قال موقع التحليل الدفاعي الأمريكي، “ديفنس وان” Defense One، في تقرير له، إن روسيا تستغل الفراغ الغربي في منطقة الساحل الإفريقي، ويتزامن رفض النيجر للعلاقات الديمقراطية بشكل صارخ مع احتضانها للمساعدة العسكرية الروسية منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2023.
واندلع التوتر بعد أن زار وفد أمريكي النيجر في مارس، مما دفع المجلس العسكري في البلاد إلى إنهاء اتفاق عسكري محوري مع الولايات المتحدة، وجاء ذلك بعد إلغاء النيجر في وقت سابق لعقدين عسكريين مع الاتحاد الأوروبي كانا يهدفان إلى قمع العنف المتطرف في منطقة الساحل.
ويتزامن رفض النيجر للعلاقات الديمقراطية بشكل صارخ مع احتضانها للمساعدة العسكرية الروسية منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2023، حيث إن هذا التحول الجذري بعيدًا عن الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة وفرنسا تجاه روسيا والصين يعكس تصرفات دول شمال إفريقيا مالي وبوركينا فاسو.
ومع استسلام لاعب رئيسي آخر في منطقة الساحل للحكم العسكري والنفوذ الروسي، تشير تصرفات النيجر إلى تحول جيوسياسي عميق، وربما يعيد تشكيل توازن القوى والاستقرار في غرب أفريقيا.
ستة انقلابات، وثلاثة أسباب
وشهدت منطقة الساحل ستة انقلابات ناجحة منذ عام 2020: في الغابون (غشت 2023)؛ مالي (2020، 2021)، بوركينا فاسو (يناير 2022، سبتمبر 2022)، غينيا (2021)، النيجر (يوليو 2023).
وفي كل حالة، تم الاستشهاد بالركود الاقتصادي، والهجمات العنيفة، وانعدام الثقة في القادة المدنيين كأسباب رئيسية لتدخل الجيش، ولعبت المشاعر المعادية لفرنسا أيضًا دورًا موحدًا في هذه الأحداث.
وفي حالة النيجر، أدى انقلاب يوليو 2023، وما تلا ذلك من طرد القوات الفرنسية في ديسمبر 2023، إلى إنهاء ما يقرب من عقد من التقدم الديمقراطي وأثار إدانة دولية واسعة النطاق.
وبينما انتقد الاتحاد الأوروبي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) الانقلاب علناً، وأعربت دول مجاورة مثل بوركينا فاسو وغينيا ومالي ــ التي نأت بنفسها عن فرنسا ــ عن دعمها للنظام العسكري في النيجر، وصعدت بوركينا فاسو ومالي التوترات بشكل أكبر بإعلانهما أن أي تدخل عسكري أجنبي سيعتبر عملاً من أعمال الحرب.
ومضى التقرير موضحا أن عقود من الدعم والتدخل من جانب القوة الاستعمارية السابقة لم تسفر عن نتائج تذكر في التقدم الاقتصادي أو السياسي أو في الحد من العنف المتطرف في هذه المناطق؛ وتفاقمت القضايا بشكل أكبر بعد كوفيد-19، حيث تصارعت فرنسا مع صراعاتها المالية والأمنية، مما مهد الطريق لشراكات جيوسياسية جديدة.
المشاركة الروسية والصينية
وعلى النقيض من الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين كثيراً ما تربطان مساعداتهما العسكرية بشروط سياسية وأخلاقية، فقد تبنت روسيا استراتيجية تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتوفير الغذاء والأمن والأسلحة دون الشروط الغربية المعتادة.
وعلى نحو مماثل، تعرض الصين، أكبر مستثمر أجنبي في المنطقة، الأموال النقدية السريعة والوعود ببناء البنية الأساسية في مقابل حقوق الموارد في المستقبل ــ وهو اقتراح مغري للأنظمة غير المستقرة التي تتطلع إلى مركزية السلطة.
واستفادت روسيا بشكل استراتيجي من مهمات حفظ السلام الفاشلة والانسحابات العسكرية من قبل القوى الغربية، وتدخلت لتقديم الدعم الدبلوماسي والمساعدة الأمنية والمساعدات في مكافحة الإرهاب لدول مثل مالي وبوركينا فاسو، والآن النيجر.
