Share
  • Link copied

ما بعد تصنيع سيارتين مغربيتين! هل حان الوقت للتفكير الاستراتيجي في التكامل الاقتصادي الإقليمي ؟!

أما بعد ..!

شهدت الأيام الأخيرة حدثا متميزا حضي بتغطية إعلامية واسعة على المستوى الوطني والدولي وكان لهذا الحدث آثر كبير استمر من خلاله النقاش على الواجهتين وتفاعل معه صحفيون وإعلاميون ومؤثرون، كل واحد قدم قراءته من زاوية نظره ومواقفه، هذا الحدث تمثل في عرض سيارتين يتم تصنيعهما في المغرب وبأيدي مغربية أمام عاهل البلاد الذي دشن هذا الإنجاز المغربي ليدخل المغرب سلاسل القيمة العالمية لصناعة السيارات، ليس فقط كمنصة لتصنيع والتركيب، ولكن بعلامة وماركة مسجلة مغربية وأخرى بابتكار مغربي، لهذا الحدث ذي الطابع الاقتصادي أبعاد أخرى سياسية واستراتيجية في المحيط الإقليمي، وتدخل في إطار صراع موازين القوى لمرحلة ما بعد جائحة كورونا وبداية رسم توجهات جديدة مبنية على الواقعية و المصالح وفق النظريات الحديثة في الاقتصاد كنظرية السيادة الاقتصادية أو نظرية الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية.

أما بعد…!

لا تعتبر صناعة السيارات مستجدا في المغرب فمنذ العام 1928 تم خلق أول شركة سيارات تحت مسمى سومار وبعدها في العام 1959 تم تأسيس وحدة التصنيع صوماكا بالدار البيضاء تابعة لمجموعة رونو الفرنسية بنسبة 26% عبر اتفاق تم توقيعه سنة 2003 و منذ العام 2007 تم إطلاق مشروع أكبر مصنع في إفريقيا وأحد أكبر الوحدات الصناعية في العالم للسيارات مجمع رونو المغرب في مدينة طنجة و الذي افتتح سنة 2012 بقدرة إنتاجية سنوية تصل اليوم ل 170000 سيارة مصنعة في الأفق الوصول لرقم 400000 سيارة، هذا ما جعل المغرب يتموقع كأحد أقطاب القطاع في العالم حيث تبلغ قيمة سوق السيارات المغربية أربعة ملايير دولار أمريكي في العام 2021 ومن المتوقع أن تصل القيمة السوقية للسيارات المصنعة في المغرب خمسة ملايير ونصف مليار دولار أمريكي بحلول سنة 2027 و بنسبة نمو سنوي تصل 6% وهي نسبة تتجاوز نسبة النمو المتوسط لباقي القطاعات الإنتاجية الأخرى في الاقتصاد المغربي.

أما بعد…!

يتربع المغرب حسب الأرقام والمعطيات على عرش صناعة السيارات في إفريقيا حيث يستفيد هذا القطاع من توجه السياسة العمومية للدولة عبر سياسة صناعية تم تطويرها عبر عدة مخططات أهمها مخطط التسريع الصناعي 2016-2020 لتحفيز مجموعة من القطاعات المنتجة وضمان نسبة اندماج داخل نظام بيئي صناعي متكامل écosystème industriel وتشكيل مجموعة من الأقطاب داخل هذا النظام تصب كلها في خدمة تصنيع و تركيب السيارات، و يستمر هذا المجهود عبر الدعم المالي الذي خصصته وزارة الصناعة للمستثمرين عبر بنك المشاريع والذي تم إطلاقه في فترة كورونا وعبر مخطط السيادة الصناعية وتعويض الواردات ودعم التصدير لعلامة صنع بالمغرب، مع توسيع وتطوير مجال المناطق الصناعية وخلق تجمعات داخل نظام صناعي تصب في عملية توريد قطاعات كقطاع السيارات.

أما بعد…!

