Share
  • Link copied

ما بعد كورونا

وقد بدأ العالم يستفيق من هول صدمة وباء كورونا (كوفيد-19)، بدأ التفكير ينصرف شيئا فشيئا إلى العواقب الاقتصادية والسياسية والصحية والبيئية لهذه الأزمة التي لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، وفي هذا السياق، جاءت هذه الورقة تستعرض جملة من الملاحظات:

لاشك أن تداعيات فيروس كورونا، ستسرع وثيرة تحول موازين القوى والنفوذ من غرب الكرة الأرضية إلى شرقها، حيث أن الدول: كالصين و كوريا الجنوبية وسنغافورة؛ التي أبلت بلاءً حسنا، باعتماد تخطيط محكم منذ البداية، مكنها من إدارة أزمتها، والخروج منها بنجاح، وبذلك أظهرت وبشكل واضح قدرتها على درء هذا الوباء والسيطرة عليه، ومن ثم لا نستبعد أن تكون هذه الدول هي الفاعل الأبرز في النظام الدولي المقبل و مواصلة الحياة اقتصاديا، أما الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة فقد اتسم تدخلها بالعجز والارتباك الشديد، الأمر الذي افقد سيطرتها على الوباء، وهو موقف من شأنه أن يضعف نفوذ النموذج الغربي والأمريكي على حد سواء.

لذلك، قد تسعى الشركات والحكومات الرأسمالية، بعد الخسائر التي تكبدتها ولاتزال، وفي ظل الإغلاق والحجر المنزلي وحظر التجوال، إلى العمل داخلياً وسلوك نهج يقتضي الاعتماد على الإنتاج والتوزيع والربح الداخلي، كوسيلة أكثر أماناً من الانفتاح العالمي الهش، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر فقرا وأقل كرامة، وبالتالي فدول الشرق التي أنهت أو أوشكت على إنهاء الأزمة، يمكنها وبسهولة أن تنفتح اقتصاديا على العالم، وتصبح لديها الثقة على المنافسة في أي بقعة من بقاع العالم، لتوفير الاحتياجات الرئيسية وخفض فواتير الانكماش والتدهور المحتمل، وهذا قد يؤدي في النهاية إلى زوال عصر سطوة العلامة التجارية الغربية.

أما القيادات المغربية، وبفضل تبصر جلالة الملك حفظه الله، فقد تعاملت مع هذه المحنة باستباقية وبكثير من الهدوء والعقلانية، وبشكل محكم مدروس مع قدر من الحزم والجدية في الوقت نفسه، بخلاف ما لجأت إليه بعض الدول الكبرى من تدابير، كانت في معظمها متأخرة.

فالمغرب ومنذ اللحظة الأولى لانتشار الفيروس، تعامل مع الأزمة بشفافية تامة لاحتوائها، فلم يخفِ الأرقام ولم يغالط العالم، كما لم يسعى إلا التقليل من خطر الجائحة، بل كانت له الشجاعة الكاملة للإعلان عن كل الحقائق، وإطلاع المنظمات المعنية ودول العالم أجمع.

وللنهوض بالأوضاع جيو-سياسية و اقتصادية ندعو الى اتخاذ الإجراءات اللازمة التالية :

• حتى نتصدى لخطر الجائحة، ونخفف من حدتها ونجنب الشركات الانهيار،يستحسن تأجيل سداد ديونها المستحقة، دون أي شرط ، ولمدة سنة على الأقل، ولمساعدتها على النهوض وسد الفجوة المالية التي أحدثها الوباء، يرجى تقديم سيولة مالية بضمانات لرفع الإنتاج، إنتاج مزيد من السلع والخدمات، وهو ما سيدفع الأفراد إلى رفع استهلاكهم، ويسمى بتنشيط الطلب الكلي، وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي في ركود الشركات الغربية.

• لجوء الحكومة إلى اجراءات الحكامة، بهدف خفض العجز في الموازنة، وبالتالي تخفيض حاجتها إلى الاقتراض العام، وإلى خيار تقليص نفقات جميع مؤسسات الدولة و ترشيديها مع استهداف الخدمات الضرورية باستثناء: التعليم والصحة والأمن، لإحداث التوازن بينها وبين الإيرادات.