وقد أثبتت هذه التحالفات الجديدة والوصول إلى الموارد أنها مفيدة بشكل خاص حيث تواجه روسيا التدقيق بسبب غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022.
وفي مالي، بعد الانقلاب العسكري في أواخر عام 2021، نشر المستشارون العسكريون الروس ومجموعة فاغنر – التي أعيدت تسميتها الآن باسم الفيلق الأفريقي – طائرات L-39 ومقاتلات سوخوي 25 وطائرات هليكوبتر حربية من طراز Mi-24P، إلى جانب فرقة مكونة من 400 مرتزق بهدف مكافحة التمرد الجهادي في المنطقة.
ورغم هذه التعزيزات، تفاقم الوضع الأمني في مالي، وأفاد مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه أن أكثر من 2000 مدني قتلوا منذ ديسمبر 2021، وهي زيادة كبيرة عن العام السابق، والجدير بالذكر أن جزءًا كبيرًا من هذه الوفيات الأخيرة تم ربطه بالعمليات التي شاركت فيها مجموعة فاغنر.
وشهدت بوركينا فاسو مشكلات أمنية مماثلة تزامنا مع الدعم الروسي. منذ يناير 2024، وصلت شحنة من الأسلحة الروسية وفريق مكون من 100 مقاتل شبه عسكري، مع توقع وصول 200 جندي إضافي قريبًا.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التعزيزات، لا يزال العنف يتصاعد بشكل كبير، وفي الوقت الحالي، نزح أكثر من 2.1 مليون شخص بسبب الصراع المستمر، وما يقرب من ربع المدارس في البلاد غير عاملة.
ويتوقع المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية أن الجماعات الإسلامية المتشددة ستكون مسؤولة عن ما يقرب من 8600 حالة وفاة في بوركينا فاسو هذا العام، وهو ما يمثل زيادة مذهلة بنسبة 137% عن العام السابق الذي بلغ 3627 حالة وفاة.
ويسلط العنف المستمر الضوء على الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة والمتطورة في منطقة الساحل، ويسلط الضوء على النتائج المختلطة للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة.
الآثار الأمنية
وقبل انقلاب يوليو 2023 في النيجر، حافظت الولايات المتحدة على وجود كبير بأكثر من 1000 جندي من القوات وقاعدتان للطائرات بدون طيار: القاعدة الجوية 101 في نيامي والقاعدة الجوية 201 بالقرب من أغاديز، المستخدمة في عمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في غرب أفريقيا.
وبعد الانقلاب، وافقت فرنسا على سحب 1500 جندي من النيجر بحلول نهاية العام، وجاء ذلك بعد انسحابها الكامل من مالي في غشت 2022 ووقف التعاون العسكري مع بوركينا فاسو في فبراير، على الرغم من تصاعد هجمات المتمردين الإسلاميين في تلك البلدان.
وأتاح هذا الفراغ الجيوسياسي لروسيا والصين فرصًا لتوسيع نفوذهما من خلال تقديم الدعم السريع للأنظمة الجديدة دون الشروط الصارمة التي تفرضها القوى الغربية عادةً.
ومع ذلك، فإن مشاركتهم تفشل في معالجة القضايا الأساسية الحاسمة للاستقرار على المدى الطويل، بما في ذلك انتشار الجماعات المسلحة، والفساد الحكومي، والفقر المستمر، وتشير هذه الإغفالات إلى أن مجرد استبدال النفوذ الغربي بالنفوذ الشرقي قد لا يحل المشاكل الأساسية التي تعاني منها منطقة الساحل.
ويطرح الانتقال من التحالفات الغربية إلى التحالفات الشرقية في منطقة الساحل تساؤلات حول مستقبل الأمن الإقليمي وإدارة الموارد المحلية، ويظل من غير المؤكد ما إذا كان هذا التحول سيخفف من العنف المتطرف الذي زعزع استقرار المنطقة لسنوات.
وخلص التقرير، إلى أنه وبينما يتراجع الغرب على ما يبدو، ويتبنى دورًا أكثر سلبية، فإنه يراقب منطقة الساحل وهي تبحر في هذا الواقع الجيوسياسي الجديد، مما قد يكون إيذانًا بفترة من الاضطرابات المستمرة وإعادة التنظيم الاستراتيجي.
تعليقات الزوار ( 0 )