شارك المقال
  • تم النسخ

لأول مرة.. باحث تونسي يناقش دكتوراه حول مؤسسة الدولة في عهد الملك محمد السادس

نوقشت، أمس، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، أكدال، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، تقدم بها الباحث التونسي حاتم الغماري تحت عنوان “الملك محمد السادس وتحولات مؤسسة الدولة بالمغرب بعد 1999” ، تحت إشراف الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي.

وضمت لجنة التحكيم كل من الأستاذ فريد الباشا (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالرباط رئيسا)، والأستاذ عبد الرحيم المنار اسليمي (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالرباط مشرفا وعضوا)، والأستاذ عبد الحفيظ ادمينو (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق السويسي عضوا)، والأستاذ الطيب البكوش (أمين عام اتحاد المغرب العربي عضوا)، والأستاذ محمد الغالي (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق مراكش  عضوا)، والأستاذ الحسين اعبوشي (أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش عضوا).

انصب موضوع إصلاح الدولة بالمغرب حول الرصد والتحليل العلمي للتحولات التي عرفتها مؤسسة الدولة منذ تولي الملك محمد السادس الحكم في يوليو 1999، وذلك بتحليل المقاربة والفعل الذي سيقود إلى تحولات عميقة في مؤسسة الدولة نتيجة سياسات عامة وعمومية وبرامج ومشاريع واستراتيجيات معتمدة في القطاعات الحيوية، استنادا على الآلة الإدارية للدولة باعتبارها محور بلورة هذه الوظائف.

وأكد الباحث أن دراسة موضوع إصلاح وبناء الدولة الحديثة بالمغرب، لا تستقيم بمعزل عن الخصوصيات والتقاليد المتجذرة في نظام الحكم ومرجعياته. ذلك أنه “خلافا للدولة-الأمة الغربية التي ارتبط ظهورها بالعامل الاقتصادي وبنمط الإنتاج الرأسمالي، فإن الدولة-الأمة المغربية يرتبط ظهورها بالإسلام وبعوامل تاريخية وحضارية ورمزية أخرى.

وتقدم هذه الأطروحة دراسة لمظاهر وتجليات إصلاح الدولة بالمغرب، استنادا على مقاربة تحليل السياسات العمومية، لكون هذه الأخيرة أصبحت تشكل، أكثر من أي وقت مضى، آلية أساسية لفهم الرهانات التي تواجهها المجتمعات المعاصرة. وذلك من منطلق مختلف مرجعيات ومضمون المشاريع الإصلاحية لأهم القطاعات الحيوية، وكيفية التوفيق بين مكتسبات بناء الدولة الحديثة، وتحقيق المصالحة بين مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع، بتحسين مؤشرات الديمقراطية ومواجهة أشكال الخصاص، ومحدودية الإمكانيات المادية وخاصة الموارد الطبيعية. وهي معادلة ينجر عنها النقاش حول التوفيق بين توجهات الدولة الليبرالية ونظيرتها الاجتماعية. من خلال دراسة دوافع وأبعاد هذه المشاريع وتقييمها وقياس أثرها على عملية التغيير، في أفق اعتماد نموذج تنموي كلبنة لاكتمال أركان الانتقال الديمقراطي.

وتلعب المؤسسة الملكية دورا بالغ الأهمية في صنع السياسات العامة والعمومية، بحيث تشكل الخطب والرسائل الملكية مصدرا مهما لكل هيئات الدولة ومؤسساتها، على أساس كونها مجموعة من التوجيهات والأوامر التي تعتمدها الحكومة في إعداد برنامجها وعرضه على المجلس الوزاري، قبل عرضه على البرلمان للمصادقة، مما يجعل البرنامج الحكومي عبارة عن سياسة محددة مسبقا من طرف الملك.

وهكذا، اعتمدت الدولة منذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، على إطلاق أوراش وبرامج، ومخططات إصلاحية كبرى في مختلف المجالات، بدءا بإطلاق مفهوم جديد للسلطة، مرتكز على القرب والإنصات للمواطنين وحماية الحقوق والحريات الأساسية. لتنتقل بعدها الإصلاحات إلى كافة مناحي الحياة العامة بطريقة تدريجية، وفق مقاربة تروم الحفاظ على المكتسبات، وتعزيزها، من خلال الموازنة بين مبادئ الدولة الليبرالية والدولة الاجتماعية.      

واعتمد الباحث على عدة حقول معرفية وفق ما يلي:

1- حقل مركزي يتمثل في: السياسات العمومية، وهي تحيل في مدلولها، على فعل الحكومة في الميدان أو الدولة في حالة الفعل Etat en action، ومن تم، يتمحور تحليل مختلف السياسات العمومية التي تنهجها الدولة بالمغرب بعد وصول الملك محمد السادس لسدة الحكم، بالتركيز على تحولات الفعل العمومي واستراتيجية الفاعلين، وخاصة منهم الملك، كفاعل محوري في بلورة وتتبع تنفيذ مختلف هذه السياسات.