• في ظل شلل تام للاقتصاد العالمي، ولمدة قد تصل إلى ستة أشهر، وفي ظل استمرار تدابير العزل والإغلاق، بهدف مكافحة انتشار العدوى، ومع زيادة التدهور الاقتصادي، وانخفاض في أسعار الذهب، – مثلما فعل باسواق الأسهم -، ولا أعنى أن الذهب فقد قيمته كملاذ أمن، ولكن إذا اتجهت الأوضاع صوب مزيد من التدهور، قد يتحول المعدن النفيس الي مصدر لجمع السيولة النقدية لاحتياطي العملة الصعبة، وبالتالي تقويض ميزته كملاذ تركن إليه الدولة وقت الازمات، وإقبالها على شراء المعدن الأصفر بحثا عن الأمان.

• وسط مخاوف انهيار أسعار أسواق النفط، بعد أن أشارت التقديرات الى أن شهر أبريل سيشهد انهيارات غير مسبوق في الطلب على الخام، الأمر الذي سيغير وجه صناعة الطاقة للسنوات المقبلة، وهنا وجب التفكير في التخزين والاعتماد بقوة على انتاج الصناعات ذات مشتقات بترولية، في ظل نقص الفاتورة الطاقية و الموارد الأولية النفطية.

• فجر تطوير جهاز التنفس الاصطناعي، وجهاز الكشف الحراري، وهي أجهزة مغربية الصنع مائة بالمائة، تم صنعها في إطار تعبئة الكفاءات المغربية من أجل مواجهة فيروس “كورونا” المستجد، هذا يطرح وبإلحاح ضرورة إعادة الاعتبار وبقوة للبحث العلمي، من خلال تمكين الطاقات من الوسائل والإمكانيات المادية الضرورية، ومراجعة الشق القانوني المنظم لها، وتطوير الترسانة القانونية، وهو المدخل الأساسي للتقدم المنشود في بلادنا.

• ضرورة الاهتمام بأجهزة الأمن، الاستخبارات والدفاع، وتظهر أهميتهم، في تقديم المعلومات لصناع القرار، من أجل اتخاذ ما يلزم من سياسات وإجراءات، تمكن من المواجهة العقلانية والتدخل المبكر، وبشكل أفضل. وهي قواعد أساسية معروفة في الحماية، وأبرز مهامهم، التنبؤ بتهديدات الأمن الوطني والقومي، بكل أنواعها: تهديدات أمن تقليدية، ومخاطر الأوبئة أوهجمات بيولوجية، كيميائية أو نووية، إلى جانب تهديدات زمن العولمة، الهجمات الإلكترونية، السايبر.

• تصميم استراتيجية شاملة لتحسين صحة المجتمعات السّكانية، مع إدراج العدالة الصّحية كمكوّن أساسي، عبر الانصات للفئات المهمّشة والمحرومة، وأخذ مقترحاتها بعين الاعتبار في أي تدبير للتحسين والانصاف في الصّحة، مع قياس ورصد العدالة الصحية على المستويين، الوطني والمحلّي كمقياس لمدى تمتّع المجتمع بصحّة جيّدة.

• توظيف و تسريع تبني الحلول الرقمية، من خلال تطوير الخدمات الرقمية، من أجل رفع أداء المرفق العام والارتقاء به إلى مستوى النجاعة والفعالية، وذلك تماشيا بما جاء في البرنامج الحكومي في الشق المتعلق بإصلاح الإدارة وتحسين جودة الخدمات العمومية وتقريبها من المواطن، لهذا يتعين على الحكومة التوجه اكثر فأكثر نحو الاعتماد على الانظمة الالكترونية، حيث تكون البنية الاساسية لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات والعاملين فيها ذات اهمية حاسمة، وبالتالي يتعين البحث عن أفضل السبل لتعزيز الشبكات، والاستعداد للتعامل مع الارتفاع الكبير في الطلب عليها.

