منذ إعلان المغرب تسجيل أول حالة من الإصابة بفيروس كورونا المستجد (مارس 2020)، وفرض الحجر الصحي حاول كل واحد من زاويته استغلال الحجر لإنتاج أشياء، تفيد الدولة، أو مراجعات للنفوس.
في هذا السياق ذهب عدد من الباحثين إلى استغلال هذه الفترة لإنتاجات علمية وأخرى روائية تؤثث الخزانة الوطنية في عالم الرواية، الأدب، الاقتصاد والقانون.
تأملات في زمن كورونا
يقول أحمد لعيوني، مفتش ممتاز بالمصالح الاقتصادية بوزارة التربية الوطنية سابقا، متقاعد حاليا، كاتب وباحث في تاريخ منطقة امزاب بالشاوية، إن موضوع كورونا المستجد تطرقت له الصحافة عبر بقاع العالم بجميع أنواعها بكميات وافرة، خاصة مع انتشار الوباء بشكل سريع، والارتباك الذي طال المؤسسات والأفراد. كما ألـفت بشأنه العديد من الكتب عبر العالم وبمختلف اللغات منذ النصف الثاني من سنة 2020. تناوله الاختصاصيون في المجال الطبي والنفسي، وفي مجالات أخرى اقتصادية واجتماعية وأدبية وفكريي.
والمقصود بالتأمل في هذا الموضوع بالخصوص، حسب العيوني هو التفكير في أشياء خَفية تخالجنا، وهل نستطيع حلها عن طريق التدبر الذاتي، وضبط النفس والتعامل مع الصدمات بطريقة تخرجنا من النفق بأمن وبسلام.
الكاتب أحمد العيوني الذي تحدث لموقع “بناصا” أكد أن ما دعانه شخصيا للتأمل في الموضوع، هو فترة فرض الحجر الصحي مجبرا على المكوث في البيوت ليلا ونهارا، ثم حالة الطوارئ الصحية، موضحا “مع الالتزام بالتدابير الاحترازية، من التباعد الجسدي، والتخلي عن المصافحة والعناق، وإلزامية حمل الكمّامات، والتعقيم والنظافة، والتدافع أمام المتاجر لاقتناء المواد الغذائية ومختلف السلع الاستهلاكية داخل المنازل. وأيضا القيود المفروضة على السفر، كلها عوامل دفعتني لأسطر برنامجا للحفاظ على الروتين اليومي، من استيقاظ مبكر كالعادة، ثم الاستحمام والحفاظ على الهندام بتغيير الملابس بشكل عادي، ثم توزيع الزمن اليومي إلى حصص متنوعة، منها فترة أساسية للمطالعة، ثم الاستماع إلى محاضرات وندوات عن طريق قناة اليوتوب التي تناقش قضايا اهتم بها شخصيا، ومشاهدة بعض الأفلام للتسلية، والاستماع إلى مقاطع موسيقية إلى غير ذلك، مما يفيد، ويفرج عن النفس، ويملأ الفراغ. وأيضا متابعة الأخبار، ومنها ما يتعلق بالحالة الوبائية لكن بالتمييز بين الصحيح والزائف، حتى لا تلتبس على الأمور وأسقط في المتاهات. ثم بالتوازي مع ذلك الجأ إلى كتابة خواطر وأفكار، وجمع معلومات لتكوين موضوع قابل للنشر ببعض المواقع”.
وأوضح المتحدث نفسه، في هذا الكتاب حاولت تجميع بعض المقالات التي نشرتها خلال الحجر الصحي وتتعلق بالموضوع أو تلامسه، وبعضها سبق لي أن كتبتها من قبل وتبين لي أنها تقارب، أو تناسب الموضوع. من ذلك التداعيات النفسية التي ما تزال أعراضها مستمرة بين الناس، وهناك من الخبراء من يتوقع استمرارها إلى حدود عشر سنوات بعد القضاء على الوباء، ما لم تتخذ إجراءات للحد منها، وهو شيء مستبعد بالنسبة لفئات عريضة من المجتمع، وخاصة بالبلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل.
أي دور للمؤرخ في فهم أزمة كورونا؟
بعدما اكتسب فيروس كورونا المستجد طابعه الكوني، أغلقت مختلف دول العالم حدودها، وأخضعت شعوبها لتدابير وقائية صارمة على رأسها الحجر الصحي، الذي ألزم الناس بيوتهم وسط المخاوف من التعرض للإصابة بالوباء. في هذه الظروف، لم يعد العالم فقط أمام أزمة صحية، بل أمام أزمة كبرى متعددة المستويات، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ونفسيا…، الشيء الذي حرك المتخصصين في مختلف المجالات لمناقشة مظاهر الأزمة وتداعياتها الحالية والمستقبلية، وذلك بدرجة متفاوتة اختلفت حسب قوة كل مظهر من مظاهرها.
