بدأ الحديث اليوم يكثر، أكثر من أي وقت مضى، من قبل الهيئات الإعلامية، والمختصين في المجال السياسي عن مدى تأثير مهمة توقيع اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي أسندت لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، قبل أسابيع، على المستقبل السياسي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي.
ويقول عدد من المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب، إن العثماني أدان نفسه ورمى بها تحت عجلات حافلة ليدوس بها على ما تبقى له من تاريخ ورمزية في أحداث كبيرة تتعلق بمناهضة التطبيع ولوازم القضية الفلسطينية، حيث لم يكن يذكر اسم الحزب من غير أن تُذكر معهم شعارات القضية الفلسطينة.
وفي مقال نشره العثماني سنة 1996 في مجلة “الفرقان”، تحت عنوان “التطبيع إبادة حضارية”، خلص إلى أن “التطبيع يأتي كأفضل أداة تفتق عنها المكر الصهيوني، فهو شرط يضعه في المقدمة لكل اتفاقية سلام، فلا سلام عندهم بدون تطبيع سياسي وثقافي واقتصادي، وإلا فالحرب، بذلك يصرح زعماء الكيان الصهيوني باستمرار، وعلى ذلك يؤكدون في كل وقت وحين”.
وبين الأمس واليوم وماضي الحزب وحاضره وكذلك مستقبله، بدأت تُطْرَحُ أسئلة ظلّت مدفونة تحت ركام الأيديولوجيات لفترة مديدة، نظير هل يسقط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التي لا يفصلنا عن تاريخها سوى ستة أشهر، كما سقط في مستنقع التطبيع، هل سقط قناع الحزب “المزيف” حول العروبة والقضية الفلسطينية بعد التطبيع، ثم هل أصبح الحزب الإسلامي أكثر براغماتية من باقي بعض الأحزاب الأخرى؟
وفي هذا الإطار، قال خالد لشهب، الباحث والمختص في شؤون الحركات الإسلامية، “إن حزب العدالة والتنمية تداعى من الداخل بعدما فقد الكثير من مصداقيته لدى المؤمنين به، وعملية التطبيع كانت القشة التي قسمت ظهر البعير وقلصت الكتلة الثابتة إلى فئة من الذين لا مصلحة لهم في خروج الحزب من التدبير الحكومي بما يحصلونه من منافع ذاتية”.
وتوقع الباحث ذاته، ” أن الحزب لن يكون على رأس الحكومة لولاية ثالثة لكنه سيبقى داخل الحكومة من أجل المزيد من الاستنزاف فقط؛ ولأن الحزب لن يكون له أي تأثير في المعارضة ولن يختارها إلا إذا أُرغم على ذلك”.
وأكد لشهب، ضمن تصريح لـ”بناصا”، “أن النجاح والفشل يرتبط برغبة المخزن أكثر مما يرتبط برغبة الناخبين، موضحا، أن الرغبة هنا، لا يقصد منها أن المخزن سيرغم الحزب على التنحي، ولكن المخزن له آلياته الخاصة لفعل ذلك إذا ما رغب حقا في تنحية حزب ولم يعد له به حاجة”.
وأوضح المتحدث ذاته، “أن التفكير في العمل السياسي في المغرب يقتضي التفكير فيه بما يمليه السياق والتداول؛ أي ضرورة استحضار طبيعة النظام السياسي أكثر من التفكير في مقاربة الأمر من جانبه النظري الصِّرف، أو على الأقل بما يمليه التداول السياسي الغربي؛ أي حين يكون التنبؤ بالنتائج رهينا بآلية التصويت، وإرادة الناخبين، وما تمليه مصالحهم فُرادى أو جماعات”.
وأضاف، “حتى لو أردنا أن نطرح سؤالا بسيطا بعيدا عن أي تعقيد، وبحسن نية أيضا، وقلنا مثلا: ما الذي نجح فيه الحزب وما الذي فشل فيه حتى يصوت عليه المغاربة أو لا يصوتوا؟ نطرح هذا السؤال دون اعتبار آخر؛ فإن ذلك السؤال البسيط سيجرنا بالضرورة إلى طبيعة السلطة المعقدة في المغرب، والتي تمتزج فيها الدولة السلطانية بأعرافها القوروسطوية بالدولة الحديثة بأعرافها الديمقراطية؛ وهذا يجعل الحديث عن النجاح والفشل مستشكلا يتفرق دمه بين القبائل كما يحدث اليوم في فيضانات الدار البيضاء”.
