شارك المقال
  • تم النسخ

لجنة بنموسى للنموذج التنموي.. لماذا استشارت الأحزاب والنقابات واستبعدت الجامعة المغربية؟

منذ تعيينها قبل ثلاثة أشهر ونيف، شرعت لجنة النموذج التنموي الجديد، التي يترأسها شكيب بنموسى، بالاستماع إلى اقتراحات وتصورات ورؤى الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وبعض مكونات المجتمع المدني التي تم اختيارها، بخصوص سؤال النموذج التنموي الجديد الذي يطمح إليه المغاربة.

في مقابل ذلك لم تتلق الجامعة المغربية أية دعوة من طرف اللجنة لاستشارتها في موضوع التنمية الذي بات يشغل الباحث الأكاديمي بالجامعة المغربية، وهو ما بات يثيير سؤالا عريضا عن دور الجامعة ووظائفها، والمتمثلة أساسا في تقديم أجوبة علمية حول مطلب التنمية بعيدا عن المشاحنات الإيديولوجية والتدافع نحو المناصب والمواقع.

ومن المعلوم أن للجامعة ثلاثة وظائف أساسية: التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، وهي كلها أركان أساسية في مشاريع التنمية، فلماذا يتم إقصاء الجامعة المغربية من تقديم استشارتها فيما يتعلق بالنموذج التنموي المغربي المأمول؟

الجامعة فاعل أساسي في عملية التقدم والتنمية

في الجواب على السؤال، يعتبر سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، بأن “الجامعة ليست فقط شريكا في أي مشروع تنموي، بل ينبغي أن يكون لها دور ريادي ليس فقط لوظيفتها الأساسية في تكوين أطر المستقبل، واليد العاملة المؤهلة، وتطوير البحث العلمي، بل أيضا لأنها مؤسسة علمية وموضوعية”.

وما الفرق بين الأحزاب والنقابات والجامعة، أو ليست النقابات والأحزاب هي إفراز للجامعة المغربية، وأن أغلب قيادييها هم خريجو جامعات؟

في الجواب على السؤال، يقول الصديقي في اتصال مع جريدة “بناصا”: “إن ما يمز الجامعة عن غيرها من المؤسسات الأخرى المدنية والسياسية والنقابية والاقتصادية وغيرها، أن هذه الأخيرة تقدم مطالبها واحتياجاتها وهي محكومة غالبا بالمصالح الفئوية أو الحسابات السياسية الضيقة، بينما الجامعات تقدم رؤية علمية وموضوعية لما ينبغي أن يكون، وذلك استنادا على دراسات علمية وميدانية للواقع”.

ويضيف الصديقي متسائلا: “هل الأحزاب السياسية التي تقدم البرامج الانتخابية في كل استحقاق انتخابي ولها فضاءات كثيرة للتعبير عن تصوراتها من داخل البرلمان وغيره أولى بالاستشارة من المؤسسات الأكاديمية ومؤسسات التفكير المجردة من الحسابات الانتخابية الطارئة”.

كما أشار المتحدث إلى المجهودات التي تقوم بها الجامعة المغربية في سبيل مقاربة سؤال التنمية قبل عقدين من الزمن، حيث “نظمت الجامعات المغربية خلال العقدين الأخيرين مئات وربما آلاف الندوات والمؤتمرات الوطنية والدولية في قضايا ذات صلة مباشرة بالتنمية، وخلصت إلى نتائج وتوصيات مهمة، فهل طلبت هذه اللجنة الاطلاع عليها، أو اللقاء بمنظميها”. 

كما أن الجامعة المغربية، حسب الصديقي، “أنجزت أطاريح وأبحاث منشورة كثيرة في مختلف التخصصات العلمية ذات الصلة بالتنمية (الاقتصاد، الزراعة، علم الاجتماع، علم النفس، علم السياسة، القانون، علوم الأرض، البيئة …)، وبعضها كان بحثا ميدانيا ركز على قضايا محددة إما على المستوى الوطني أو الجهوي. فهل ستتجاهل اللجنة كل هذه الأعمال المنجزة والتي أنفق من أجلها الكثير من الجهد والمال”.

ورغم ما يعتري الجامعة المغربية من مشاكل وأعطاب، لكن الجامعة المغربية، “تزخر بباحثين في مختلف التخصصات العلمية والاجتماعية والإنسانية قادرين على المساهمة بفاعلية في إغناء أي تصور للتنمية. فدون شك هناك أستاذة جامعيون أعضاء في هذه اللجنة، لكنهم لا يمثلون الجامعة، وهم خبراء كغيرهم من الأعضاء الذين لا يمثلون قطاعاتهم. المطلوب هو ليس فقط إشراك الجامعة في مشروع التنمية، بل أن تعطى لها المكانة الريادية التي تستحقها في أي مشروع يروم تنمية البلاد وتقدمه”.