وفي المغرب، يوجد حقل السياسات العامة والسياسات العمومية والسياسة القطاعية والسياسة الترابية. وهي كلها مفاهيم تعمل داخل هذه الدراسة. وللتمييز بين السياسات العامة والسياسات العمومية في المغرب، يمكن القول أن السياسات العامة مرتبطة بإصلاحات كبرى يباشرها رئيس الدولة، وهي مرتبطة بالقطاعات والمؤسسات الكبرى. وغير خاضعة لأجندة تغير الحكومات. بينما ترتبط السياسات العمومية بالعمل والبرنامج الحكومي وهي تتغير حسب طبيعة الحكومات.

2- حقل علم السياسة، بما أن الدولة تعتبر من أهم مواضيع علم السياسة، لكونها تشكل مركز الفعل السياسي داخل المجتمع، وإما لأنها تشكل الاتجاه الذي يسعى إليه كل فعل سياسي، أي أن الدولة تظل مركزا استثنائيا لإنتاج الأفعال والآراء والمؤسسات السياسية، أو أفقا لكل فعل سياسي داخل المجتمع.

3- حقل القانون الدستوري، باعتباره مجموع القواعد القانونية، التي تنظم السلط داخل الدولة، وتحدد صلاحياتها واختصاصاتها وحدود تدخلاتها. تم الاعتماد على جملة من مبادئه، لفهم طبيعة اشتغال المؤسسة الملكية كمؤسسة دستورية، وتحديد صلاحياتها، وعلاقتها بمجموع المؤسسات الدستورية، على ضوء المقتضيات الدستورية والممارسة. ذلك أن اعتماد الوثيقة الدستورية لسنة 2011، أفرزت هندسة دستورية جديدة للسلط، تقتضي الانفتاح على حقل القانون الدستوري، لفهم وتحليل التوازنات السياسية، ومظاهر تعاون وتوازن السلط في النظام الدستوري المغربي، بالتركيز على مكانة وصلاحيات ومرجعية المؤسسة الملكية، من خلال الممارسة السياسية، ومنهجية بلورة مختلف المشاريع والقرارات السياسية ذات الصلة بإصلاح الدولة، من الزاوية الدستورية.  

4- حقل علم الإدارة، لكون جانب من موضوع الدراسة ينصب على تحليل مجموع القواعد والمبادئ ذات الصلة بالهياكل والأجهزة الإدارية التي تتشكل منها الدولة. وبما أن علم الإدارة يهتم بدراسة السلوكيات والظواهر الإدارية، فإن مقارباته تساعد على فهم طريقة اشتغال هذه الأجهزة من خلال تفكيك طبيعة النشاط والتنظيم الإداريين وفقا للنموذج المغربي. ذلك أن جزءا من هذه الدراسة ينصب حول مضمون ومظاهر الإصلاح الإداري بالقطاع العمومي وإبراز أهم المشاريع الإصلاحية التي تم اعتمادها.

5- حقل  السياسة الخارجية، وهو برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من أجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الخارجي. أو بعبارة أكثر بساطة، هي تلك العملية التي تقوم أي دولة باعتمادها، من أجل الدفاع عن مصالحها الوطنية لبلوغ هدف محدد سلفا.

النظريات المعتمدة في الدراسة

 وظف الباحث نظرية الانتقال الديمقراطي، التي تعود أصول التقعيد النظري لها إلى المؤلف الجماعي للباحثين Guillermo O’Donnell, Philippe C. Schmitter, Laurence Whitehead، والمعنون ب Transitions from Authoritarian Rule: ، حيث أرسى هؤلاء الباحثون دعائم النموذج النظري للانتقال الديمقراطي، باعتباره “عملية تسعى إلى تطبيق قواعد ديمقراطية سواء في مؤسسات لم تطبق بها من قبل أو امتداد هذه القواعد لتشمل أفراد أو مجموعات لم تشملهم من قبل”. كما يحيل مفهوم الانتقال على إحداث تغيير في النظام السياسي أو بتعبير أدق إحداث تعديل عميق في العلاقات السوسيو-اقتصادية داخل نسق الدولة.  ويمكن بسط “أهم أفكار نظرية الانتقال الديمقراطي، في التدرج، والانفتاح السياسي، وإطلاق الحريات، وثقافة النخب السياسية.

وتتعدد تعاريف الانتقال الديمقراطي بتعدد زوايا ومنظور الباحثين ومرجعياتهم الفكرية. فهناك من يرى بأن الانتقال الديمقراطي يمكن اعتباره “مسلسلا يروم توقيف القواعد الأوتوقراطية عن الاشتغال وتعويضها بأخرى ديمقراطية.