وشدّد، الباحث والمختص في شؤون الحركات الإسلامية، على “أن الحزب لا يفشل ولا ينجح بما له علاقة بتدبير أحوال المواطنين، ولهذا يلزم مقاربة السؤال بما له علاقة بالتداول المغربي أي إلى اعتبار العوامل التي تتحكم عادة في فشل أو نجاح حزب مغربي ما”.
وتابع في السياق ذاته قائلا: “حتى الحديث عن الكتلة الثابتة التي غالبا ما يتم اعتبارها عنصرا حاسما في نتائج الحزب، أظن أن هذا المعطى أصبح متجاوزا إذا ما علمنا أن الكتلة الثابتة لا تتأثر بالتدبير الحكومي ولكنها تتأثر بالخطاب الحزبي”.
واعتبر المتحدث، “أن حزب العدالة والتنمية، لم يكن يضع قناعا حتى يَسقط عنه القناع، فالذين يعرفون ظروف نشأة الحزب والأبجديات التي يقوم عليها؛ يفهمون أن الحزب لم يكن ممانعا في يوم من الأيام ولا مناوئا للنظام، وأنه تم إنشاؤه بإرادة المخزن؛ وأن المخزن هو من كان يتصل بالحزب وينسّق معه قبل أي خطوة ينوي القيام بها”.
واسترسل لشهب، “أن الحزب تم اصطناعه على أعين المخزن ولحاجة في نفسه. وما كان يُناضل من أجله الحزب- إذا ما اعتبرناه نضالا- إنما كان في أمور تصب في مصلحة المخزن لغاية خلق نوع من التوازن داخل الساحة السياسية والمجتمع؛ ولكي لا تكون الملكية في مصب التيار الجارف المناوئ لما تقوم عليه الملكية من الرياح القادمة من الشرق”.
وتابع، “أن ما كان يروج له الحزب ويتخذه عادة ذريعة لكسب نوع من الشرعية لدى مجتمع تقليدي حالم؛ إنما هو وسيلة لحرب مصالح متبادلة منها غاية الضغط على الملكية وفرض الحزب عليها بمزاحمتها المرجعية”.
“ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يناوئ الحزب غاية القرب من الملكية والطمع في جعلها خادمة لمشاريعه الماضوية من أجل وسيلة كيفما كانت هذه الوسيلة، حتى ولو كانت توقيع التطبيع مع كيان طالما بنى الحزب خطابه لاستدراج الحالمين عليه”، يُردف المتحدث ذاته.
من جانب آخر، قال لشهب، إنه “كان ممكنا أن يكلّف المخزن وزير خارجيته التكنوقراط من أجل التوقيع؛ وبالتالي يتجنب إحراج الحزب وأمينه العام. كان ذلك ممكنا؛ ولكن المخزن أراد استغلال الفرصة لتعرية حزب ينافس الملكية شرعيتها الدينية ويدعي الطُّهرانية في بلد لا يجوز فيه منافسة الملكية طُهرانيتها ومرجعيتها.
وأضاف، أنّ “هذا يدل بما لا يدع مجالا للشك أن المخزن قد قضى وطره من الحزب الإسلامي و لم تعد له رغبة بالمطلق في رؤيته في رئاسة الحكومة”.
وأشار الباحث والمختص في شؤون الحركات الإسلامية، إلى أنه من المؤسف أن الحديث عن البارغماتية في مشاريع وفلسفة الأحزاب حتى وإن وجدت فإنها تبقى حبرا على ورق يتم تحيينها بعد كل مناسبة انتخابية؛ بينما يتم التعامل مع التدبير الحكومي بمنطق الوزيعة والكعكة”.
وخلص لشهب، إلى أنّ “الحديث عن البارغماتية بما يقتضيه المفهوم نظريا إنما يعني فقط بارغماتية الأفراد لا بارغماتية المشاريع التي غالبا ما تتحكم في إرادة الناخبين. فالصواب أن نقول: هل يسير الحزب إلى أن يصبح أكثر لهطة من الأحزاب الأخرى بعدما ظل لسنوات يعيبها على الأحزاب”.
تعليقات الزوار ( 0 )