تداولت فئة من المغاربة مقطعا من سلسلة رمضانية تعرضها القناة الأولى المغربية مفادها موت شخصية تدعى ” الطيب”، مما أثار في نفوس مجموعة من متابعي هذه السلسلة مشاعر من الحزن العارم على فراقه ورحيله، خصوصا أن وفاة الشخصية لم تكن متوقعة، وإنما كان ذلك احتيالا وذكاء من مخرجها إثارة منه للمشاهد، أو لعلها خدعة من خدع الإخراج التلفزي الذي لا نعلم عنها شيئا.
الأهم من هذا كله، والهدف من خط هذا المقال هو ما خلفه الرحيل المفاجئ للرجل الطيب، والخروج المبكر له من السلسلة من ردود أفعال كانت متضاربة حد التناقض، ومرد ذلك أن من المتابعين من يرى أن شخصية الطيب لا تستحق أن تترك الفراغ وترحل بسهولة لما تتميز به من خصال فريدة وحميدة ربما اشتاق المغاربة لها، وهناك الآخرون ممن سخروا مما وقع معتبرين أن الإعلام يبلد الشعب ويلهيه بمثل هذه الاثارة “الحامضة” التي لم يعد يخدع بها أحد…!
لكن الأهم من ذلك كله هو التالي :إن الفراغ الذي خلفه “الطيب” هو فعلا الحاصل في مجتمعنا المغربي، حيث غاب ذلك النموذج الطيب الذي يساعد الجميع ويحب الخير للجميع دون مقابل، وينشر قيم الحب والتضحية والتعاون ويتمتع بسعة الصدر و”التدين المعتدل” حيث حرص المخرج على تصويره بشارب كث دون لحية، وشعر حليق، لا يلبس اللباس المغربي، ويقرأ ما تيسر من القرآن الكريم ويتلو دعوات عقب كل صلاة…ويتقن اللغة الإنجليزية ويجيد الطبخ، ومنه نسائل السلسلة : هل هذا هو الطيب الذي نريد… ؟
وإذ تنبه القائمون على هذه السلسلة ومهندسيها إلى هذا الفراغ وهذا التغييب لنموذج “الطيبين” عن عمد ليتركوا خلفهم أثرا جميلا، وفي نفس الوقت غصة عظيمة على فراقه، كما ترك أيضا فراغا مهولا في أعماله حيث تصور السلسلة أنه أخذ البركة معه، وترك الأشخاص الذين عبر بهم شط الإمان لمصيرهم المحتوم ، حيث العودة للشقاء ومواجهة مفاجآت الحياة، إن رحيل الطيبين من حياتنا يفعل الأفاعيل في الناس.وحيلة تغييب هذا النموذج من السلسلة في وقت مبكر (الحلقة 16) كانت من المخرج عن وعي أو غير وعي قصد إبلاغ رسالة مفادها أن هذا النموذج قد رحل فعلا منذ زمان، مخلفا ذكريات منقوشة في ذواكرنا حيث الحنين إلى ذلك الأب الحنون و الزوج الذي يقدر زوجته ويحافظ عليها كما يحافظ على ضوء عينيه، وذلك الجد العطوف، والأخ المتضامن والجار الخلوق الحيي…
كل هذه النماذج قد رحلت ربما، ويسائلنا غيابها هل تعود من جديد لتعود أسرنا وأحياؤنا دافئة كما كانت.. ؟إن “الطيبين” قد رحلوا مخلفين وراءهم عالما من المصالح والماديات وأناسا لا تهمهم سوى أناهم لا غير.من هنا نطرح السؤال؛هل يمكن أن نعود لإحياء نموذج الطيبين نساء ورجالا وشبابا وأطفالا لنعيش في مغرب متضامن متدين متعاون ومثقف..؟أم نشيع جنازتهم كما شيعت بنات العساس” عزيزهم الطيب” وندفنه في التراب كما دفنوه لنواجه مصيرنا لوحدنا دون الطيبين..؟وأخيرا نقول لمن بكوه إن الطيب قد اختفى خارج حدود مجتمعنا منذ زمان سحيق، لا فلا داعي أن تبكوه، بل اصنعوا “طيبا” جديدا من أنفسكم وأبنائكم، فإنما هذه الحياة للطيبين والطيبات…!
فعلا مات الطيب بيننا، في قيمنا وعلاقاتنا، وإن كنا ممن نفث الطيب جيده! تحليل مميز لسلسلة لا اعرف عنها غير هذا المقال.
مشكور استاذي الفاضل على عكس المرآة، واستدراج قيم عظيمة في حلة مفسرة بتعبير سلس واضح، هدفه إيصال الفكرة ، وقد وصلت، بل خرقت توقعاتنا.
تحياتي