكة العقلاء، أو كما قال عنهم الشيخ أحمد الريسوني: “هيئة كبار عملاء البهتان”، ذلك أنهم لم يقدموا سببا منطقيا لتبرير ادعاءاتهم غير اطلاق الأحكام مجانا، بل لم يستطع أحد منهم وصف تلك المخالفات الشرعية والعقدية التي تتبناها جماعة الإخوان، حتى يتبين المنهج السقيم من الصحيح. لكن المنصف والناظر إلى واقع جميع الحركات الإسلامية، بما في ذلك أصحاب الدعوات المحسوبة على التيار السلفي، لا يجد عندها أي اختلاف جوهري على مستوى العقيدة أو الفقه، كما يروج له في الإعلام، ذلك أن الاختلاف على هذين المستويين كان منذ ظهور الإسلام، لكن لم يخرج يوما عن المنهج العام الذي أتى به الإسلام، إلا إن استثنينا بعض الحالات الشاذة والتي لا حكم لها، والإخوان ليسوا من ضمنهم، ولم يناصروا منهجا شاذا يوما ما.

وعليه، فإن السبب الحقيقي والخفي، الذي يكون دائما وراء إصدار تلك المواقف الشاذة من طرف السلطات أو بعض الهيئات العلمية والدعوية التابعة للجهات الرسمية، هو امتلاك جماعة الإخوان تصورا عاما للحياة وآراء منتقدة للسياسة العامة، بل إن امتلاك منظمة ما لتصور مخالف للجهات الرسمية كفيل بخلق الأعداء والخصوم، هذا في حالة امتلاكهم تصور ما، بيد أن من ديدنه مهاجمة الإخوان يفتقد لأبسط مقومات الدولة ولا يعيش في هذه الحياة إلا تائها وتابعا لغيره دون وعي، لأن العيش دون الإيمان بفكرة ما هو منتهى السخافة والهوان، وهو سبب كافي لتغلغل الحسد والحقد على من يجتهد في تطوير نفسه والطموح إلى تحقيق أحلامه.

وبكلمة أخيرة، لابد من التذكير على أن محاربي الإخوان صنفان: صنف يحاول مهاجمة الإسلام من خلال مهاجمة الإخوان، بعدما استحال عليهم إعلان الحرب مباشرة على الإسلام، لأن خطابهم يقتصر على انتقاد الأحكام، وليس الإخوان، بداعي نسبتها إلى جماعة الإخوان وليس إلى الإسلام. بينما الصنف الثاني، فأدعياؤه اختلت عندهم الموازين، فأصبحوا لا يفرقون بين الصديق والعدو، إلى أن بلغ بهم الأمر مستوى من الحمق يستدعي العلاج، لأنهم يعادون ما يؤمنون به بدعوى ضلال وإرهابية الإخوان، غير أن لسان حالهم، يخبرنا عن ضلال أصابهم وإرهاب يتوعدهم إن لم ينفذوا ما أمروا به. ولهذا، لا نملك من القول إلا الدعاء لهم بالشفاء العاجل وأن يكفنا الله شرهم، لأنهم لم يعودوا مستأمنين على أنفسهم، فكيف بمن يختلف معهم، أو قل، بمن يعيش حرا طليقا، ويقدم تصورا وبديلا لتفاهتهم.
اللهم ارزقنا المنطق والعمل به، اللهم احفظنا من الجهل والجهلاء.

Share
  • Link copied
المقال التالي