إن هذا المسار التراكمي توج بإطلاق وحدة صناعية ضواحي الرباط لأول سيارة مغربية 100% حسب ما صرحت به أحد الشركاء، والتي سيتم تسويقها داخليا وبعد ذلك توجيهها للسوق الخارجية، إن هذه السيارة نظرا لخصائصها وسعرها الذي لا يتجاوز 180000 درهم تعتبر منافسا قويا للسيارة الفرنسية المصنعة كذلك في طنجة شمال المغرب، وهو ما يعتبر بداية لمبادرات قد تأتي لتوسيع دائرة المنافسة مع الشركة الفرنسية التي لا تملك من المصنع إلا الاسم، ونسبة الأسهم حيث أن مصنع رونو يشتغل وينتج بسواعد أبناء المغرب وخبرات مجموعة من المهندسين و الأطر المغربية تصل إلى مستوى التسيير Top management، وهي رسائل لفرنسا التي بدأت تفقد تموقعها وقوتها الاقتصادية في المنطقة وخسرت مجموعة من النقط مع شركاء حيويين حتى في باقي الامتدادات داخل القارة الإفريقية، وغلبت هاجس الأمن الطاقي عن التموضع الاقتصادي المتكامل، فإن كان تصنيع وتركيب السيارات ليس بجديد، فإن المستجد أن يكون ذلك برأس مال وتمويل مغربي وعلامة تجارية مغربية، وهنا ينبغي أن تصل الرسالة للفرنسيين لأن من بين كل أربع أجزاء من السيارة ذات العلامة الفرنسية هناك 3 أجزاء تصنع كليا لدى موردين مغاربة وشركات مغربية بين الدار البيضاء وتمارة وطنجة، وهذا ما أكده مصدر مطلع داخل الشركة، وكذلك عبر تصريح لوزير الصناعة والتجارة رياض مزور في ندوة الأغلبية الحكومية بالبيضاء حيث أن نسبة الاندماج بلغت 85%.

أما بعد…!

كل هذه التفاعلات والمعطيات التي صاحبت تقديم السيارتين من جيلين مختلفين، فإن تأثير الحدث كان واضحا على مختلف المواقع داخليا وخارجيا، وقد بلغت بذلك الرسالة قصدها، وهو أن المغرب يسير بسرعة تواكب التحولات الجيوسياسية، وأنه اليوم ليس مجرد دولة منصة تستقطب مستثمرين أجانب فقط وتمنحهم بنيات لوجيستيكية وخدمات مالية ويد عاملة رخيصة، بل إن الدولة المغربية عبر آليات دعم فعلي أصبحت تدفع بالمبادرات الوطنية والرأسمال المغربي رغم الجدل المثار حول استفادة وزير داخل الحكومة من الدعم المخصص لهذا المشروع باعتبار شركة تابعة لأسرته مساهمة فيه بنسبة 50%، والتي لا يتجاوز رأس مالها 10000 درهم، وهو ما اعتبره البعض تضاربا للمصالح في ما ذهب البعض الآخر بالقول أن انطلاقة هذا المشروع سبقت التعيين الوزاري للوزير المعني (…).

أما بعد…!

إن هذا النموذج المغربي في صناعة السيارات يشبه إلى حد كبير النموذج الروسي إلا أن ما قد يميز المغرب مستقبلا هو خيار الانفتاح و تعدد الشركاء والامتدادات الكبرى للمملكة اقتصاديا عبر شركات ومؤسسات مالية في إفريقيا، وكذلك روحيا عبر حقل إمارة المؤمنين وارتباطات مجموعة من التيارات الدينية في بلدان غرب وشرق وجنوب إفريقيا بها، وهو ما يقوي الصلة بالعمق الاستراتيجي ويعزز فرص التنمية والاستثمارات البينية والمتعددة الأطراف في ظل إكراهات الصراع الدائر داخل أقطاب النظام الدولي و تجاذباته.

أما بعد…!

إن مصيرنا في المنطقة يمر عبر التكامل بدل تضييع مجموعة من نقاط النمو الاقتصادي في خلافات إقليمية لا تخدم إلا من يقتات منها ومن ورائها.

Share
  • Link copied