وتتناول بحوث الانتقال الديمقراطي، التي أصبح يطلق عليها اسم (Transitology)، ظروف تحول نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي، ومراحل الانتقال وسبل إنجاحه، وأسباب فشله في حالة الفشل. وجل هذه الدراسات تتفق على أهمية العوامل السياسية، والفاعلين وخياراتهم الاستراتيجية، كما يجمع منظروها غالبا على الديمقراطية بوصفها هدفا وغاية.

وبدأ النقاش حول الانتقال الديمقراطي بالمغرب، منذ تسعينيات القرن الماضي، ذلك أن الإصلاحات الدستورية لسنة 1992 و1996، والتوافق الذي حصل بين الملك والقوى السياسية المعارضة، وانتخابات 1997، وبروز حراك جمعوي. كلها عوامل فسحت المجال أمام بداية النقاش حول فكرة التحول السياسي، لتشكل بعد ذلك مدخلا للانتقال الديمقراطي، بعد اعتماد جملة من الإصلاحات السياسية. وشكلت مختلف الإصلاحات السياسية في حقبة التسعينيات، قفزة نوعية في بناء الدولة الحديثة بالمغرب بعد مأسسة مجموعة من التنظيمات والهيئات، وهي المكاسب الأرضية التي انطلق منها الملك محمد السادس في بناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ لبنات الانتقال الديمقراطي.

وعلى هذا الأساس، يسعى النموذج النظري المعتمد في الدراسة، إلى إبراز أوجه التحولات التي عرفتها أجهزة الدولة وتوجهاتها الحديثة بالمغرب، استنادا إلى مقاربة تروم تحليل السياسات العامة والعمومية، بتفكيك مختلف الإصلاحات التي شملت أهم القطاعات الحيوية، كالتعليم، الصحة، الأمن، الحقل الديني، السياسة الخارجية، إصلاح الإدارة، ومنظومة العدالة. وذلك، بالوقوف على تحولات الفعل العمومي، بعد اعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه، وإطلاقه لمفهوم جديد للسلطة يروم إعادة النظر في مقاربة المؤسسة الملكية وباقي الفاعلين لتدبير الشؤون العمومية. ثم تفكيك مضمون أهم المشاريع الإصلاحية لإبراز مكامن قوتها وضعفها وقياس أثرها وسبل تطويرها، انسجاما مع المنظور الملكي للإصلاح.

إشكالية الدراسة

تشخيص وتحليل مسار انتقال مؤسسة الدولة، وطبيعة الإصلاحات السياسية التي باشرتها المؤسسة الملكية كفاعل محوري في النظام السياسي المغربي، وذلك بالتركيز على مضمون أهم المشاريع الإصلاحية لمختلف القطاعات الحيوية بعد اعتلاء الملك محمد السادس سدة الحكم، وتقديم الطريقة التي ساهمت بها رؤيته وفعله في الميدان في تحقيق الانتقال الديمقراطي داخل النظام السياسي المغربي.

منهج الدراسة

ويتمثل في المنهج النسقي، حيث تم اعتماد المنهج النسقي لما يوفره من أدوات تحليلية لدراسة الظاهرة في شكلها المترابط وفي إطار علاقات التفاعل مع المحيط سواء في شكل استمرارية أو تغيير. إلا أن الإقرار باعتماد هذا المنهج لا يعني الاقتصار على خاصية المدخلات والمخرجات وانعكاسات المحيط بما يضمن إعادة إنتاج نفس الوضع والتنظيمات. بل إن الضرورة المنهجية تقتضي الكشف عن آليات ومقاربات اشتغال النسق الإداري والسياسي للدولة للإحاطة بمحددات ودوافع الإصلاح. ذلك أن ما يميز المنهج النسقي هو دراسة الظاهرة ككل في جميع تجلياتها، إذ أن النسق يتميز بخاصية الهرمية والاتصال والتكيف مع المحيط إما في شكل استمرارية أو في شكل تغيير.

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة؛ اسم الملف هو ambassadeur-tunisien-au-maroc.jpeg

وحضر المناقشة عدة شخصيات وسفراء ودبلوماسيين وخبراء يتقدمهم سفير الجمهورية التونسية بالمغرب والدكتور الطيب بكوش السياسي والحقوقي والدبلوماسي المخضرم الذي كان عضوا في لجنة المناقشة .

ويذكر أن الدكتور حاتم الغماري هو نجل المدير السابق في المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم محمد الغماري الذي كان ناقش في سنة 1988  أطروحة تحت عنوان : “قراءة فى الفكر السياسي للملك الحسن الثاني”، ثم التحق إثرها بالديوان الملكي المغربي كمكلف بمهمة قبل أن يتم تعيينه في منظمة “ايسيسكو” التي تقلد فيها عدة مهام قيادية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي