Share
  • Link copied

لجوء روسيا لشركة “فاغنر” في ليبيا، ما الداعي؟

منذ أكتوبر من سنة 2018 إلى الآن والشركة العسكرية الخاصة ” فاغنر” تؤدي خدماتها في ليبيا، بدعمها المباشر والصريح للواء الليبي المتقاعد ” خليفة حفتر”، وإمداده بمختلف أنواع الأسلحة وكذا مشاركته عملياته العسكرية.

وتعد شركة ” فاغنر” شركة روسية المنشأ، مؤسسها هو رجل الأعمال “يفغيني بريغوجين” المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكغيرها من الشركات العسكرية الخاصة فمهمتها بشكل عام يتلخص في تقديم خدمات عسكرية متخصصة تشمل الإستشارات العسكرية، الإشراف على تدريب القوات النظامية، تقييم المخاطر، خدمات نزع الألغام، الإشراف على إصلاح وصيانة المعدات العسكرية ثم التدخل المباشر في العمليات الحربية…

وقد لعبت الشركة المذكوره دورا هاما ومحوريا في النزاع الليبي بين قوات حفتر و حكومة الوفاق الوطني، حيث أن دعمها لحفتر لم يكن سببا رئيسيا فقط في عدم سقوط قوات اللواء الليبي المتقاعد إلى اليوم، بل وإلى تعديل موازين القوى التي كانت في ماسبق راجحة لقوات حكومة الوفاق الوطني بشكل باد للعيان.

وقد شكل منشأ الشركة الروسي، وخدمتها كذلك للمصالح الروسية بالمنطقة، منبعا لإتهامات عدة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية على الخصوص، أساسها أن على الكرملين أن يتحمل مسؤوليته الكاملة اتجاه المجتمع الدولي أمام الإنتهاكات التي تقوم بها هذه الشركة العسكرية، خاصة وأنها تقف ضد حكومة الوفاق الوطني ذات الشرعية الوطنية و الإعتراف الدولي.

رد الحكومة الروسية في هذا الباب كان واضحا، فقد نفت أي صلة لها بالمجموعة، لكن هذا النفي لا ينقص من بحر اليقين قطرة واحدة، في أن شركة ” فاغنر” هي تابعة بشكل كبير إلى الإستخبارات العسكرية الروسية ولها دور هام في تنفيذ السياسة الخارجية للحكومة الروسية، ولا أدل على هذا أكثر من اللجوء المتواتر لخدمات شركة ” فاغنر” من طرف روسيا في مجموعة من مناطق ودول العالم ممن تمتد فيها المصالح الروسية وتكون فيها مهددة، كما أن حالة ” فاغنر” تشبه لحد كبير حالة الشركة العسكرية الخاصة الشهيرة “بلاك ووتر”، حيث لم يكن أحد لتعتريه أدنى ذرة شك في مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية عن تدخل هذه الشركة في كل من العراق وأفغانستان.

كما أن الملجأ الوحيد لمعرفة فيما إذا كانت الحكومة الروسية هي فعلا من توظف مجموعة ” فاغنر” في ليبيا أم لا، يبقى هو الإضطلاع على العقد المبرم بينهما، لكن ووفق ما أثبتته التجارب الدولية السابقة في هذا الباب، فإنه سيكون أقرب إلى المستحيل منه إلى الممكن أن يتم تسريب فحوى مثل هذه العقود، وإن سربت، فستكون عقودا شكلية فقط لا تعكس الحضور الفعلي للشركة العسكرية الخاصة في الميدان.

لكن الغريب أو الذي يبدو غريبا، هو لماذا قد تلجأ دولة تعتبر قوتها العسكرية من أعظم القوى العسكرية في العالم إلى شركة عسكرية خاصة، لتفوض لها حماية مصالحها في رقعة من بقاع العالم؟ أو بعبارة أصح، ماذا تستفيد روسيا من وجود شركة ” فاغنر” بليبيا؟

سنحاول الإجابة عن هذا التساؤل عن طريق عرض لبضع أسباب دفعت روسيا للتعاقد مع الشركة العسكرية الخاصة المذكورة، ولا شك أن من خلال هاته الأسباب سيستشف القارئ غاية الحكومة الروسية من هذا التعاقد.

اولا، إن إستعانة الحكومة الروسية بخدمات مجموعة ” فاغنر” يؤدي إلى تقليل الإنفاق العسكري، ويجعل من القوات العسكرية النظامية الروسية متفرغة للتركيز على مهامها الأساسية، فرغم أن أجور موظفي الشركات العسكرية الخاصة عامة قد تبدو مرتفعة، إلا أن هذه النفقات والأجور لا تدفع لهم إلا عند الإستعانة بهم، وبالتالي فهي مصاريف دورية مؤقتة وليست دائمة.

ثانيا، عملية التعاقد الخارجي مع هذه الشركة العسكرية يضمن عدم اضطرار الحكومة الروسية إلى المخاطرة بتكبد التكاليف السياسية المرتبطة بإرسال قواتها المسلحة في مواقف غير مفهومة أو مدعومة محليا كالحالة الليبية على سبيل المثال، علاوة على ذلك، فإن الخسائر بين موظفي الشركات العسكرية الخاصة خصوصا البشرية منها، لن تتسبب بنفس المشكلات السياسية التي تسببها وفاة أفراد القوات المسلحة الروسية.

ثم ثالثا، إن الإستعانة بالجيش النظامي الروسي في مهمات غير قتالية يضعفه ويجعله يحيد عن مهمته الأساسية المتمثلة في خوض الحروب، وبالتالي فالخدمات غير القتالية التي توظفها الشركات العسكرية الخاصة تجعل الجيوش النظامية تركز على مهمتها الأساسية، خصوصا أن شركة ” فاغنر” صارت تتملك أسهما في عدد من المنابر الإعلامية الليبية ما يجعلها تؤثر وبشكل كبير على الرأي العام الليبي، وهو ما لن يستطيع القيام به الجيش الروسي.

إن حالة الإعتماد الروسي على خدمات الشركات العسكرية الخاصة ليس الحالة الأولى ولا الوحيدة، بل ومنذ نهاية الحرب الباردة اتجهت عدة دول ومنظمات دولية أيضا إلى خدمات القطاع العسكري الخاص، وتوالت حالات الإعتماد حتى صار التخوف قائما من أن تحل هذه الكيانات الخاصة محل الجيوش النظامية ووصار التساؤل مفتوحا حول ما إذا كنا  أمام عصر الصناعات العسكرية الخاصة.

باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية.

Share
  • Link copied
المقال التالي