صدر في زمن الجائحة عن مركز تكامل للدراسات والأبحاث، كتاب جماعي بعنوان ” أي دور للمؤرخ في فهم أزمة كورونا؟”، حيث يبصم في مضمونه على دور المؤرخين المتخصصين في بعض الحقول المعرفية كالاقتصاد والقانون وعلم النفس والاجتماع والعلوم السياسية وغيرها، فإن الانطباع السائد بخصوص حقول أخرى مثل حقل التاريخ، يجعلنا أمام فكرة سائدة تعتبر المؤرخ غير معني بالتفاعل مع الحدث الآني، وهو ما قد ينطبق على أزمة كورونا الحالية، ومن هنا تأتي مشروعية السؤال: أي دور للمؤرخ في فهم أزمة كورونا؟
ووفقا لمنشور للمركز فإن الأمر لا يتعلق بمحاولة فهم الأزمة لذاتها، لأن الأمر ينطوي على مخاطر منهجية بالنسبة للمؤرخ، أهمها خطر التفسير بالاستناد على معطيات ظرفية قابلة للتغير في أي لحظة. بل بمحاولة فهم تداعيات الأزمة على مختلف المستويات انطلاقا من الأزمات المماثلة التي عرفها التاريخ، فتفسير عدم انضباط المجتمع لتدبير وقائي معين، قد يجد نفسه في خلفية ثقافية تشكل امتدادا لبنية تشكلت على مدى عقود أو قرون (قدرية الإصابة على سبيل المثال)، وتدخل الدولة لتعزيز حضورها في المجتمع عبر رجال السلطة، يحيلنا على أدوار ثابتة للدولة وبنفس الآليات في أزمات مماثلة خلال فترات تاريخية سابقة. ومحاولة استشراف مستقبل العلاقات بين الدول، يجعل من المعطى التاريخي عاملا مهما في تحديد طبيعة التحول الذي قد تفرزه أزمة كورونا على هذا المستوى. كما أن غياب تمثل المجتمع لحالة الوباء الكوني، يجعل المؤرخ مؤهلا أكثر من غيره لتشكيل هذا التمثل لدى المجتمع، انطلاقا من قدرته على استحضار أزمات الماضي واستخلاص معالمها بما يتوفر عليه من أدوات منهجية. كل هذا مع التأكيد على أن هناك من الباحثين، من سيرى بأن مساهمة المؤرخ قد لا تفضي بالضرورة إلى فهم يذكر للأزمة إلا بعد مرورها بفترة وظهور كل التفاصيل المرتبطة بها.
لا يتعلق الأمر في هذا الكتاب الجماعي بدراسات أكاديمية تتعلق بتاريخ الأوبئة في المغرب والعالم، بقدر ما هي مقالات تأملية لعينة من المؤرخين الذين ينتمون إلى أجيال مختلفة ومباحث تاريخية متنوعة، الهدف منها الإجابة على السؤال المطروح بخصوص دور المؤرخ في فهم الأزمة إلى جانب المتخصصين في الحقول المعرفية الأخرى، وكذلك توثيق التفاعل الآني للمؤرخ معها، والذي يهدده خطر التواري خلف سيكتبه المؤرخون بعد اكتمال الصورة وعودتهم إلى مكانهم الذي يراه البعض طبيعيا بعد توفر المسافة الزمنية الكافية مع الحدث.
انطلقت الأجوبة على السؤال المطروح في هذا الكتاب من زوايا متعددة، فإبراهيم القادري بودشيش ذهب إلى أن دور المؤرخ في فهم أزمة كورونا يتحدد آنيا في محاولة بناء عتبة الفهم الأولي للأزمة، عبر مجموعة من الترتيبات النظرية والإجرائية، بينما اختار محمد حبيدة وضع أزمة كورونا في سياق المقارنة مع وباء الكوليرا لإبراز الانتقال من الحدود البيولوجية إلى العولمة الفيروسية. فيما فضل عبد الواحد أكمير الانطلاق من زاوية تأثير الجوائح على الدولة والحضارة لاستشراف تأثير وباء كورونا على البنيات السياسية للدول والحضارات. أما الطيب بياض فبقي وفيا لانشغالاته المنهجية المتعلقة بالتاريخ الراهن، وطرح مسألة التاريخ بين الجدوى والموضوع وآليات الاشتغال. واختار محمد الأزهر غربي العودة لسياقات الأوبئة عبر وضع وباء كورونا في سياقه التاريخي إسوة بالأوبئة المماثلة التي عرفها التاريخ. وكان تاريخ الفلسفة حاضرا عبر ميشيل باسيل عون الذي حاول رصد دور أزمة كورونا في استنهاض العقل الإنساني، بينما حاول أسامة الزوكاري فهم مسألة العودة إلى الفردانيات في زمن الوباء. وكانت البضاوية بالكامل واضحة في طرح سؤالها حول جدوى العودة إلى التاريخ لفهم ما يجري خلال أزمة كورونا. وقدم محمد مزيان ملاحظات أولية حول علاقة المؤرخ بكوفيد 19. أما سعيد الحاجي فقد اختار إبراز دور التاريخ في فهم وتفسير السلوك التضامني للدولة والمجتمع خلال أزمة كورونا.
