لم تحسم الصين أمرها بعد بخصوص مستقبل العلاقة مع حركة طالبان إذا ما شكلت الحركة حكومة في أفغانستان، فالاعتراف بأي حكومة من عدمه يتقرر بعد تشكيلها، وفق ما ذكر الناطق باسم الخارجية الصينية تشاو لي جيان، لكن بكين قدمت إشارات على نيتها مواصلة الاتصالات المباشرة مع الحركة التي باتت تسيطر على معظم أراضي أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأميركية منها.
فالمتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشون ينغ قالت إن بلادها “تحافظ على اتصال وتواصل مع حركة طالبان الأفغانية”، وذلك ما تؤكده قيادات طالبان، وهو ما يطرح تساؤلات عن الهدف الذي تسعى الصين لتحقيقه من وراء ذلك.
دلالات سياسية واقتصادية وأمنية
في الوقت الذي توشك فيه أفغانستان على العودة إلى حكم حركة طالبان، ما زالت الصين، أكبر دولة مجاورة، تدرس كيفية التعامل مع أكبر تغيير في البيئة الدولية المحيطة في الـ20 عامًا الماضية.
ويرى معهد جنوب آسيا -التابع لمعهد الصين للعلاقات الدولية الحديثة- أن تطورات الوضع في أفغانستان سيكون لها تأثير غير مباشر في آسيا الوسطى وباكستان والشرق الأوسط، مما سيؤثر بعد ذلك على استقرار حدود الصين وبناء “الحزام والطريق” والمنطقة والعالم، مضيفا أن الصين يتعين عليها المشاركة في عملية إعادة إعمار أفغانستان في المستقبل.
ويقول مدير معهد جنوب آسيا هو شيشينغ إن الصين ستستفيد من اتصالاتها مع حركة طالبان في محاولة التأثير في 3 جوانب رئيسة، هي السياسة والاقتصاد والأمن.
ويوضح هو شيشينغ أن بكين ستحث طالبان على تشكيل نظام جديد واسع وشامل يناسب الظروف الوطنية لأفغانستان، وذلك “يتلاءم مع موقف الصين الثابت المتمثل في تعزيز السلام وعملية المصالحة في أفغانستان”.
ومن الناحية الاقتصادية، تسعى الصين جاهدة لجعل أفغانستان جزءًا من تنمية الصين، وظهرت بوادر ذلك من خلال آلية الحوار لوزراء خارجية الصين وباكستان وأفغانستان وبناء الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، الذي ستستفيد منه كابل في نهاية المطاف، وفق ما قال هو شيشينغ.
وأضاف أن الصين، من خلال تعزيز اتصالاتها مع طالبان، ستعمل على تعزيز قضية مكافحة الإرهاب وتقويتها في كلا البلدين، مستفيدة من الوعود التي قدمها قادة الحركة في مناسبات مختلفة “بعدم السماح لأي قوات باستخدام الأراضي الأفغانية للقيام بأعمال تعرض أمن الصين للخطر”.
أمن شينغيانغ
ولعل القضية الأبرز في ذهن الصين هي منطقة شينغيانغ الأويغورية الذاتية الحكم، التي تشترك مع أفغانستان في الحدود البرية.
وقال غينغ شوانغ، نائب المندوب الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، إن منظمات عدة وصفها بالإرهابية، من بينها حركة “تركستان الشرقية” -التي تتهمها الصين بمحاولة الانفصال في شينغيانغ- اجتمعت وتطورت في أفغانستان، آملا ألا تصبح أفغانستان “جنة إرهابية مرة أخرى”.
ويرى الخبير في الشؤون العسكرية تينغ هونغ أن الصين ستسعى من خلال اتصالاتها مع طالبان لرسم خطوط حمر، وتأكيد أن تطوير أي علاقة في المستقبل مرهون بالحفاظ على أمن الصين.
ووصفت حركة طالبان الصين بأنها “دولة صديقة”، ورحبت بها لإعادة إعمار أفغانستان وتنميتها. وقال الناطق باسم الحركة سهيل شاهين، في تصريحات صحفية، إن حركته ستضمن سلامة الاستثمارات الصينية في أفغانستان.
وأوضح تينغ هونغ للجزيرة نت أن حاجة أفغانستان إلى مساعدات اقتصادية واستثمارات في بنيتها التحتية ستكون “ورقة بكين الرابحة في الحفاظ على أمن أراضيها، واستثمارات شركاتها، ومبادرتها (الحزام والطريق) التي تشكل أفغانستان شريان حياة لها”.
ويرى رئيس تحرير صحيفة غلوبل تايمز الصينية هو شيجين أن الصين تقيم علاقاتها على أساس المنفعة المتبادلة، مشيرا إلى أن الصين في حال ذهابها إلى أفغانستان لن تسعى لملء أي فراغ، انطلاقا من سياستها الخارجية التي ترفع شعار “احترام خيارات شعوب جميع البلدان”.
تعليقات الزوار ( 0 )