الوضع مقلق و الوباء يتمدد و حالة من العياء اصابت الجميع , الكل منهك , فقط من يملكون يخوثا يواجهون الوباء بالاسترخاء و كؤوس النبيذ.
ما نعيشه محنة , الارقام تتسابق و عداد المصابين في ارتفاع , الموت اصبح طقسا يوميا .
اليوم , بدأنا نقترب من حالة العجز امام فيروس اعتقلنا و انتصر على قيم الحياة، و اوقف كل الا نشطة ماعدا نشاطا واحدا ان يحصي عدد المصابين و المخالطين و الموتى .
الحكومة اجتهدت
الناس تضامنت
الاطر الطبية تحولت الى محاربين في ساحة قتال امام شر سائل بحسب توصيف السوسيولوجي البولندي ريجموند باومان .
رغم كل المجهودات الكبيرة دولة و مجتمعا, نحن في محنة .
العلم مازال عاجزا .!
و العلماء حائرون !.
المساجد التي كانت ملجأ المحتاجين اغلقت .!
صلوات الجمعة الغيت .!
امام هذه الانسداد تزداد الحيرة و يرتفع منسوب القلق .
اعتقد اننا و الحالة هاته و في كل حالات العوز نحتاج الى دعاء استثنائي , نحتاج الى فعل استثنائي , نحتاج الى شخص استثنائي !
ما نحتاجه اليوم , بمعية كل المجهوذات المبذولة هو دعوات امهاتنا
لا اعرف , لماذا لم تلجأ الحكومة الى دعوات امهاتنا !
ما اطلبه و ما تطلبه و ما يطلبه كل عاقل ان تكون امهاتنا راضيات عنا لان احلامنا تحت اقدامهن .
ما قيل عن الام و حنان الام و فضل الام يستحيل تعداده , فالكلمات تبدو قصيرة قاصرة عن وصف عظمتها .
انها نور كل البيوت , كل البيوت مظلمة الا ان تستقيظ الام ليخرج الظلام و الغم و الهم
مازالت استغرب لماذا حكومتنا الموقرة لم تطلب من امهاتنا الدعاء كي يتوقف الوباء و تنتهي الشدة !
اخاف ان تكون حكومة عاقة و ربما معيقة , و ان كنت متاكدا انهاعائق ؟
التمس من رئيس حكومتنا ان ان يطلب من احد مستشاريه تلخيصا لرواية
من روائع انطون تشخيوف حول الزوجة و الام , لانها حكايات تشبهنا و ربما تتحدث عنا لكن بطريقة رمزية ساحرة !
قصة تشيخوف مكتوبة عنا و ربما لنا , هنا قيمة الادب و عمق الادب : تكسير للحدود من اجل الانسان . الم يطالب محمود درويش بالغاء كل جوازات السفر لان قلوب الناس و احاسيسهم هي الوطن الاول و الاخير.
يحكي تشخيوف بحس ابداعي حكاية عن فلاح عجوز يحمل زوجته المريضة عبر عربة قديمة يجرها حصان هزيل ، من اجل نقلها الى المدينة قصد العلاج .
المسافة طويلة و الحصان هزيل و حركة العربة تقيلة و الزمن يمر بطيئا كما هو الحال عندنا / بطء التدخل! ,
بدا العجوز يغني من اجل مواساة زوجته التي عاشت معه طوال أربعين عاما في شقاء وبؤس ومعاناة. تفعل كل شئ , تعمل تنتج تغزل الصوف و تسقي الارض تتعذب لكنها لم تستفد شيئا و النتيجة مرض لا يرحم و طريق طويل و متعب من اجل العلاج ربما تتشابه الوقائع مع اختلاف الزمان و المكان !
مع طول الطريق ,و تحمل ملل الرحلة قرر العجوز الفضفضة , هنا بدأ مسلسل الاعتراف , بعدها بدأ يبكي و يطلب السماح من زوجته الصبورة و التي انهكها المرض و الفقر و الحاجة و العوز .
احس أنه كان قاسيا معها طوال السنوات الماضية، بعدها بدا يقدم لها من الوعود ما يعوض به السنوات العجاف .
في مشهد مؤثر , و أسر , وصلت العربة الى المدينة , اوقف الحصان و نزل ليحمل زوجته المناضلة الصابرة بين دراعييه الى الطبيب .
احس يشئ غريب , ببردودة جسدها , نزل أرضا ووضعها على ركبتيه يتفحص جسدها ليكتشف في الاخير انها ماتت حتى قبل ان تسمع كلماته الرقيقة بعد اربعين سنة من العذاب و المعاناة .
ربما , منتوج الحكاية فائض من الالم يحس به كل انسان مازال ضميره ينبض و كل مسؤول يحمل في قلبه ذرة حب لهذا الشعب المقهور .
امام هذه المحنة , ادعو السيد العثماني الى ان لا يكرر حكاية العجوز , و ان طريق الامل مازال قائما , مادمت معنا امهاتنا .
الام , تلك التي بدونها تتحول الحياة الى كتلة جماد , تلك الى كتب عنها تشيخوف دائما اقصوصة في غاية العمق حين حكى قصة وفاته , و بعد الدفن و جد نفسه مع مجموعة ملائكة يحيطون به , طلب منهم ان يعيدوه للحياة لكي يطمئن على زوجته الحامل , رفضوا طلبه لكنهم احضروا له شاشة يرى فيه كل ما يقع خارج قبره , ولان الزمن يختلف فقد تغير كل شئ , ان اعز الناس اليه قد نسوه ؟؟؟
في زحمة ما راى ظلا لا يتغير , كل شئ تغير الاخوة و الزوجة و الابناء و الاصدقاء الا ظلا بقيا لا يتحرك و لا يتغير !
طلب تشخيوف من الملائكة تكبير الصورة ليعرف من يكون هذا الظل ؟
فاكتشف ان الظل هو امه التي ظلت تبكيه بحرقة من وفاته , انها الام التي لا تتغير رغم ان كل شئ يتغير .
حكايات تشيخوف الحزينة حول الام و الزوجة تمنحنا الكثير من مساحات التفكير في الالم و الامل.
حجم الالم كبير نتيجة طول اللامبالاة و العوز و الهشاشة , لكن الامل تصنعه لنا امهاتنا و دعوات امهاتنا . قد تكون الحكومة مصدر الالم و تكون الامهات طريقا للأمل.
في وطني العزيز كل يوجه الشدة بطريقته الخاصة هناك من يواجهها بالاسترخاء و كؤوس النبيذ وهناك من سيواجهها بدعاء الامهات.
تعليقات الزوار ( 0 )