ويخلص الصديقي، وهو أستاذ العلاقات الدولية، وسبق له أن عمل في جامعات خارج الوطن، وشارك في مؤتمرات دولية، إلى أن الجامعة اليوم “تعد فاعلا أساسيا في عملية التقدم والتنمية، فإنها أيضا هدف لمشاريع التنمية، فلا يمكن صياغة رؤية لتطوير البحث العلمي والتكوين الأكاديمي دون أن تكون هناك استشارة حقيقية للباحثين في الجامعات المغربية”.

الجامعة مجال لإنتاج المعارف وصناعة الاجيال وليست لها طموحات انتخابية

بات واضحا آن اللجنة المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد التي يرأسها شكيب بنموسى، قد اختارت الابتعاد عن إشراك الجامعات المغربية لحد الآن، وهو ما يبدو غريبا، إذ كيف يمكن إعداد نموذج تنموي بدون الاستماع لتشخيصات ومقترحات الجامعة المغربية؟

أعرب عبد الرحيم المنار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، عن استغرابه إقصاء الجامعة المغربية من تقديم مقترحاتها بخصوص النموذج التنموي المأمول للمغرب.

وقال في اتصال مع جريدة “بناصا” في معرض جوابه عن السؤال أعلاه :”أعتقد أن الكلية التي تدبر يوميا مسار مابين 30 و45 ألف طالب وطالبة تعرف مفهوم ومضمون النموذج التنموي أكثر من الحزب السياسي والنقابة أو شخصيات يتم انتقاؤها للاستماع إليها”.

وأشار إلى أن الجامعة المغربية تضم عدة كفاءات على مستوى عال من التكوين، فالجامعة المغربية، حسب رأي اسليمي :” تضم أستاذ الاقتصاد الذي له اطلاع على المسارات التنموية في العالم وأستاذ علم السياسية الذي يفهم الطريقة التي توزع بها القوة في المجتمع، وأستاذ علم الاجتماع الذي يعرف طبيعة الظواهر الاجتماعية في المغرب ومساراتها خلال السنوات المقبلة، وأستاذ القانون الدستوري الذي قد ينبه اللجنة إلى مقترحات قد تكون متناقضة مع الدستور ..الخ”.

وأضاف اسليمي في اتصال مع جريدة “بناصا” بأن “الجامعة تعد مجالا لإنتاج المعارف وصناعة الأجيال وليست لها طموحات انتخابية مثل الاحزاب السياسية”.

فالجامعة، حسب رأي أستاذ العلوم السياسية، “تفكر بهدوء في المجتمع، بل إن الجامعات تدير يوميا مجتمعا من الطلبة والأساتذة والإداريين أمامها”.

ألا تضم لجنة بنموسى اساتذة ضمن تركيبتها مشهود لهم بالكفاءة؟

في الجواب على السؤال، يذهب أستاذ العلوم السياسية، إلى أن الجامعة التي يقصدها هي “مجالس الجامعات ومجالس الكليات ومختبرات البحث، أكثر من ذلك لا أحد يفهم كيف يتم تهميش الجامعة من طرف لجنة بنموسى ووزارة التعليم العالي والجامعات بصدد مناقشة إصلاح تعليمي للسنوات القادمة،فهل هذا الاصلاح بعيد عن النموذج التنموي؟”.

وقال: “الجامعة هي الفضاء القادر على تنبيه لجنة بنموسى أن النموذج التنموي ليس عبارة عن مجموعة اقتراحات حول سياسات عمومية، وإنما هو تحديد لتوجه الدولة، هل تكون ليبيرالية ام اجتماعية أم مزيج منهما”.

ويخلص اسليمي في اتصال مع جريدة “بناصا” إلى أن “الجامعة هي التي يمكنها أن تناقش مع لجنة بنموسى قضية ضرورة بناء النموذج التنموي انطلاقا من الدولة الترابية نحو المركز وليس العكس”.

ودعا اللجنة إلى فتح الحوار مع الجامعة وطرح السؤال على العميد والأستاذ الذي يدرس 1000 شخص في مدرج كيف يفكر في النموذج التنموي، وليس زعيم الحزب الذي يأتي ليقدم مطالب سياسية  وهو يفكر في الانتخابات المقبلة و”من يدري قد يكون زعيم الحزب ناقش مع لجنة بنموسى قضية نمط الاقتراع” يقول اسليمي متسائلا.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي