كنز الإبداع

يحكي أن رجلاً كان يمتلك كنزاً من الذهب، دفنه في الأرض خوفاً من أن يكتشفه أحد من الناس، وكان يزور كنزه كل يوم للاطمئنان عليه؛ فيحصيه ويعدّه قطعة قطعة. ويبدو أن زيارات الرجل لكنزه المتواترة يوماً بعد يوم قد نبّهت بعض اللصوص؛ فراقبوه وعرفوا موضع الكنز، وفي ليلة حاسمة توجه اللصوص لمكان الكنز وسرقوه ولاذوا بالفرار. اكتشف الرجل سرقة الكنز؛ فحزن حزناً شديداً وجلس يئن ويتأوه ويندب حظه. وعندما علم أحد أصدقائه بما أصابه قال له: “لا تحزن يا صديقي، خذ بعض الحجارة وادفنها وتخيلها ذهباً وستشعر بالسعادة نفسها التي كنت تستشعرها في رعايتك لكنزك؛ فإنك لم تكن تنفق منه شيئاً واكتفيت بدفنه وتعهده!”

إن قدرات الإنسان غير عادية في التعامل مع نفسه ومع مشكلات حياته، شريطة أن يتعامل الإنسان مع ذلك الجزء اللاوعي منا الذي يحتاج إلى اكتشاف وتواصل وتصالح في بعض الأحيان. ومن المؤكد أننا لو استغللنا هذا الجانب من شخصيتنا على نحو مثالي لتمكنا من تحقيق الكثير من الإنجازات الحياتية غير المسبوقة،ولعالجنا جُلّ مشاكلنا النفسية والعاطفية. إن هذا الجانب المخفي من كياننا النفسي هو كنز حقيقي يختزن إبداعاتنا ويضمر حلولاًغير تقليدية لأصعب أزماتنا، كما يحتفظ هذا الكنز بتلك الأفكار التي تدعو للتعجب أحياناً وللسخرية أحياناً أخرى.

إن البارعين في حياتنا هم القادرون على اكتشاف هذا الكنز من خلال البحث في الذات عن مكامن قدرات الإنسان المخفية بين طوايا نفسه، يكشفون عنها الغبار ويطلقون طاقاتها فيحدثون النجاح الذي يبهر العالم ويغير وجه التاريخ. فلتفتح قنوات الاتصال بينك وبين نفسك، ولتبحث فيها عن هذا الكنز لتبصر جوانب إبداعك، تصالح مع نفسك وتعرف قدراتك الكامنة، أنصت لذلك الصوت الذي يأتيك من بعيد واعلم أنك قادر ومتميز ومبدع.

ولا يُكتفى باكتشاف الكنز وإدراك القدرات؛ وإنما من الضروري أن تستغله وتخرج درره ولآلئه، ولتأخذ وقتك لإدراك هذا الجزء المبدع فينفسك، ولا أعني قدرات الإبداع الفني الشائع؛ وإنما أعني ذلك الجزء الذي يفكر في طريقة جديدة لحل المشكلات، أو هذا الجانبالذي يرغب في القيام بشيء مختلف في الحياة.

وإذا ما استشعرت أي اعتراض نفسي نتيجة خيار إبداعي؛ فعليك أن تقنع هذا الجزء الذي يقف في وجه إبداعاتك، محفزاً له تارة وموضحاً أثر المغامرة في حياة الناس والعالم من حولنا تارة أخرى، وما أسهمت فيه الإبداعات من رقي إنساني. إن اكتشافك لكنزك أمر ممكن، وباغتنامك إياه.. سترى نفسك تشق درباً فريداً في مسارات حياتك.