وقد ختم هذا العمل الجماعي بقراءة في المعطيات الإحصائية والتجارب العلاجية المتعلقة بوباء كورونا إلى حدود تاريخ صدور الكتاب، والتي أنجزها إبراهيم أوباها والحسين المكحول وامبارك اركوكو، لكي يكون القارئ أمام صورة واضحة لطبيعة الوضع الوبائي الذي استلزم انخراط المؤرخ إلى جانب غيره من المتخصصين في محاولة فهم الأزمة.
إجمالا، فإن هذا العمل الجماعي يسعى إلى تقديم فكرة محورية تتمثل في ضرورة توثيق حضور المؤرخ في الأحداث الراهنة، والتشجيع على مراكمة ما يرتبط بهذا الحضور، فالمؤرخ وإن كان يضطلع بمهمة كتابة التاريخ انطلاقا من مسافة معينة، سواء كانت زمنية أو منهجية، فإن هذا لا يعني غياب إمكانية تفاعله مع الحاضر بقدر تفاعله مع الماضي.
الآثار الاجتماعية والتربوية والنفسية لجائحة كوفيد 19
صدر هذا المؤلف ضمن منشورات مركز تكامل للدراسات والأبحاث بتعاون مع مؤسسة باحثون للدراسات والأبحاث والنشر والاستراتيجيات الثقافية، ويأتي ضمن سلسلة “توثيق أعمال كتبت في زمن كورونا” التي يصدرها مركز تكامل للدراسات والأبحاث. وهذا الكتاب يتضمن مقالات تعبر عن دراسات علمية في حقول معرفية متعددة (علم الاجتماع، علم التربية، علم النفس، الطب…).
هذا العمل من تنسيق ربيع اوطال وتقديم أحمد شراك، وشارك فيه مجموعة من الأساتذة والباحثين. تم تقسيم هذا المؤلف إلى ثلاثة محاور أساسية بالإضافة إلى شهادات وملحق. وقد تضمن المحور الأول الأثار الاجتماعية للجائحة، حيث قدم فيه مجموعة من السوسيولوجيين محاولة لفهم هذه الجائحة من خلال علاقتها بموضوعات متعددة: الرابط الاجتماعي، التحولات الاجتماعية، راهن التمظهرات المجتمعية، الرهانات السوسيولوجية، التنمية، المجال، التمثلات الاجتماعية، الفعل الاجتماعي، الشباب، العولمة، الصدمة، الهجرة، النكت. أما المحور الثاني فتضمن الآثار التربوية للجائحة من خلال التطرق لموضوعات تربوية وتعليمية ارتبطت بهذا الزمن الوبائي، وخاصة موضوع التعليم عن بعد. وبالنسبة للمحور الثالث فتضمن الآثار النفسية للجائحة، من خلال محاولة فهم آثار الاستعمال المفرط للأجهزة الإلكترونية خلال هذه الفترة الوبائية. وبالإضافة إلى هذه المحاور الثلاث، تعزز هذا المؤلف بشهادات لتجارب أطباء مزاولين بالمستشفيات الوطنية ومساهمين في الصفوف الأولى لمكافحة الجائحة. وتضمن الملحق عرضا للإحصائيات المتعلقة بانتشار الفيروس عالميا وتحليلها، مع تقديم بعض التجارب العلاجية.
جائحة كوفيد 19 والتوازن الاقتصادي بالمغرب: سيناريوهات مرتقبة
هذه المؤلف صدر في الشهر الثاني من الحجر الصحي، للدكتور زهير لخيار، وهو أستاذ للتعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، جامعة الحسن الثاني.
ووفقا للمؤلف فإن هذا العمل يهدف الى المساهمة في تشخيص هذا الوباء وتأثيراته على الاقتصاد المغربي مع طرح بعض الاقتراحات الرامية الى الخروج السلس من الازمة وبناء استراتيجية التعافي الاقتصادي وذلك مع التركيز على التدابير التي تمكن المغرب من عدم العودة الى الازمة من خلال تحصين الاقتصاد الوطني مع كل أزمة قد تحدث في المستقبل.
وجوه يانوس
صدرت هذه الرواية لمؤلفها الكاتب الصحفي مهدي حبشي، وهي عمل أدبي يعالج ظاهرة التطرف من خلال نسج قصة من روايات واقعية.
يقول مهدي حبشي في حديثه مع موقع “بناصا”، هناك مقولة جميلة مفادها: إن لم تجد في المكتبة كتابا كنت ترغب في قراءته فما عليك سوى ان تكتبه.
وأضاف المتحدث نفسه، “أنا قرأت الكثير في الأدب العالمي ووجدت أن الأدب المغربي ما زال لم يستكشف عددا من الأراضي الخصبة في مجال الرواية… لذا حاولت، ولا أدعي اني نجحت، أن أكتب رواية مغربية في اهتماماتها وشخوصها وفضاءاتها، لكن بتقنيات دعينا نسميها “غربية”.
واستغل الكاتب الصحفي فترة فراغه في الجائحة ليخرج هذا العمل الى حيز الوجود، عمل ينتظره القراء بشغف كبير.
تعليقات الزوار ( 0 )