شارك المقال
  • تم النسخ

لماذا يجب تفادي رفع المديونية الخارجية إزاء تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة؟

لماذا يجب على المغرب تفادي اللجوء إلى رفع المديونية الخارجية في سياق تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة؟

بعد أن أقدم المغرب على سحب مبلغ 3 ملايير دولار من خط الائتمان و السيولة لدى صندوق النقد الدولي، يجدر بنا التساؤل عن مدى انسجام و ملاءمة هذا القرار  مع طبيعة الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة و تداعياتها والمتضررين منها و كذا السياسات التي تفرض نفسها في مثل هذه السياقات.

في ظل حتمية الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن انتشار وباء كورونا، تختلف استراتيجيات المواجهة من دولة لأخرى و قد تساهم في تعميق الهشاشة الاقتصادية للدول الصاعدة و من ضمنها المغرب. في هذه الظرفية المعقدة، التي تؤكد أهمية تعزيز الحصانة ضد الآثار السلبية للاعتماد المتبادل و ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي و الاعتماد على الموارد و الإمكانيات الداخلية،  يجب التفكير جيدا قبل اللجوء إلى المديونية الخارجية تحت ذريعة سد الخلل المتوقع في مدخرات العملة الصعبة المخصصة لسداد قيمة الواردات.

على صعيد التبادل التجاري، يعاني المغرب من عجز تجاري بنيوي ناتج عن انفتاحه القوي على الأسواق الدولية و يظهر اليوم في سياق المنافسة الدولية أن الدول تتجه إلى الرفع من القيود الجمركية و  غير الجمركية، و اتباع بعض السياسات التي تندرج ضمن ما يعرف بالقومية الاقتصادية بما في ذلك الحمائية التجارية و دعم القطاعات الحيوية بشكل يتجاوز نطاق و حدود ما تسمح به قواعد منظمة التجارة العالمية في أوقات الأزمات الكبرى، مع ما قد ينجم عن ذلك من ممارسات الإغراق أو تطبيق إجراءات مضادة تخل بالمنافسة المشروعة. من شأن هذه السياسات أن يكون لها أثر سلبي على البلدان التي ستستمر في نفس وتيرة الاستيراد لماقبل الأزمة الراهنة، و خاصة تلك التي ستفقد بسبب تداعيات الأزمة مصادر أساسية للعملة الصعبة مثل المغرب الذي سيفقد نسبة مهمة من عائدات النشاط السياحي و تحويلات الجالية المغربية بالخارج و انخفاض الصادرات في ما يعرف بالمهن الدولية للمغرب من قبيل تصنيع السيارات و أجزاء الطائرات.

المعروف في فترات الأزمة أن سياسات إفقار الجار تعود إلى الواجهة و على المغرب أن يكون مهيأً بشكل جيد من أجل عدم السقوط في فخ الاستدانة الخارجية لغرض الاستيراد و لدواعي سد عجز الميزان التجاري. إذا كان اللجوء إلى سحب 3 مليار دولار من خط الائتمان و السيولة الذي يضعه صندوق النقد الدولي يبدو مُبررا أو عقلانيا من منظور الحكومة المغربية في سياق تداعيات الأزمة الراهنة فمن الضروري عدم التسرع في الاعتماد على السيولة الأجنبية التي تتمتع اليوم بجاذبية أكبر في ظل الرفع من تدفقها في النظام البنكي العالمي و في الأسواق المالية عن طريق اعتماد فوائد تقترب من الصفر و في بعض الأحيان سلبية أي أقل من 0 في المائة. إن ما يقابل هذه الجاذبية و يبرز هشاشتها بل و خطورتها هو  تكريس النظام الاقتصادي العالمي لقطيعة بين الرسملة المالية في البورصات و قيم أسهم الشركات العالمية من جهة و الاقتصاد الحقيقي او الإنتاج الحقيقي real economy and real production من جهة ثانية.