• فيما يتعلق بالشق الفلاحي، على شركات التأمين الفلاحي التعجيل بجرد الخسائر والأضرار الحاصلة في المناطق البورية، وصرف المبالغ المالية المستحقة في إطار التعويض عن الجفاف، و ذلك في وقت وجيز، لتخفيف العبئ عن الفلاحين المتضررين خصوصا في ظل هذه الجائحة، من تمديد آجال القروض قصيرة الأمد، الخاصة بالفلاحين الصغار، وتأجيل استحقاق القروض المتوسطة والطويلة الأمد لمدة سنة كاملة .

• صناعة المواد الغذائية، وخاصة التحويلية منها، ستعرف لا محالة مشكلا في المواد شبه المصنعة، والمواد المحافظة والمستخدمة من قبل جميع الوحدات الصناعية في عملية التصنيع، منها المستحلبات، الدهون، الجيلاتين والمواد الحافظة بمختلف أنواعها، لذلك يجب مراجعة عملية إمداد خطوط إنتاج المصانع المغربية، من خلال الرفع من مخزونات السلامة وتنويع المصدر المورد.

• اذا ثبتت مسؤولية الصين عن انتشار هذا الوباء، متحولا بشكل غير طبيعي، أو نشأ وصنع في مختبراتها، وتم تسريبه وإطلاقه عن طريق الخطأ إلى الجمهور، بضعف معايير السلامة في المعمل الذي تمت فيه التجارب المتعلقة، فيجب على المنظمة العالمية للصحة أن تتحمل عبئ هذا التدهور الاقتصادي، بتخصيص مثلًا: قروض بدون فائدة، أو امتيازات تجارية محفزة، يتم تحديدها من طرف المختصين، وأما الظهور بخمار وغطاء إنساني، فهو لا يغطي الجريمة، من خلال تقديما -أي الصين- أجهزة وأطر طبية للبلدان المتضررة، تاركة إياها تترنح تحت ضربات الوباء، وهي التي نجحت في الهيمنة على الشركات التي انسحبت من الصين بعد ظهور الوباء، فاشترت الأسهم التجارية، واستفردت بعائدات الأرباح، لتعوض الخسائر المادية التي تكبدتها خلال الجائحة، بل حولت هذه الخسائر إلى مكاسب اقتصادية بفضل حاجة الأسواق العالمية الملحّة للبضائع الصينية. وبعيد انحسار الوباء، تضاعف الإنتاج الصناعي الطبي الصيني، وغدت المصانع تصل الليل بالنهار في إنتاج أجهزة التنفس والمضادات الحيوية.

• إن الكوارث سواء أكانت طبيعية، أو من فعل الانسان، فهي تبقى حدثا مفاجئا، غير متوقع، بينما نتائجها قد تكون مدمرة قاصمة، لذلك وجب اتخاذ تدابير استباقية، على غرار ما فعلته الدول الكبرى، لذا نقترح إدراج سياسة التأهب للحد من الكوارث والأوبئة، ضمن النظريات والهياكل الوطنية لإدارة الكوارث، مع حث الحكومة على تحديد ميزانية سنوية تراكمية تخصص لمواجهة هذه الأزمات بمختلف أنواعها، تسهر على تدبيرها لجنة محايدة معينة من طرف صاحب للجلالة نصره الله وآيده .

وفي ظل غياب المعلومات الكافية، والاحتمالات المتوقعة، فإن الوضع العام يفرض علينا مزيدا من التأهب واليقظة العالية، كما يفرض على أصحاب القرار اتخاذ اجراءات تتسم بالسرعة والفعالية مع الحرص على التدبير المحكم والمعقلن لكل إجراء وتدخل، بينما تبقى مهمة المستثمرين وأصحاب الشركات، العمل على تغطية حاجيات المرحلة بما يضمن النجاعة والفاعيلية مع التأكيد على أهمية الجودة، كضرورة ملحة، وهدف أساسي، لما لهذه الجودة من أهمية في تخطي مخاطر المرحلة وبأقل الخسائر.

وفي الختام حفظ الله وطننا وملكنا ورفع عنا وعن الإنسانية جمعاء كل وباء وبلاء، والسلام

Share
  • Link copied
المقال التالي