إن تخصيص المبلغ المستدان من أجل الإبقاء أو لرفع الطلب على الإنتاج الخارجي لا يمكن أن يكون جزءا من الحل بالنسبة لبلد ذو اقتصاد ناشئ مثل المغرب بنى و طوَّر سياسته الاقتصادية في ارتباط وثيق بالخارج و في سياق أزمة  عالمية ستدفع الدول إلى تصدير أزمتها عبر تصريف إنتاجها الفائض إلى الأسواق الخارجية.  و قد يشجع على اللجوء إلى الدين توجه الأبناك المركزية على الصعيد العالمي و في مقدمتهم البنك المركزي الأوروبي و الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نحو نهج تخفيضات قياسية في معدل الفائدة و إلى ضخ السيولة لتشجيع الاستهلاك و الإنتاج، غير أنه في ظل ما سيترتب عن هذه السياسة النقدية من ارتفاع في معدل التضخم في الأسعار الدولية،  فإنه من المتوقع تسجيل ارتفاع في كلفة الواردات، دون القدرة على الاستفادة من ارتفاع قيمة الصادرات خاصة مع ما قد يرافق رفع هامش مرونة تعويم  الدرهم المغربي من 2.5 إلى 5 في المائة من تراجع محتمل لسعر صرف العملة الوطنية في مقابل الدولار و الأورو، و هو ما قد يرفع من حجم المديونية و أعبائها خلال السنوات المقبلة.

في ظل هذه  المعطيات و التوقعات، سيكون اللجوء إلى الدَين الخارجي للتصدي للأزمة قرارا محفوفا بالمخاطر و لن يستجيب لحاجيات الاقتصاد الوطني، الذي هو في أمس الحاجة في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية الراهنة إلى دعم القطاعات المنتجة و التصديرية  و الصناعات المحلية الناشئة في قطاعات حيوية مرتبطة بالأمن الغذائي و الأمن الصحي و الأمن الطاقي و تقليص الارتهان للاستثمارات الأجنبية و لعائدات القطاع السياحي، مع ضرورة تطبيق الحمائية التجارية على بعض السلع التي لا تساهم في خلق القيمة المضافة و تحريك عجلة الاقتصاد، و تقييد حركية الرساميل العديمة الاستقرار أو ما يعرف بالأموال الساخنة. و تبعا لذلك، فإن ما يجب التأكيد عليه هو عدم ملاءمة سياسة الرفع من الدَين الخارجي مع ما تتطلبه الظرفية الراهنة خاصة أن الأولوية يجب أن تُمنح لتشجيع العرض الداخلي بالموازاة مع إجراءات  دعم الطلب الوطني عن طريق منح قروض بدون فائدة و تأجيل استحقاقات القروض و أيضا إعادة النظر في شروط القروض المستحقة لأرباب الأسر و المقاولات المتضررين من التباطؤ الاقتصادي الحاد بفعل الحجر الصحي. علاوة على ذلك، جدير بالتذكير أن حزمة الشروط التي تندرج في إطار اتفاق خط السيولة و الائتمان المُبرم مع صندوق النقد الدولي تقيد السياسة المالية للمغرب ضمن مؤشرات ماكرواقتصادية تتعارض مع ما ضرورة اعتماد سياسة مالية و نقدية توسعية في فترات الركود الاقتصادي كما يؤكد على ذلك المذهب الكينزي Jean Maynard Keynes، عبر رفع الإنفاق العمومي و الاستثمارات العمومية بهدف تحريك الماكينة الاقتصادية و إعادة الروح إلى المقاولات الصغرى و المتوسطة.

قبل الإقدام على الرفع من المديونية في سبيل مواجهة الأزمة التي يمر منها الاقتصاد الوطني، يجب تحديد طبيعة الأزمة و تداعيتها و المتضررين منها و توجيه الإجراءات نحو تداعياتها. يفرض هذا على صانع القرار التفكير في برنامج أو مخطط شامل يقوم على رؤية وطنية اجتماعية مُوجَهة نحو إعادة التوزيع و تحمل الدولة لوظيفتها المتعلقة بإعادة توزيع الدخل Income redistribution حسب الاقتصادي ريتشارد موسغراف Richard Musgrave عن طريق فرض ضريبة على المداخيل الكبرى و الاتجاه في نفس منحى الضرائب التصاعدية على الأرباح مع مراعاة التباين بين الفئات في حجم و حدة الضرر الناتج عن الأزمة، و توجيه هذه العائدات نحو تقوية المرافق العمومية و خاصة في مجال الصحة و التعليم و  توفير الدعم للفئات الاجتماعية و الاقتصادية الهشة و تحفيز قدرتها الشرائية أو قدرتها على خلق العَرض الاقتصادي (حرفيين و فلاحين صغار و أرباب المقاولات الصغرى على سبيل المثال).

*أستاذ القانون الدولي الاقتصادي بجامعة ابن زهر بأكادير

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي